عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2012, 08:35 PM   المشاركة رقم: 3
الكاتب
wolf101
عضو فعال
الصورة الرمزية wolf101

البيانات
تاريخ التسجيل: Dec 2011
رقم العضوية: 7508
الدولة: Alex
المشاركات: 570
بمعدل : 0.13 يوميا

الإتصالات
الحالة:
wolf101 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : wolf101 المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: كل ما لم تعرفه عن السيرة النبوية الشريفة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { حياته ما قبل النبوة } **

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات ، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد ، ونال حظًا وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات ، فعاف ما سواها من خرافة ، ونأي عنها ، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم ، فما وجد حسنًا شارك فيه وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح على النصب ، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا ، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها ، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى‏ .

** { شارك قريش في بناء الكعبة } **

روى الإمام أحمد وأهل السير :-
( أن قريشاً عندما اختلفت في وضع الحجر الأسود في مكانه ،,,
قالوا :- اجعلوا بينكم حكماً ،,,
فقالوا :- أول رجل يطلع من الفج ،,,
فجاء رسول الله فقالوا :- أتاكم الأمين ،,,
فقالوا :- فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فرفعوا نواحيه فوضعه النبي في مكانه المطلوب ) .
( كان عمر النبي إذ ذاك ( 35 ) سنة ) .
( لو لا حكمة الله وهداية رسوله إلى هذا الحل لسفكت الدماء ) .
إن قبول قريش تحكيم الرسول في أمر وضع الحجر الأسود في مكانه من البيت الحرام ووصفهم له بالأمين ، دليل على تربيتة سبحانه لنبيه على مكارم الأخلاق التي كان من بينها الصدق والأمانـــة .
إن الاقتراح الذي توصل إليه الرسول لحل هذه الأزمة كان بتوفيق من الله ليلفت أنظار الناس إلى ما سيختاره له الله من القيام بأمر أكبر من هذا لتوحيد الناس .. وهو الإسلام .

** { بداية البعثة النبوية بمكه } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

في يوم الاثنين الموافق 6 - 8 - 610 م كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يمكث الليالي بعيدا عن الجاهليه من الناس يتبعد الله ويتقرب منه في غار حراء ودون تأهب منه او توقع فوجئ عليه افضل الصلاة والسلام بنزول الوحي اليه وتبليغه برسالات ربه وهو في سن الاربيعين عاماً ,,,

فجاءه الملك جبريل فقال له :- اقرأ ،,,
قال الرسول عليه الصلاة والسلام :- ما أنا بارىء ،،،
ثم اعيد ذلك .. ثلاث مرات ..
إلى أن قال جبريل عليه السلام :-
(
اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم .. ) متفق عليه .
قوله ( ما أنا بقارىء ) أي لا أحسن القراءة .

وبعد رحيل الملك جبريل عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ,,
ذهب إلى زوجته خديجة وأخبرها الخبر ,,

قالت له : - ( كلا ، فوالله لا يخزيك الله ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر ) .
وكلامها هذا يدل : على رجحان عقلها وحسن تصرفها وفضلها وسلامة فطرتها .
( ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان امرءاً تنصر في الجاهلية ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، وأخبره الخبر ) .
قال ورقه بن نوفل :- ( يا ليتني أكون فيها حياً جذعاً حين يخرجك قومك ؟
قال :- أو مخرجي هم ؟
قال :- نعم ، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ,،
( ثم لم يلبث ورقة أن توفي ) .

*-* هل ورقة بن نوفل من السابقين ؟
نعم ، فقد صدق بنبوة محمد حيث قال ( .. يا ليتني فيها }
أي أيام الدعوة { جذعاً حين يخرجك قومك ، .. وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ) .
قال : - ( لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين ) رواه البزار .
وقال أيضاً : - ( قد رأيته فرأيت عليه ثياب بيض ) رواه أحمد .

*-* وانقطع بعد ذلك الوحي وقيل :-
كانت ستة أشهر ، وقيل : كانت أربعين يوماً *-*

*-* بعد هذا الانقطاع نزل عليه الوحي مرة أخرى .
*-*

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عن جابر قال :- قال رسول الله : -
( بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً ، فرفعت بصري ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فرعبت منه ، فرجعت فقلت :- زملوني زملوني ، فأنزل الله : يا أيها المدثر قم فأنذر ، إلى قوله : والرجز فاهجر ) متفق عليه .
فحمي الوحي وتواتر ؛؛ فكان أول ما نزل بعد فتور الوحي

( يا أيها المدثر .. ) .

ثم توالى نزول القرآن - الكتاب الخاتم - وبدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوته على مراتب خمس كما ذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه " زاد المعاد "
المرتبة الأولى :- النبوة ،,,,
والمرتبة الثانية :- إنذار عشيرته الأقربين ،,,,
والمرتبة الثالثة :- إنذار قومه ،,,,
والمرتبة الرابعة :- إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة ،,,,
والمرتبة الخامسة :- إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر ,,,,

وماكان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبلغ النور الذى يحمله إلى الناس من حوله ، فظل يبلغ الدعوة سرًا طوال ثلاثة أعوام ، ينتقى من يلتمس فيه صلاحًا ، فيسمعه القرآن المنزل عليه ، ويجمعه مع إخوانه الذين سبقوه لدين الله ، منتظرًا ومتهيئًا نزول أمر الله بالجهر بدعوته .

لقد كانت بعثته - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ، كما أخبر بذلك أصدق القائلين :-
{
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (الأنبياء :107) ،,
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :- (
إنما أنا رحمة مهداة ) فمن آمن به وصدقه ، فاز فوزاً عظيماً ،,,
قال تعالى :- {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
(الأحزاب :71)

ومن أعرض عن هدايته فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وخسر في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :-
{ ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } (طه : 124)

إنَّ بعثته - صلى الله عليه وسلم- كانت ميلاداً جديداً للبشرية ، وتاريخاً عظيماً للإنسانية ، قال تعالى :- { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } (الأعراف : 158)

فببعثته كَمُلَ للبشرية دينها ، وتم للإنسانية نعيمها ، قال تعالى :-
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة : 3 )

فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً ، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه ، قال تعالى :- {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
( آل عمران : 85 )

وما إن نزل أمر الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة ،،
حتى قام النبى على جبل الصفا يعلن على الملأ حقيقة رسالته ولكن الآذان التى لم تتعود سماع الحق والعقول التى ألفت الدعة والنوم والنفوس التى عشقت الضلال حتى أدمنته لم ترض لنور الله أن يسطع بين حنايا مكة ،،

حتى يكون لها فى منعه دور ونصيب وقد تحمل النبى صلى الله عليه وسلم وعصبته المؤمنة مخاطر وألم المواجهة والإيذاء وسطروا بدمائهم وأرواحهم أروع آيات الصبر والثبات وهم إن عدموا ملجأ يحتمون به فى دروب مكة ودورها على تعددها واتساعها فقد وجدوا فى دار أخيهم الأرقم النائية بعض الأمن وبعض الجزاء فبين جدران هذه الدار المباركة كانوا يتعلمون أحكام دينهم ويتربون على قيمه السامية ثم كان فى الهجرة إلى الحبشة بعد اشتداد الإيذاء الحماية والمنعة فى بلد عُرِفَ ملكها بالعدل والإنصاف .

أما مسلمو مكة ممن لم يهاجروا إلى الحبشة فقد قويت شوكتهم بإسلام حمزة وعمر رضى الله عنهما ولما أيست قريش من أساليب المواجهة والإيذاء لجأت لأساليب المساومة والإغراء لكن هيهات لمن رأى النور الحق أن يخدع ببريق الشهوات وعلى حمية الجوار جمع أبو طالب بنى هاشم وبنى المطلب لنصرة ابن أخيه ، وهنا لم يبق لقريش إلا أن تعلن المقاطعة العامة للمسلمين وأنصارهم ، وكما صبر المسلمون على ألم الإيذاء وفتنة الإغراء مشوا بأقدامهم على أشواك هذه المقاطعة ليصلوا إلى هدفهم النبيل وكمحاولة يائسة حيرى أخيرة أرسلت قريش وفدًا منها إلى أبى طالب ليعاود المفاوضة ولم يعد إلا بما استحقه خفَّى حنين .

وفى العام العاشر للنبوة ألمت برسول الله والمسلمين مصيبتان: وفاة أبى طالب ، ووفاة خديجة - رضى الله عنها ؛ فسُمِّىَ هذا العام بعام الحزن .

أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه العظيم - صلى الله عليه وسلم - سورة الشعراء ،
فقص عليه وعلى المؤمنين بها قصة موسى - عليه السلام ، بفصولها المتتالية : -
من نبوة وهجرة ومواجهة ونجاة لهم وهلاك لفرعون ومن معه لتكون هذه السورة أنموذجًا للمسلمين وأورد الله بها نهايات المكذبين من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ،

ثم أنزل الله تعالى بها قوله الكريم:- (
وأنذر عشيرتك الأقربين ) فكان ذلك تكليفًا لمحمد صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه بالجهر بدعوتهم وبدأ النبى الكريم بدعوة الأقربين كما أمر ثم كانت جولته الثانية على جبل الصفا منذرًا بطون قريش قاطبة ومحذرًا إياهم نار الآخرة التى لا تفنى حتى أنزل الله تعالى أمره ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) فكان الصدع بالحق دأبه وديدنه لا يترك نفسًا إلا ويسمعها من رسالة ربه ما شاء الله لها أن تسمع آمنت بعد ذلك أم لم تؤمن .

فوجئت قريش ذات نهار بمن يصعد جبل الصفا، ثم يلح صارخًا : يا صباحاه ! واجتمعت بطون قريش إليه، فإذا الصارخ محمد -صلى الله عليه وسلم- وإذا هو ينذرهم من بين يدى عذاب شديد، لكن قريشًا التى تعلم صدق محمد قد عقدت ألسنتها الدهشة، فما أجابه إلا عدو الله عمه أبو لهب قائلاً : تبًا لك سائر اليوم ! ألهذا جمعتنا؟، فنزلت سورة المسد. ويروى أنه تناول حجرًا ليرمى به النبى -صلى الله عليه وسلم-.

بادر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتنفيذ ما كلف به بإنذار عشيرته الأقربين ، فدعا بنى هاشم فحضروا ومعهم نفر من بنى المطلب بن عبد مناف، وما كاد النبى يهم بالحديث إليهم حتى عاجله أبو لهب -تبت يداه- بهجوم عاصف، توعده فيه بالهلاك على أيدى قريش، ومن طاوعهم من العرب، ثم ختم حديثه المشئوم بقوله: فما رأيت أحدًا جاء على بنى أبيه بشرٍ مما جئت به. فسكت محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يتكلم، وماذا يقول لمن يقف أمام نور الحق، فيعمى قلبه حتى لا يرى شيئًا؟. وعاد النبى الكريم إلى المحاولة مرة أخرى، فجمعهم ثم خاطبهم فحمد الله وأثنى عليه، وأعلمهم أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إليهم خاصة، وإلى الناس عامة، وأنذرهم البعث والحساب، والجنة والنار، فأما أبو طالب فقد آزره، وأعلن إحاطته له ونصرته، وأما أبو لهب فقد حفز الناس أن يأخذوا على يديه قبل أن تأخذ العرب، فأجابه أبو طالب قائلاً: والله لنمنعنه ما بقينا.

نزل التوجيه الإلهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاسمًا قاطعًا : -
( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين )

فانطلق محمد عليه الصلاة والسلام يجوب مكة بأسرها من أقطارها إلى أقطارها ، ومن أسواقها إلى أنديتها ، يوقظ النائمين فى ليل الوثنية ويصرخ بغريقى بحار الجاهلية ويهز أفئدة المتجمدين على دين آبائهم ويعلن للجميع أنه لا إله إلا الله وأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم ،

فانفجرت براكين الغضب بمكة ومادت الأرض تحت أقدام سادتها وسدنة أصنامها ،،
أيكون الأمر لله ؟! ولله وحده ؟*! فما يبقى لنا بعد ذاك ؟!
أيساوى رب محمد بيننا وبين العبيد والإماء ؟! ويسمى كنز المال ظلمًا ؟!
ولا يصبح لقريش فضل على من سواها ؟! بل لا يصبح فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى ؟!
فما نعيم الدنيا بعد ذاك ؟! بل وما البقاء فيها ؟!!

أجمعت أفئدة الكفر بمكة على حرب هذا النبى الجديد وإفناء أتباعه وإطفاء نار ثورته قبل أن تطول كل شىء بايذائه بكافه الوسائل ،،،
(( حربًا دعائية + السخريه واثارة الشبهات +
اختراع الحيل لإشغال الناس عنه )) والكثير ,,

كان وراء اختيار دار الأرقم بن أبى الأرقم أسباب عديدة تهدف جميعها إلى حجب المسلمين عن أعين أعدائهم ..
أما أول هذه الأسباب، فهو جهل قريش بإسلام الأرقم ؛
وأما ثانيها: فكون الأرقم من بنى مخزوم، حاملى لواء الحرب والتنافس مع بنى هاشم، فلا يسبق إلى ذهن قريش أن محمدًا يلقى صحبه فى بيت عدوه بمقاييسهم الجاهلية.
وأما ثالثها: فهو أن الأرقم كان فتىً عند إسلامه فى حدود السادسة عشرة من عمره، فلا يعقل أن يجتمع المسلمون فى بيته دون بيوت الكبار منهم ولقد كان احتياط النبى -صلى الله عليه وسلم- وصحبه فى اختيار هذه الدار سببًا لاستتار أمرهم وعدم انكشاف حركتهم يومئذ .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { الهجرة إلى الحبشة } **

الدفاع عن النفس وقتال من بغى واعتدى لم ينزل أمر الله به بعد والبقاء فى مكة أصبح مستحيلاً
مع هذا الاضطهاد والتعذيب فماذا يفعل المسلمون إذن ؟

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحيم بأمته قد ارتأى لهم أن يفروا بدينهم إلى ديار آمنة فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة فهاجر منهم فى رجب سنة خمس من النبوة اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة ،رئيسهم عثمان بن عفان ومعه زوجه السيدة رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد هاجر هؤلاء الصحابة تسللاً وخفية ، فى سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة حيث النجاشى الملك العادل الذى لا يظلم عنده أحد .

وما كاد المسلمون المهاجرون يستقرون بالحبشة حتى سارت إليهم شائعة بإسلام قريش فقفلوا راجعين إلى مكة فى شوال من نفس العام وما تبينوا الحقيقة إلا بعد ساعة من نهار فى مكة واشتد تعذيب المشركين لهم فكانت هجرتهم الثانية رغم يقظة المشركين وشدة حذرهم وبلغ عددهم فى هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة لكن أنى لنار قريش أن يهدأ أوارها لقد عز عليها أن تعلم أن المسلمين قد وجدوا مأمنًا يعبدون فيه ربهم فكانت مكيدتها بإرسال رسولين إلى الحبشة لاستردادهم من النجاشى وقد خاب سعيهم وبطل مكرهم ورد النجاشى رسولى مكة دون أن يقضى لهما حاجة بل أعلن إيمانه بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - أما هؤلاء المهاجرون فقد مكثوا بالحبشة حتى مكن الله لنبيه بالمدينة فعادوا إليها وكان آخرهم عودة جعفر بن أبى طالب بعد فتح خيبر .

إشاعة إسلام قريش ,,,,

بينا سادة وكبراء مكة جالسين حول الحرم فى جمع كبير فى رمضان من العام الخامس للنبوة ، إذ فوجئوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلع عليهم جاهرًا بتلاوة سورة النجم وأخذ كلام الله المبين بتلابيب عقولهم فما استطاعوا منه فكاكًا ووصل النبى إلى قوله تعالى :
( فاسجدوا لله واعبدوا) فسجد ،،

وما تمالك المشركون أنفسهم حتى سجدوا معه جميعًا وقد صدعت الآيات عناد نفوسهم واستكبارها وهنا ارتبك المشركون مما حدث لهم ولم يدروا ما هم صانعوه وتخوفوا العتاب واللوم ممن كانوا يتبعونهم أو يعارضونهم فاحتالوا لذلك حيلة دنيئة ومكروا مكرهم السيِّئ وافتروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكذب والبهتان فزعموا أنه قال: تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى بعد أن تلا :- ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) يريدون أن يزعموا أنهم ما سجدوا لإله محمد إنما محمد هو الذى ذكر آلهتهم بخير وكان من توابع هذه الحادثة العجيبة أنها وصلت إلى مهاجرى الحبشة لكن فى صورة جديدة فقد وصل إليهم أن قريشًا قد أسلمت وسجدت لله رب العالمين فاستبد بالقوم الفرح وعزموا على الإياب لمكة فدخلوها ’’

مكيدة قريش ,,,,

هجرة المسلمين للحبشة للمرة الثانية وبعدد يبلغ خمسة أضعاف العدد الذى هاجر أول مرة كانت صفعة آلمت صدغ قريش وصكت أسنانها وبحركة لا ينهزها إلا الحقد ولايحدوها إلا ألم الهزيمة بعثت قريش اثنين من خيرة رجالاتها إلى الحبشة ليسألا النجاشى أن يرد مهاجري المسلمين إلى مكة ثانية وبقدر ما كان هذا الطلب شرسًا بقدر ما كان غريبًا مضحكًا أناس كانوا يعبدون ربهم ببلدهم فأبى قومهم أن يعبدوه فهاجروا إلى أرض بعيدة يعبدون فيها إلههم ولا يؤذون بها جارًا أو يعتدون على مواطن ما المنطق فى أن يستردهم كارهوهم؟ وما الحكمة فى أن يردهم مضيفوهم؟

تكلم رسولا قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة إلى النجاشى فى رد المسلمين وصدهما بطارقته فأبى الرجل العادل أن يفصل فى قضية دون سماع جميع أطرافها وتحدث جعفر بن أبى طالب عن المسلمين فوصف ما كان عليه قومه من الجاهلية وأبان ما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم- أن يفعلوه من الخير وما أمرهم أن يتركوه من الشر ووضح كيف اضطهدتهم قريش وسامتهم العذاب حتى لجئوا إلى أرضه واحتموا ببلاده وقرأ عليه من سورة مريم حتى بكى النجاشى ودمعت أعين أساقفته وهنا أطلق النجاشى حكمه وفصل فى قضيته قائلاً :-
إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون فخرج عمرو وصاحبه بخفى حنين لكن عمرو بن العاص داهية العرب لم يستسلم فكرَّ على النجاشى صبيحة اليوم التالى ليوقع بينه وبين المسلمين قائلاً:-
أيها الملك إنهم يقولون فى عيسى بن مريم قولاًعظيمًا فاستدعى النجاشى جعفرًا ليسأله فأجابه: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فصدقه النجاشى على ذلك وأخذ عودًا من الأرض ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود وأمّن المسلمين على أنفسهم وردّ على رسولى قريش هداياها وأعادهما خائبين لمكة .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { إسلام أسد الله والفاروق في ثلاثه ايام } **

كلما زاد الليل ظلمة وكلما اشتدت السماء حلكة كلما كان ذلك إيذانًا ببزوغ فجر جديد أبو جهل يمر بالنبى - صلى الله عليه وسلم - عند الصفا فيؤذيه وينال منه فلا يرد عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم- شيئًا ويأبى المعاند أن يترك محمدًا كريم الخلق يمضى فى طريقه حتى يضربه بحجر فى رأسه الشريفة فيسيل منها الدم نزفًا ثم تكون هذه الحادثة الأليمة مقدمة لنهاية سعيدة هى إسلام حمزة بن عبد المطلب حمية فى بادئ الأمر ثم إيمان راسخ بعدها وهذه هي القصة باختصار ,,,

حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلاً قوياً ذا عزيمة وشجاعة ، وسبب إسلامه هو الغضب والحمية لابن أخيه صلى الله عليه وسلم ، وخبر ذلك أن حمزة رضي الله عنه كان قادماً من الصيد فلقيته مولاة لعبد الله بن جدعان وأخبرته أن أبا جهل قد سب ابن أخيه سباً قبيحاً وآذاه ،,,
فأسرع حمزة وقد تملَّكه الغضب حتى جاء النادي الذي فيه أبو جهل ، وهو جالس بين قومه فوقف حمزة على رأسه وضربه بالقوس فشج رأسه شجة كبيرة وقال له :-
أتشتمه وأنا على دينه ؟ أي تشتم محمداً وأنا أدين بدينه ؟
فكان إسلام حمزة رضي الله عنه في بادئ الأمر حمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفة أن يهان وهو ابن أخيه ، ثم شرح الله صدره للحق ، قال حمزة رضي الله عنه :- لما احتملني الغضب وقلت أنا على دينه ، أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي وبت من الشك في أمر عظيم لا أكتحل بنوم ، ثم أتيت الكعبة وتضرَّعت إلى الله سبحانه أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب ، فما أتممت دعائي حتى زاح عني الباطل وامتلأ قلبي يقيناً ،,,,
فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لي بأن يثبتني الله ، وقال حمزة حين أسلم أبياتاً من الشعر منها :-

حمدت الله حين هدى فؤادي **** إلى الإسلام و الدين الحنيف
لدين جــاء من رب عزيز **** خبير بالعباد بهـم لطــيف
إذا تليـت رسائله علــينا **** تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها **** بآيات مـبيَّنة الحـروف

وأبلى حمزة رضي الله عنه في الإسلام بلاءً حسناً ، ودافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عظيماً إلى أن اصطفاه الله تعالى في الشهداء ، وقد شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :- (
سيد الشهداء حمزة ) رواه الطبراني .

ولا تكاد أيام ثلاثة من شهر ذى الحجة للعام السادس من نبوته - صلى الله عليه وسلم -
تمر بعد إسلام حمزة - رضى الله عنه - حتى يلطم عمر بن الخطاب أخته فاطمة على وجهها لطمة شديدة لإيمانها بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون الدم السائل من وجهها سببًا لإيمان ابن الخطاب وإعلانه شهادة الحق ,,,

هذا وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء كان بركة على عمر وتوفيقاً من الله تعالى له ، روى الترمذي في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال :-
قال رسول صلى الله عليه وسلم:- (
اللهم اعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال وكان أحبهما إليه عمر ) .
قال ابن مسعود رصي الله عنه:
"إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنَّا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه " ، وروى البخاري عن ابن مسعود كذلك قال: " مازلنا أعزة منذ أسلم عمر ".

وفى أيام ثلاثة تتبدل أحوال المسلمين والدعوة المحبوسة فى دارالأرقم تجد طريقها إلى الكعبة فى وضح النهار وعلى مسمع قريش ومرآها أقدام المسلمين تشق طرقات مكة فى صفين طويلين يقدم أحدهما أسد الله حمزة ويسبق الآخر الفاروق عمر الذى أبى الاختباء وأقسم لنبيه - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :- والذى بعثك بالحق لنخرجن فكان خروج المسلمين وكانت عزتهم يصف صهيب تلك الحال قائلاً :- لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعى إليه علانية وجلسنا حول البيت حلقًا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتى به .

المقاطعة العامة ,,,,

الأحداث فى مكة صارت متلاحقة ، حمزة يدخل الإسلام ، ولا تكاد أيام ثلاثة تمر حتى يتبعه عمر ، والمسلمون يخرجون فى طرقات مكة ، يعلنون عن إيمانهم ، وقريش تتنازل عن بعض كبريائها وتذهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لتساومه ,,،
لكن النبى - صلى الله عليه وسلم- يردها خائبة ، ثم يعلن أبو طالب جمعه لبنى هاشم وبنى عبد المطلب على نصرة محمد ، والرسول يدخل فى شعبهم احتماء من كيد قريش .
إن سرعة الأحداث وتعاقبها فى فترة وجيزة، لا تتجاوز الأسابيع الأربعة تنبئ بحدث جلل، لم يلبث حتى أسفرت عن وجهه الأيام، فقد هدى قريشًا شيطانها إلى كتابة صحيفة علقت بالكعبة؛ لمقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب مقاطعة تامة تفضى إلى هلاكهم ،,,
وصبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، ومعهم بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم فى شعب أبى طالب ، إلا أبا لهب ، فإنه ظاهر قريشًا على رحمه ، وذلك من ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة ، ولمدة ثلاث سنين متصلة، حتى منّ الله تعالى عليهم ، ونقضت الصحيفة الظالمة ، القاطعة للرحم .

كتابة الصحيفة ,,,,

اجتمع سادة قريش فى خيف بنى كنانة من وادى المحصب، فتحالفوا على بنى هاشم وبنى عبد المطلب، ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وألا يقبلوا من بنى هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة، حتى يسلموه للقتل. ويقال إن منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم هو الذى كتبها، ويقال النضر بن الحارث، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم، وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كاتبها، فشلت يده.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** { الدعوة خارج مكة } **

أبت الدعوة أن تظل حبيسة فى مكة وما يدفعها لذلك؟ ألم تصل إلى كل أذن لقريش أليست هى دعوة رب العالمين للعالمين؟ أليست هى دعوة للإنسان -كل إنسان- على الأرض حتى تقوم الساعة؟ فما يبقيها فى مكة بعد الآن؟

مكثت الدعوة فى مكة عشر سنين، آمن فيها من آمن وكسل فيها من كسل وآن للنبى -صلى الله عليه و سلم- الذى كلف بحمل الدعوة للناس أن يحمل هذا النور خارج مكة وإلى الطائف كانت رحلته الأولى وحول الكعبة عرض الإسلام على القبائل منتهزًا أيام الحج وما كان يتحرك للجمع فحسب بل كان يحركه الفرد فيأتيه ويدعوه وبدين الله يعرفه وظل كذلك حتى أتته البشرى نسمات من يثرب ست أضحت بعد أن دُعِيَت تسعى فى نور الحق وفى هذا العام: الحادى عشر للنبوة تزوج النبى -صلى الله عليه وسلم- عائشة ابنة صِدِّيقه أبى بكر وفى هذه المرحلة وضوء نجاح الدعوة يشرق حينًا ويخبو حينًا آخر أسرى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء تثبيتًا لفؤاده وتبشيرًا لأتباعه وفى العام الثانى عشر للنبوة أثمرت بشرى يثرب وفدًا بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمنى بيعة العقبة الأولى وفى العام التالى كانت بيعة العقبة الثانية وهكذا أصبح للإسلام وطنٌ فى أرض العرب يأوى إليه فكان إذن النبى -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين بالهجرة إلى يثرب وشعرت قريش أن زمام الأمر قد أفلت من بين يديها وفى دار الندوة كان الكيد ولقتل محمد كانت مؤامرة قريش لكن الله يحفظه ومن فوق العرش نجَّاه وإلى يثرب كانت هجرته هجرة رجل حمل الحق فخرج من داره لكن مدينته المنتظرة وقلعته المنصورة كانت فى استقباله .

رحلة ما بعد مكه ~ الطائف

لم يكد عام الحزن -العام العاشر للبعثة - يشارف على نهايته حتى أظهرت صفحاته حادثة أليمة أخرى كانت تنتظر النبى -صلى الله عليه وسلم- فدور مكة التى أوصدت أبوابها دون دعوته وسفهاؤها الذين صاروا يتجرؤون عليه بعد وفاة عمه أبى طالب وكبراؤها الذين كاشفوه العداوة والبغضاء وتطاولوا على ضعاف المسلمين كل ذلك قد دفع الرسول أن يلتمس النصرة خارج مكة وإلى الطائف كان المسير حيث قطع النبى -صلى الله عليه وسلم- ستين ميلا متوجها إليها على قدميه الشريفتين ومعه مولاه زيد بن حارثة فى شوال من العام العاشر للنبوة فمكث فيها عشرة أيام يدعو أهلها فردوا عليه دعوته وأساءوا وفادته ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل تطاولوا عليه وآذوه فى رحلة عودته وعاد النبى -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة وبلغ مشارفها وهم (( عبد ياليل، ومسعودًا، وحبيبًا، أبناء عمر بن عمير الثقفى )) ثم جاب دروب الطائف ودورها يدعو أهلها، ولا يدع شريفًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فما كان يصله منهم إلا قولهم: اخرج من بلادنا. وجاءت ساعة الخروج، فأغروا به سفهاءهم يسبونه ويصيحون به، وكان الإيذاء فى رحلة العودة.

سألت السيدة عائشة - رضى الله عنها - رسول الله ذات مرة:- هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟
قال:- لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة يقصد عند خروجه من الطائف ,,

إن محمدًا صلى الله عليه وسلم- الذى لم يسألهم شيئًا لنفسه أو دنياه بل سألهم أن يؤمنوا بالله الواحد القهار ليكون لهم الفلاح فى الدنيا والنجاة والفوز فى الآخرة لم يلق منهم إلا أشد العداء وأسوأ التنكيل تبعه فى خروجه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ووقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى اختضب نعلاه بالدماء وكان إذا تعثر قصد إلى الأرض فيأخذونه بذراعيه ويقيمونه فإذا مشى رجموه وهم يضحكون وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى شج فى رأسه شجاجًا ولجأ النبى الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف فرجع عنه السفهاء ورق لحاله ابنا ربيعة على كفرهما- فأرسلا غلامًا لهما يدعى عداسًا بقطف من عنب وكان عداس نصرانيًا فلما قدمه إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- مد يده قائلاً:-
بسم الله ، ثم أكل ودار بينهما حديث قصير لم ينته إلا وعداس قد أكب على رأس النبى -صلى الله عليه وسلم- ويديه ورجليه يقبلها وقد أسلم ومضى النبى حزينًا حتى وصل إلى قرن المنازل فبعث الله إليه جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين وهما الجبلان اللذان يحيطان بمكة على أهلها فأجابه النبى -صلى الله عليه وسلم- قائلا:-
بل أرجو أن يخرج الله -عز وجل- من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا وواصل مسيره حتى بلغ وادى نخلة فبعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إليه وهو يتلو القرآن، فآمنوا وولوا إلى قومهم منذرين حقًا إن أفئدة الطائف ودورها قد أوصدت دون محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكن رحلته تلك قد آمن بسببها عداس الزكى وأقوام من الجن أما مكة التى طردته فقد أيده الله بملك الجبال ولكنه أبى الانتقام وآثر العفو والصفح إن رحلة العودة وما حدث بها من تأييد وعجائب قد أذهبت الحزن عن قلب المصطفى وجعلته يسمو حتى يرى مكة والطائف من علٍ فلا يشقيه ما يلاقيه فيهما من الصغار .

فسأله زيد معجبًا:- كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟
فأجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مطمئنًا:- يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- الذى أنهكت جسده أحداث هذه الرحلة العصيبة ظل قلبه وعقله يحلقان بعيدًا يلتمسان الهدى من السماء ويستشرفان المستقبل لهذا الدين الجديد لا يفت فى عضده شىء ولا يوهن من عزيمته أحد ولا يحنى من قامته إيذاء أو حادث كيف؟ وربه حسبه ونعم الوكيل,,
والتمس محمد -صلى الله عليه وسلم- الجوار فى مكة حتى أجيب إلى ذلك فدخل فى جوار المطعم بن عدى ,,,

عرض الإسلام على القبائل ,,,

ثم عرض الإسلام على القبائل (( بنو كلب، وبنو عامر، وبنو شيبان بن ثعلبة، وبنو حنيفة الذين أتاهم فى منازلهم فدعاهم، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منهم ))

*-* بنو كلب ~ أتى النبى -صلى الله عليه وسلم- إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبدالله، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول لهم: يا بنى عبدالله، إن الله قد أحسن اسم أبيكم. فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم.

*-* بنى عامر ~ أتاهم النبى -صلى الله عليه وسلم- فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه لكن يبدو أنهم كانوا مشغولين بدنياهم غير عابئين بآخرتهم فإن أحدهم ويدعى بيحرة بن فراس حدثهم قائلاً: والله لو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال للنبى: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟
فأجابه الرسول-صلى الله عليه وسلم-: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء فلم يعجب هذا الرد طالب الدنيا فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك وانصرفوا عنه وما علموا أى خير فقدوه
.

*-*بنى شيبان بن ثعلبة ~ وقد ذهب إليهم النبى برفقة صديقه أبى بكر فتحدثا إلى أربعة من أشرافهم حديثًا بدأه أبو بكر وتحسس فيه قوتهم ومنعتهم ثم استكمله النبى -صلى الله عليه وسلم-عارضًا دعوته وطلبه للمنعة فأجابه مغروق بن عامر بقول حسن لكن ثانيهم هانئ بن قبيصة رأى عدم العجلة والتروى والنظر فى الأمر وأجابه ثالثهم المثنى بن حارثة إلى قبوله النصرة مما يلى مياه العرب لا مما يلى أنهار كسرى لأنهم محالفوه فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق فإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه بجميع جوانبه .

عرض الإسلام على الأفراد ,,,,

الناس فى ميزان الرجال ليسوا سواء وإن كان إبراهيم -عليه السلام- أمةً كما وصفه ربه فإن دونه رجال قد يوزن الواحد منهم بقبيلةً أو أكثر وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذى كان يقصد القبائل فى موسم الحجيج لم يكن يفوته أن يأتى رجالاً بأعينهم أو أن يجلس إليهم إن هم بادروه ومن هؤلاء الرجال الذين لبوا نداء الحق حين سمعوه فى زيارتهم لمكة:- سويد بن صامت، وإياس بن معاذ، وأبو ذر الغفارى، وطفيل بن عمرو الدوسى، وضماد الأزدى.

*-* سويد بن صامت *-*
العاقل الذى يحسن أن يسمع ما أيسر دعوته هكذا كان سويد الذى سماه قومه الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه التقى بمحمد صلى الله عليه وسلم- فى أوائل العام الحادى عشر للبعثة فدعاه فقال له سويد: لعل الذى معك مثل الذى معى فسأله النبى صلى الله عليه وسلم-: وما الذى معك؟ فقال سويد: حكمة لقمان ثم عرضها على النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إن هذا الكلام حسن والذى معى أفضل من هذا قرآن أنزله الله تعالى على هو هدى ونور ثم تلا عليه القرآن فقال سويد: إن هذا لقول حسن ثم أسلم هكذا بمنتهى السهولة واليسر فحوار كحوار محمد -صلى الله عليه وسلم- وعقل لم توصد أبوابه أو تسد نوافذه كعقل سويد لا يقف أمامهما شىء أما سويد فكأن الله قد أدركه فى فرصته الأخيرة فإنه ما إن عاد إلى المدينة -بلدته- حتى اختطفه الموت قتلاً فى يوم بعاث.

*-* إياس بن معاذ *-*
ما أشقى أولئك البشر الذين يدبون فى الحياة الواسعة ثم هم لا يرون منها إلا ما وطئته أقدامهم إن وفدًا من أوس يثرب قدم على مكة يسأل قريشًا حلفًا يستعين به على قتال بنى العم لم يدع لنفسه فرصة يستمع فيها لنبى الله وهو يدعوه لما هو خير وأبقى أما إياس بن معاذ، وقد كان غلامًا حدثًا فى صحبة قومه، فإنه لم يشغله الباطل الذى بين يديه عن الحق الذى تراءى أمام عينيه وصاح بقومه عند سماعه حديث محمد -صلى الله عليه وسلم-: أى قوم هذا والله خير مما جئتم له لكن أين لصوت الحق أن يجد آذانا تسمعه وسط صخب حديث الحرب؟ إن جواب الأوس لإياس كان حفنة من التراب ألقيت فى وجهه على يد أحدهم -أبى الحيسر بن رافع- وهو يصيح بالنبى: دعنا عنك، فلعمرى لقد جئنا لغير هذا وأين ما جاءوا له مما جاءهم به ؟ وانصرف الوفد قافلاً دون أن يحوز حلف قريش أما إياس فإنه لم يلبث أن هلك وكان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح عند موته فلا يشكون أنه مات مسلمًا .

*-* ضماد الأزدى *-*
ما أعجب ما لاقاه محمد -صلى الله عليه وسلم- من قومه من هذا العجب موقفه حين كان سائرًا فى طريقه فإذا هو برجل يمنى يعرض عليه بطيبة قلب أن يرقيه حتى يشفى من جنونه أما هذا اليمنى فقد كان ضمادًا الأزدى وكان يرقى من الريح ببلده وغدا إلى مكة فسمع من أهلها أن محمدًا مجنون فرأى ببساطة أن يرقيه ليشفى وما نفى محمد عن نفسه الجنون وما نهى الرجل عن صنيعه إنما ابتدره قائلاً: إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادى له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.
وهنا لم يتمالك الأزدى نفسه حتى قال له: أعد على كلماتك هؤلاء فأعادهن عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا فقال له ببساطة الحق وروعته لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك تلك ولقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه. حقًا إن القلب الصادق والعقل الفطن لا يحتاجان لكثير جدال حتى يتبين لهما الحق .

رحلة ما بعد بعد مكه ~ يثرب ,,,,

فى سكون الليل وظلمته وبينما أوى أهل مكة وحجيج العام الحادى عشر للنبوة إلى فرشهم نائمين إذ كان هناك فريقان لم يزر النوم عيونهم اليقظة أما الفريق الأول فستة من شباب الخزرج ممن ذكرهم موسم الحج بنبوءة جيرانهم وحلفائهم من يهود يثرب بأن نبيًا من الأنبياء مبعوثًا فى هذا الزمان سيخرج فتتبعه يهود ويقتلون معه العرب قتل عاد وإرم ثم أقض مضجعهم أيضًا ما تركوه بيثرب من حرب أهلية بينهم وبين بنى عمهم من الأوس أكلت الأخضر واليابس وأنهكت قواهم وذهبت بها فأخذوا يتحدثون فيما بينهم حديثــًا سرى فى هدوء الليل وتسلل إلى آذان الفريق الثانى: محمد - صلى الله عليه وسلم - النبى الشغوف بدعوته وصاحبيه أبى بكر وعلى فقصدوا إلى شباب الخزرج ,,

وسألهم النبى:- من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج فقال: من موالى يهود؟ أى من حلفائهم، فقالوا: نعم فعرض عليهم -صلى الله عليه وسلم- الإسلام ودعاهم إلى الله وحده وتلا عليهم القرآن فتفجرت ينابيع الحق من قلوبهم النقية وأنفسهم الظمأى إلى حلاوته وأسرعوا يقولون لبعضهم البعض: تعلمون والله ياقوم إنه النبى الذى توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه وأسلموا على يديه -صلى الله عليه وسلم- ثم قالوا له: إنا قد تركنا قومنا ولاقوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك ورجع هؤلاء المسلمون الجدد إلى بلدهم حاملين رسالة الإسلام حتى لم تبق دار من دورها إلا وفيها ذكر محمد وهكذا شاء من جعل سجن يوسف المظلم طريقًا لظهور الحق وعلوِّ الشأن أن تكون هذه الليلة التى رآها المسلمون مظلمة لضياع قوتهم وقلة حيلتهم وانصراف القبائل عن دعوته أن تكون طريقًا أيضًا لظهور الحق وعلوِّ الشأن وسبحان من قال:-
(
لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ) .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { رحلة الاسراء والمعراج } **

ها هى البشارات تتوالى والانتصارات تتعاقب فى دأب شديد ولئن بدا الرسول - صلى الله عليه وسلم- مهزومًا فى عالم الشهادة فلقد غدا منصورًا فى عالم الغيب ,, قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة بقليل ؛ أكرمه الله تعالى بالإسراء والمعراج.

الجن تؤمن به - فى رحلة العودة من الطائف - حين كفر الناس ،
وأبواب السماء تفتح له حين أغلقت فى وجهه أبواب الأرض ،
و فمع بشرى يثرب التى كانت تقدمة لدولة جديدة للمسلمين بالمدينة ،
صارت هناك بشرى أخرى ، وهى زواجه - صلى الله عليه وسلم - بعائشة الصديقة ،,,

أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ،
راكبًا على البراق بصحبة جبريل - عليه السلام - (( وهو دابة ليست كدوابنا هذه، وإنما هي شيء سخره الله تعالى لرسوله إكراماً وتعظيماً ، يضع ذلك البراق حافره عند منتهي طرفه )),,

وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق - عليهم السلام - صلى محمد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل - عليهما وعلى أبيهما السلام - ,,

ثم
عرج به - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات العلا حيث توالت رؤيته للآيات العجيبة وأمام ربه - عز وجل - كان فرض الصلوات الخمس فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فى قومه أخبرهم بما أراه الله - عز وجل - ، فكذبوه وآذوه فساق لهم من دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة غير أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .

فكان كلما وصل إلى سماء يستفتح جبريل فيقال:- من أنت ؟ ومن معك ؟
فيقول :- جبريل ومحمد ,،
فيقال :- أو قد بُعث إليه ؟
فيقول :- نعم ،,,
فيفتح لهما مع الترحيب والدعاء بالخير، حتى انتهيا من السماء السابعة .

فرض الصلوات الخمس ,,,,

خمسون صلاة فى كل يوم وليلة هى ما فرضها الله - سبحانه وتعالى - على سيد الأنبياء فى رحلة المعراج لكنه - صلى الله عليه وسلم - حين مر بموسى - عليه السلام - بالسماء السادسه ،،
قال له موسى عليه السلام :- بما فرض الله عليه وعلى أمته ،,, .. فأشار عليه أن يرجع فيسأل ربه التخفيف، فإن أمته لا تطيق ذلك .

ففعل ووضع عنه ربه عشرًا ولم يزل محمد - صلى الله عليه وسلم - يتردد بين موسى - عليه السلام - الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالى حتى صارت الصلوات حتى جعل الله تعالى الصلوات المفروضة خمساً في الفعل وخمسين في الأجر .
وعندها أجاب - صلى الله عليه وسلم - موسى الناصح بمزيد من التخفيف ,,
فقال الرسول المصطفى :- قد استحييت من ربى ولكنى أرضى وأسلم ,,
فلما بعد نادى منادٍ: قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى .

ما رآه محمد - صلى الله عليه وسلم- من الآيات

وجب على الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلى يقين لا يلزم غيرهم ولأن الخبر ليس كالمعاينة فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو فى أعينهم عن جناح بعوضة وما جعلهم يستعذبون فى سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب.
وفى رحلة المعراج رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده وملأ قلبه يقينًا ،،

ففى السماء الدنيا رأى آدم -عليه السلام- ورأى أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره ، وفى السماء الثانية رأى عيسى ويحيى -عليهما السلام-، وفى السماء الثالثة رأى يوسف -عليه السلام-، وفى السماء الرابعة رأى إدريس -عليه السلام-، وفى الخامسة رأى هارون -عليه السلام-، ورأى أخاه موسى-عليه السلام- فى السادسة، ولما انتهى إلى السماء السابعة لقى إبراهيم -عليه السلام-،،

وكان كلما رأى نبيًا سلم عليه ذلك النبى ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى الجبار- جل جلاله -فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى وفى هذه الرحلة تكررت له -صلى الله عليه وسلم- حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن ،،

ورأى أربعة أنهار فى الجنة نهرين ظاهرين وهما:- النيل والفرات ونهرين باطنين ورأى مالك خازن النار كما رأى الجنة والنار ورأى أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل يقذفون بقطع من النار فى أفواههم فتخرج من أدبارهم ، ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها على الحركة ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون على النار ، ورأى الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن ويتركون السمين الطيب إلى جنبه ، ورأى النساء اللاتى يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن ،،،

ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى مكة من ليلته ، فلما أصبح ذهب إلى نادى قريش فأخبر القوم بما رآه ، فكذَّب من كذَّب وارتد بعض ضعاف القلوب عن الإسلام ، ثم امتحنوه بوصف بيت المقدس فوصفه كما هو ، ثم سألوه عن عير ( قافلة تجارة ) لهم في الطريق فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ووقت قدومها ،,,
فكان كما قال ، ومع ذلك لم تردعهم تلك الأدلة الظاهرة عن عنادهم وكفرهم ؛ إلا من وفقه الله تعالى وثبته على دين الإسلام .

وفي صبيحة ليلة الإسراء جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراه كيفية الصلوات الخمس وأوقاتها ، وكانت الصلاة قبل ذلك ركعتين صباحاً وركعتين مساء كصلاة سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { بيعة العقبة الأولى } **

إن النبتة التى غرسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بيده فى موسم الحج فى السنة الحادية عشرة للنبوة قد اشتد عودها حتى جاء فى الموسم التالى اثنا عشر رجلاً (( عشرة من الخزرج واثنان من الأوس )) خمسة من الستة الذين قابلوه فى العام الماضى وسبعة جدد ، جاءوا يبايعون الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند العقبة بمنى بيعة كبيعة النساء يوم فتح مكة - أى على الإيمان والطاعة - دون حرب أو قتال ,,

وقد روى البخاري في صحيحه نص هذه البيعة وبنودها في حديث عبادة بن الصامت الخزرجي رضي الله عنه – وكان ممن حضر البيعة – وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لهم ‏:‏-
(
تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفي منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمـره إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه )
قال :‏ " فبايعته " ، وفي رواية " فبايعناه على ذلك " .

وقد بعث النبى - صلى الله عليه وسلم- معهم شابًا من السابقين إلى الإسلام هو مصعب بن عمير العبدرى ليعلم من أسلم بيثرب شئون دينهم ويدعو بها من لم يسلم بعد وقد بارك الله فى سفارة مصعب ، وكان يعرف بالمقرئ وآمن بدعوته أسيد بن حضير وسعد بن معاذ سيدا قومهما من بنى عبد الأشهل وقصة إسلامهما تنبئ بحكمة مصعب ودماثة خلقه وقد أقام مصعب فى دار أسعد بن زرارة يقوم بما انتدب له بجد وحماس حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار أمية بن زيد وخطمة ووائل فقد وقف بهم عن الإسلام قيس بن الأسلت الشاعر حتى عام الخندق العام الخامس للهجرة ولم يأت العام المقبل: العام الثالث عشر للنبوة إلا ومصعب قد عاد إلى مكة يزف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشائر الفوز وبوارق الأمل فى قبائل يثرب وما بها من خير ومنعة .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { بيعة العقبة الثانية } **

الله أكبر !!

موسم الحجيج للعام الثالث عشر من النبوة يسفر عن غرس محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد استغلظ واستوى على سوقه وفد يثرب يقدم قاصدًا مكة وبين صفوفه ثلاثة وسبعون أو سبعون رجلاً وامرأتان (( نسيبة بنت كعب أم عمارة ، و أسماء بنت عمرو بن عدي بن ثابت )) ممن أسلم وآمن بالدين الجديد لا ينهزهم إلا شوقهم للقيا نبى الله - صلى الله عليه وسلم - ومبايعته على النصرة وتحت جناح الليل وبعد مضى ثلثه الأول كان التسلل خفية للقاء الموعود عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى حسب الاتفاق المضروب ,,,,

وبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه العباس عمه - وهو بعد على دين قومه - أما أبو بكر وعلى فقد وقف كل منهما عينًا على الطريق ؛ لحراسة الاجتماع السرى وقبل أن يسرد النبى - صلى الله عليه وسلم - بنود البيعة أكد العباس على خطورتها ، وبعد أن سردها فقد كرر التأكيد على خطورة البيعة الأنصاريان السابقان
(( العباس بن عبادة وأسعد بن زرارة )) ,,,

لكن الأنصار الذين عرف الإسلام طريقه إلى قلوبهم ما كادوا يستمعون إلى قولهما حتى بادروا إلى مصافحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلين:-
والله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها وبعد أن تمت البيعة قام الأنصار تنفيذًا لطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باختيار اثنى عشر نقيبًا حتى إذا تمت البيعة اكتشف شيطان المعاهدة فصاح على قريش يستفزهم وسعت قريش لمطاردة المبايعين لقتل حركة تعلم جيدًا شدة خطورتها لكن الله سترهم ولم تظفر قريش إلا بسعد بن عبادة الذى أجاره المطعم بن عدى والحارث بن حرب بن أمية فعاد سالمًا إلى ركبه وعاد الجمع الميمون إلى المدينة ينشرون دعوة الله ويهيئون يثرب لإقامة دولة الإسلام الأولى فى الأرض ويستعدون لاستقبال المهاجرين ونبيهم - صلى الله عليه وسلم - .

بنود البيعة ,,,,

كانت بيعة العقبة الأولى على الإيمان والطاعة أما هذه البيعة فقد كانت على الجهاد والقتال كذلك وقد جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنود هذه البيعة فى نقاط خمس:-

الأولى :- السمع والطاعة فى النشاط والكسل .
الثانية :- النفقة فى اليسر والعسر .
الثالثة :- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
الرابعة :- أن يقوموا فى سبيل الله لا تأخذهم فى الله لومة لائم .
الخامسة :- أن ينصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم إليهم ، ويمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم ، وأزواجهم ، وأبناءهم .

وواضح من هذه البنود الخمسة أن الإسلام لم يعد عقيدة تسكن أفئدتهم فحسب بل صار دعوة وحركة وجهادًا وتضحية تكلفهم أرواحهم ودماءهم فى بعض الأحيان أما وعد النبى -صلى الله عليه وسلم- إن هم وفوا بما عليهم فلم يكن النصر فى الدنيا ولا الغلبة على أعدائهم كما لم يكن متاعًا أو جاهًا يتنعمون به إنما كان الجنة والجنة فحسب .

وقد سأل أبو الهيثم بن التيهان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها -يعنى اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟
فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم منى أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وعلى شدة وضوح الخطورة فى بنود هذه البيعة إلا أنه تم التأكيد على خطورتها من الحاضرين ليبايع من أراد وهو على بينة من أمره.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { الهجرة إلى يثرب } **

كانت بيعة العقبة الثانية أخطر انتصار حققته الدعوة منذ ولادتها فقد صار لها اليوم حصن ووطن، وسط صحراء العرب الواسعة ، وكما أدرك هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسرع فى إرسال المسلمين إلى يثرب ليبادروا إلى تأسيس المجتمع الجديد بها فإن قريشًا قد انتبهت لذلك أيضًا فأخذت تحول بينهم وبين الهجرة وفى ظل هذا المناخ القلق كان المسلمون يلوذون فرارًا إلى يثرب لا يحملون معهم سوى إيمانهم بالله ويقينهم به، مخلفين وراءهم بيوتهم وأموالهم وتجارتهم ومصالحهم بل بعض أهليهم فى العديد من الأحيان وإن هجرة كهجرة أبى سلمة وزوجته وكهجرة صهيب الرومى أو هجرة عياش بن أبى ربيعة لتوضح لنا ما كان المسلمون يلاقونه من كيد قريش حتى يمنعوهم من الهجرة لكن عناية الله ورحمته حالت دونهم وما يبغون فما مضى بعد بيعة العقبة إلا شهران وبضعة أيام حتى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلى - أقاما بأمره لهما- ، ومن احتبسه المشركون كرهًا .


مؤامرة قريش ،,،،

إن الخطر الذى كانت تراه قريش بعقلها حين تفكر فى أمر هذه الدعوة قد أخذ يتجسد الآن بعد هجرة المسلمين إلى يثرب حتى صارت تراه حقيقة بعيونها المندهشة ولئن هى صبرت على محمد - صلى الله عليه وسلم - دون أن تغمد فى صدره سيفها فيما مضى احترامًا لأبى طالب أو إبقاءً على ود بنى هاشم أو إجلالاً لجوار المطعم بن عدى، فإن ما يحدث بيثرب الآن يدفعها دفعًا لتجهز على هذا النبى قبل أن يلحق بأتباعه، فلا تستطيع رد سهم قد نفذ واجتمعت فى دارالندوة فى السادس والعشرين من صفر سنة أربع عشرة من البعثة وجوه قريش الممثلة لكافة بطونها وظلوا يتدارسون بينهم خطة الإجهاز على نبى الله - صلى الله عليه وسلم - وانتهت المشاورة إلى أخبث خطة لقتل من أرسل رحمة للعالمين ... محمد - صلى الله عليه وسلم - .

المشاورة ،،,،

بين جدران دار الندوة كانت المؤامرة تحاك خيوطها والجريمة البشعة ترسم خطواتها ولئن بدأ إخوة يوسف بالقتل حين أرادوا الوقيعة به ثم انتهوا إلى النفى لصلاح بقى فى قلوبهم فإن قلوب وجوه قريش المظلمة وعقولهم الصدئة قد أبت إلا تنكب هذا الطريق بدأت آراؤهم ,,,
*-* بقول ابن الأسود:- نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا ولا نبالى أين ذهب ولا حيث وقع فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
*-* ثم عرجت آراؤهم إلى قول البخترى :- احبسوه فى الحديد وأغلقوا عليه بابًا ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله - زهير والنابغة - ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم .
*-* لكن حظ هذا الرأى من القبول لم يزد عن سابقه ثم انتهوا إلى رأى أبى جهل بن هشام الذى قال لهم :- والله إن لى فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد! أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه فى القبائل جميعًا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا فرضوا منا بالدية فأديناها لهم ووافق المتآمرون على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع ورجعوا إلى بيوتهم وقد ظنوا أنهم سينفذونه .

أسماء المؤتمرين ،،,،

كان المؤتمرون فى هذا اليوم يمثلون وجوه قريش وبطونها فعن قبيلة بنى مخزوم كان أبو جهل بن هشام، وعن بنى نوفل بن عبد مناف كان جبير بن مطعم وطعيمة بن عدى، وعن بنى عبد شمس بن عبد مناف كان شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، وعن بنى عبدالدار كان النضر بن الحارث، وعن بنى أسد بن عبدالعزى كان أبو البخترى بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام، وعن بنى سهم كان نبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعن بنى جمح كان أمية بن خلف ...

*-* وعند مجيئهم إلى دار الندوة اعترضهم إبليس فى هيئة شيخ جليل، فقالوا له:-
من الشيخ؟ فأجابهم :- شيخ من أهل نجد سمع بالذى اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا فأدخلوه معهم وهكذا اجتمع إبليس الجن مع أبالسة الإنس على كيد النبى - صلى الله عليه وسلم - والله بما يعملون محيط .



عرض البوم صور wolf101  
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-08-2012, 08:35 PM
wolf101 wolf101 غير متواجد حالياً
عضو فعال
افتراضي رد: كل ما لم تعرفه عن السيرة النبوية الشريفة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { حياته ما قبل النبوة } **

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات ، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد ، ونال حظًا وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات ، فعاف ما سواها من خرافة ، ونأي عنها ، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم ، فما وجد حسنًا شارك فيه وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح على النصب ، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا ، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها ، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى‏ .

** { شارك قريش في بناء الكعبة } **

روى الإمام أحمد وأهل السير :-
( أن قريشاً عندما اختلفت في وضع الحجر الأسود في مكانه ،,,
قالوا :- اجعلوا بينكم حكماً ،,,
فقالوا :- أول رجل يطلع من الفج ،,,
فجاء رسول الله فقالوا :- أتاكم الأمين ،,,
فقالوا :- فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فرفعوا نواحيه فوضعه النبي في مكانه المطلوب ) .
( كان عمر النبي إذ ذاك ( 35 ) سنة ) .
( لو لا حكمة الله وهداية رسوله إلى هذا الحل لسفكت الدماء ) .
إن قبول قريش تحكيم الرسول في أمر وضع الحجر الأسود في مكانه من البيت الحرام ووصفهم له بالأمين ، دليل على تربيتة سبحانه لنبيه على مكارم الأخلاق التي كان من بينها الصدق والأمانـــة .
إن الاقتراح الذي توصل إليه الرسول لحل هذه الأزمة كان بتوفيق من الله ليلفت أنظار الناس إلى ما سيختاره له الله من القيام بأمر أكبر من هذا لتوحيد الناس .. وهو الإسلام .

** { بداية البعثة النبوية بمكه } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

في يوم الاثنين الموافق 6 - 8 - 610 م كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يمكث الليالي بعيدا عن الجاهليه من الناس يتبعد الله ويتقرب منه في غار حراء ودون تأهب منه او توقع فوجئ عليه افضل الصلاة والسلام بنزول الوحي اليه وتبليغه برسالات ربه وهو في سن الاربيعين عاماً ,,,

فجاءه الملك جبريل فقال له :- اقرأ ،,,
قال الرسول عليه الصلاة والسلام :- ما أنا بارىء ،،،
ثم اعيد ذلك .. ثلاث مرات ..
إلى أن قال جبريل عليه السلام :-
(
اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم .. ) متفق عليه .
قوله ( ما أنا بقارىء ) أي لا أحسن القراءة .

وبعد رحيل الملك جبريل عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ,,
ذهب إلى زوجته خديجة وأخبرها الخبر ,,

قالت له : - ( كلا ، فوالله لا يخزيك الله ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر ) .
وكلامها هذا يدل : على رجحان عقلها وحسن تصرفها وفضلها وسلامة فطرتها .
( ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان امرءاً تنصر في الجاهلية ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، وأخبره الخبر ) .
قال ورقه بن نوفل :- ( يا ليتني أكون فيها حياً جذعاً حين يخرجك قومك ؟
قال :- أو مخرجي هم ؟
قال :- نعم ، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ,،
( ثم لم يلبث ورقة أن توفي ) .

*-* هل ورقة بن نوفل من السابقين ؟
نعم ، فقد صدق بنبوة محمد حيث قال ( .. يا ليتني فيها }
أي أيام الدعوة { جذعاً حين يخرجك قومك ، .. وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ) .
قال : - ( لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين ) رواه البزار .
وقال أيضاً : - ( قد رأيته فرأيت عليه ثياب بيض ) رواه أحمد .

*-* وانقطع بعد ذلك الوحي وقيل :-
كانت ستة أشهر ، وقيل : كانت أربعين يوماً *-*

*-* بعد هذا الانقطاع نزل عليه الوحي مرة أخرى .
*-*

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عن جابر قال :- قال رسول الله : -
( بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً ، فرفعت بصري ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فرعبت منه ، فرجعت فقلت :- زملوني زملوني ، فأنزل الله : يا أيها المدثر قم فأنذر ، إلى قوله : والرجز فاهجر ) متفق عليه .
فحمي الوحي وتواتر ؛؛ فكان أول ما نزل بعد فتور الوحي

( يا أيها المدثر .. ) .

ثم توالى نزول القرآن - الكتاب الخاتم - وبدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوته على مراتب خمس كما ذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه " زاد المعاد "
المرتبة الأولى :- النبوة ،,,,
والمرتبة الثانية :- إنذار عشيرته الأقربين ،,,,
والمرتبة الثالثة :- إنذار قومه ،,,,
والمرتبة الرابعة :- إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة ،,,,
والمرتبة الخامسة :- إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر ,,,,

وماكان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبلغ النور الذى يحمله إلى الناس من حوله ، فظل يبلغ الدعوة سرًا طوال ثلاثة أعوام ، ينتقى من يلتمس فيه صلاحًا ، فيسمعه القرآن المنزل عليه ، ويجمعه مع إخوانه الذين سبقوه لدين الله ، منتظرًا ومتهيئًا نزول أمر الله بالجهر بدعوته .

لقد كانت بعثته - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ، كما أخبر بذلك أصدق القائلين :-
{
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (الأنبياء :107) ،,
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :- (
إنما أنا رحمة مهداة ) فمن آمن به وصدقه ، فاز فوزاً عظيماً ،,,
قال تعالى :- {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
(الأحزاب :71)

ومن أعرض عن هدايته فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وخسر في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :-
{ ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } (طه : 124)

إنَّ بعثته - صلى الله عليه وسلم- كانت ميلاداً جديداً للبشرية ، وتاريخاً عظيماً للإنسانية ، قال تعالى :- { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } (الأعراف : 158)

فببعثته كَمُلَ للبشرية دينها ، وتم للإنسانية نعيمها ، قال تعالى :-
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة : 3 )

فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً ، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه ، قال تعالى :- {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
( آل عمران : 85 )

وما إن نزل أمر الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة ،،
حتى قام النبى على جبل الصفا يعلن على الملأ حقيقة رسالته ولكن الآذان التى لم تتعود سماع الحق والعقول التى ألفت الدعة والنوم والنفوس التى عشقت الضلال حتى أدمنته لم ترض لنور الله أن يسطع بين حنايا مكة ،،

حتى يكون لها فى منعه دور ونصيب وقد تحمل النبى صلى الله عليه وسلم وعصبته المؤمنة مخاطر وألم المواجهة والإيذاء وسطروا بدمائهم وأرواحهم أروع آيات الصبر والثبات وهم إن عدموا ملجأ يحتمون به فى دروب مكة ودورها على تعددها واتساعها فقد وجدوا فى دار أخيهم الأرقم النائية بعض الأمن وبعض الجزاء فبين جدران هذه الدار المباركة كانوا يتعلمون أحكام دينهم ويتربون على قيمه السامية ثم كان فى الهجرة إلى الحبشة بعد اشتداد الإيذاء الحماية والمنعة فى بلد عُرِفَ ملكها بالعدل والإنصاف .

أما مسلمو مكة ممن لم يهاجروا إلى الحبشة فقد قويت شوكتهم بإسلام حمزة وعمر رضى الله عنهما ولما أيست قريش من أساليب المواجهة والإيذاء لجأت لأساليب المساومة والإغراء لكن هيهات لمن رأى النور الحق أن يخدع ببريق الشهوات وعلى حمية الجوار جمع أبو طالب بنى هاشم وبنى المطلب لنصرة ابن أخيه ، وهنا لم يبق لقريش إلا أن تعلن المقاطعة العامة للمسلمين وأنصارهم ، وكما صبر المسلمون على ألم الإيذاء وفتنة الإغراء مشوا بأقدامهم على أشواك هذه المقاطعة ليصلوا إلى هدفهم النبيل وكمحاولة يائسة حيرى أخيرة أرسلت قريش وفدًا منها إلى أبى طالب ليعاود المفاوضة ولم يعد إلا بما استحقه خفَّى حنين .

وفى العام العاشر للنبوة ألمت برسول الله والمسلمين مصيبتان: وفاة أبى طالب ، ووفاة خديجة - رضى الله عنها ؛ فسُمِّىَ هذا العام بعام الحزن .

أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه العظيم - صلى الله عليه وسلم - سورة الشعراء ،
فقص عليه وعلى المؤمنين بها قصة موسى - عليه السلام ، بفصولها المتتالية : -
من نبوة وهجرة ومواجهة ونجاة لهم وهلاك لفرعون ومن معه لتكون هذه السورة أنموذجًا للمسلمين وأورد الله بها نهايات المكذبين من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ،

ثم أنزل الله تعالى بها قوله الكريم:- (
وأنذر عشيرتك الأقربين ) فكان ذلك تكليفًا لمحمد صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه بالجهر بدعوتهم وبدأ النبى الكريم بدعوة الأقربين كما أمر ثم كانت جولته الثانية على جبل الصفا منذرًا بطون قريش قاطبة ومحذرًا إياهم نار الآخرة التى لا تفنى حتى أنزل الله تعالى أمره ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) فكان الصدع بالحق دأبه وديدنه لا يترك نفسًا إلا ويسمعها من رسالة ربه ما شاء الله لها أن تسمع آمنت بعد ذلك أم لم تؤمن .

فوجئت قريش ذات نهار بمن يصعد جبل الصفا، ثم يلح صارخًا : يا صباحاه ! واجتمعت بطون قريش إليه، فإذا الصارخ محمد -صلى الله عليه وسلم- وإذا هو ينذرهم من بين يدى عذاب شديد، لكن قريشًا التى تعلم صدق محمد قد عقدت ألسنتها الدهشة، فما أجابه إلا عدو الله عمه أبو لهب قائلاً : تبًا لك سائر اليوم ! ألهذا جمعتنا؟، فنزلت سورة المسد. ويروى أنه تناول حجرًا ليرمى به النبى -صلى الله عليه وسلم-.

بادر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتنفيذ ما كلف به بإنذار عشيرته الأقربين ، فدعا بنى هاشم فحضروا ومعهم نفر من بنى المطلب بن عبد مناف، وما كاد النبى يهم بالحديث إليهم حتى عاجله أبو لهب -تبت يداه- بهجوم عاصف، توعده فيه بالهلاك على أيدى قريش، ومن طاوعهم من العرب، ثم ختم حديثه المشئوم بقوله: فما رأيت أحدًا جاء على بنى أبيه بشرٍ مما جئت به. فسكت محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يتكلم، وماذا يقول لمن يقف أمام نور الحق، فيعمى قلبه حتى لا يرى شيئًا؟. وعاد النبى الكريم إلى المحاولة مرة أخرى، فجمعهم ثم خاطبهم فحمد الله وأثنى عليه، وأعلمهم أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إليهم خاصة، وإلى الناس عامة، وأنذرهم البعث والحساب، والجنة والنار، فأما أبو طالب فقد آزره، وأعلن إحاطته له ونصرته، وأما أبو لهب فقد حفز الناس أن يأخذوا على يديه قبل أن تأخذ العرب، فأجابه أبو طالب قائلاً: والله لنمنعنه ما بقينا.

نزل التوجيه الإلهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاسمًا قاطعًا : -
( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين )

فانطلق محمد عليه الصلاة والسلام يجوب مكة بأسرها من أقطارها إلى أقطارها ، ومن أسواقها إلى أنديتها ، يوقظ النائمين فى ليل الوثنية ويصرخ بغريقى بحار الجاهلية ويهز أفئدة المتجمدين على دين آبائهم ويعلن للجميع أنه لا إله إلا الله وأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم ،

فانفجرت براكين الغضب بمكة ومادت الأرض تحت أقدام سادتها وسدنة أصنامها ،،
أيكون الأمر لله ؟! ولله وحده ؟*! فما يبقى لنا بعد ذاك ؟!
أيساوى رب محمد بيننا وبين العبيد والإماء ؟! ويسمى كنز المال ظلمًا ؟!
ولا يصبح لقريش فضل على من سواها ؟! بل لا يصبح فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى ؟!
فما نعيم الدنيا بعد ذاك ؟! بل وما البقاء فيها ؟!!

أجمعت أفئدة الكفر بمكة على حرب هذا النبى الجديد وإفناء أتباعه وإطفاء نار ثورته قبل أن تطول كل شىء بايذائه بكافه الوسائل ،،،
(( حربًا دعائية + السخريه واثارة الشبهات +
اختراع الحيل لإشغال الناس عنه )) والكثير ,,

كان وراء اختيار دار الأرقم بن أبى الأرقم أسباب عديدة تهدف جميعها إلى حجب المسلمين عن أعين أعدائهم ..
أما أول هذه الأسباب، فهو جهل قريش بإسلام الأرقم ؛
وأما ثانيها: فكون الأرقم من بنى مخزوم، حاملى لواء الحرب والتنافس مع بنى هاشم، فلا يسبق إلى ذهن قريش أن محمدًا يلقى صحبه فى بيت عدوه بمقاييسهم الجاهلية.
وأما ثالثها: فهو أن الأرقم كان فتىً عند إسلامه فى حدود السادسة عشرة من عمره، فلا يعقل أن يجتمع المسلمون فى بيته دون بيوت الكبار منهم ولقد كان احتياط النبى -صلى الله عليه وسلم- وصحبه فى اختيار هذه الدار سببًا لاستتار أمرهم وعدم انكشاف حركتهم يومئذ .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { الهجرة إلى الحبشة } **

الدفاع عن النفس وقتال من بغى واعتدى لم ينزل أمر الله به بعد والبقاء فى مكة أصبح مستحيلاً
مع هذا الاضطهاد والتعذيب فماذا يفعل المسلمون إذن ؟

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحيم بأمته قد ارتأى لهم أن يفروا بدينهم إلى ديار آمنة فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة فهاجر منهم فى رجب سنة خمس من النبوة اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة ،رئيسهم عثمان بن عفان ومعه زوجه السيدة رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد هاجر هؤلاء الصحابة تسللاً وخفية ، فى سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة حيث النجاشى الملك العادل الذى لا يظلم عنده أحد .

وما كاد المسلمون المهاجرون يستقرون بالحبشة حتى سارت إليهم شائعة بإسلام قريش فقفلوا راجعين إلى مكة فى شوال من نفس العام وما تبينوا الحقيقة إلا بعد ساعة من نهار فى مكة واشتد تعذيب المشركين لهم فكانت هجرتهم الثانية رغم يقظة المشركين وشدة حذرهم وبلغ عددهم فى هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة لكن أنى لنار قريش أن يهدأ أوارها لقد عز عليها أن تعلم أن المسلمين قد وجدوا مأمنًا يعبدون فيه ربهم فكانت مكيدتها بإرسال رسولين إلى الحبشة لاستردادهم من النجاشى وقد خاب سعيهم وبطل مكرهم ورد النجاشى رسولى مكة دون أن يقضى لهما حاجة بل أعلن إيمانه بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - أما هؤلاء المهاجرون فقد مكثوا بالحبشة حتى مكن الله لنبيه بالمدينة فعادوا إليها وكان آخرهم عودة جعفر بن أبى طالب بعد فتح خيبر .

إشاعة إسلام قريش ,,,,

بينا سادة وكبراء مكة جالسين حول الحرم فى جمع كبير فى رمضان من العام الخامس للنبوة ، إذ فوجئوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلع عليهم جاهرًا بتلاوة سورة النجم وأخذ كلام الله المبين بتلابيب عقولهم فما استطاعوا منه فكاكًا ووصل النبى إلى قوله تعالى :
( فاسجدوا لله واعبدوا) فسجد ،،

وما تمالك المشركون أنفسهم حتى سجدوا معه جميعًا وقد صدعت الآيات عناد نفوسهم واستكبارها وهنا ارتبك المشركون مما حدث لهم ولم يدروا ما هم صانعوه وتخوفوا العتاب واللوم ممن كانوا يتبعونهم أو يعارضونهم فاحتالوا لذلك حيلة دنيئة ومكروا مكرهم السيِّئ وافتروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكذب والبهتان فزعموا أنه قال: تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى بعد أن تلا :- ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) يريدون أن يزعموا أنهم ما سجدوا لإله محمد إنما محمد هو الذى ذكر آلهتهم بخير وكان من توابع هذه الحادثة العجيبة أنها وصلت إلى مهاجرى الحبشة لكن فى صورة جديدة فقد وصل إليهم أن قريشًا قد أسلمت وسجدت لله رب العالمين فاستبد بالقوم الفرح وعزموا على الإياب لمكة فدخلوها ’’

مكيدة قريش ,,,,

هجرة المسلمين للحبشة للمرة الثانية وبعدد يبلغ خمسة أضعاف العدد الذى هاجر أول مرة كانت صفعة آلمت صدغ قريش وصكت أسنانها وبحركة لا ينهزها إلا الحقد ولايحدوها إلا ألم الهزيمة بعثت قريش اثنين من خيرة رجالاتها إلى الحبشة ليسألا النجاشى أن يرد مهاجري المسلمين إلى مكة ثانية وبقدر ما كان هذا الطلب شرسًا بقدر ما كان غريبًا مضحكًا أناس كانوا يعبدون ربهم ببلدهم فأبى قومهم أن يعبدوه فهاجروا إلى أرض بعيدة يعبدون فيها إلههم ولا يؤذون بها جارًا أو يعتدون على مواطن ما المنطق فى أن يستردهم كارهوهم؟ وما الحكمة فى أن يردهم مضيفوهم؟

تكلم رسولا قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة إلى النجاشى فى رد المسلمين وصدهما بطارقته فأبى الرجل العادل أن يفصل فى قضية دون سماع جميع أطرافها وتحدث جعفر بن أبى طالب عن المسلمين فوصف ما كان عليه قومه من الجاهلية وأبان ما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم- أن يفعلوه من الخير وما أمرهم أن يتركوه من الشر ووضح كيف اضطهدتهم قريش وسامتهم العذاب حتى لجئوا إلى أرضه واحتموا ببلاده وقرأ عليه من سورة مريم حتى بكى النجاشى ودمعت أعين أساقفته وهنا أطلق النجاشى حكمه وفصل فى قضيته قائلاً :-
إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون فخرج عمرو وصاحبه بخفى حنين لكن عمرو بن العاص داهية العرب لم يستسلم فكرَّ على النجاشى صبيحة اليوم التالى ليوقع بينه وبين المسلمين قائلاً:-
أيها الملك إنهم يقولون فى عيسى بن مريم قولاًعظيمًا فاستدعى النجاشى جعفرًا ليسأله فأجابه: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فصدقه النجاشى على ذلك وأخذ عودًا من الأرض ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود وأمّن المسلمين على أنفسهم وردّ على رسولى قريش هداياها وأعادهما خائبين لمكة .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { إسلام أسد الله والفاروق في ثلاثه ايام } **

كلما زاد الليل ظلمة وكلما اشتدت السماء حلكة كلما كان ذلك إيذانًا ببزوغ فجر جديد أبو جهل يمر بالنبى - صلى الله عليه وسلم - عند الصفا فيؤذيه وينال منه فلا يرد عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم- شيئًا ويأبى المعاند أن يترك محمدًا كريم الخلق يمضى فى طريقه حتى يضربه بحجر فى رأسه الشريفة فيسيل منها الدم نزفًا ثم تكون هذه الحادثة الأليمة مقدمة لنهاية سعيدة هى إسلام حمزة بن عبد المطلب حمية فى بادئ الأمر ثم إيمان راسخ بعدها وهذه هي القصة باختصار ,,,

حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلاً قوياً ذا عزيمة وشجاعة ، وسبب إسلامه هو الغضب والحمية لابن أخيه صلى الله عليه وسلم ، وخبر ذلك أن حمزة رضي الله عنه كان قادماً من الصيد فلقيته مولاة لعبد الله بن جدعان وأخبرته أن أبا جهل قد سب ابن أخيه سباً قبيحاً وآذاه ،,,
فأسرع حمزة وقد تملَّكه الغضب حتى جاء النادي الذي فيه أبو جهل ، وهو جالس بين قومه فوقف حمزة على رأسه وضربه بالقوس فشج رأسه شجة كبيرة وقال له :-
أتشتمه وأنا على دينه ؟ أي تشتم محمداً وأنا أدين بدينه ؟
فكان إسلام حمزة رضي الله عنه في بادئ الأمر حمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفة أن يهان وهو ابن أخيه ، ثم شرح الله صدره للحق ، قال حمزة رضي الله عنه :- لما احتملني الغضب وقلت أنا على دينه ، أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي وبت من الشك في أمر عظيم لا أكتحل بنوم ، ثم أتيت الكعبة وتضرَّعت إلى الله سبحانه أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب ، فما أتممت دعائي حتى زاح عني الباطل وامتلأ قلبي يقيناً ،,,,
فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لي بأن يثبتني الله ، وقال حمزة حين أسلم أبياتاً من الشعر منها :-

حمدت الله حين هدى فؤادي **** إلى الإسلام و الدين الحنيف
لدين جــاء من رب عزيز **** خبير بالعباد بهـم لطــيف
إذا تليـت رسائله علــينا **** تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها **** بآيات مـبيَّنة الحـروف

وأبلى حمزة رضي الله عنه في الإسلام بلاءً حسناً ، ودافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عظيماً إلى أن اصطفاه الله تعالى في الشهداء ، وقد شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :- (
سيد الشهداء حمزة ) رواه الطبراني .

ولا تكاد أيام ثلاثة من شهر ذى الحجة للعام السادس من نبوته - صلى الله عليه وسلم -
تمر بعد إسلام حمزة - رضى الله عنه - حتى يلطم عمر بن الخطاب أخته فاطمة على وجهها لطمة شديدة لإيمانها بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون الدم السائل من وجهها سببًا لإيمان ابن الخطاب وإعلانه شهادة الحق ,,,

هذا وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء كان بركة على عمر وتوفيقاً من الله تعالى له ، روى الترمذي في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال :-
قال رسول صلى الله عليه وسلم:- (
اللهم اعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال وكان أحبهما إليه عمر ) .
قال ابن مسعود رصي الله عنه:
"إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنَّا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه " ، وروى البخاري عن ابن مسعود كذلك قال: " مازلنا أعزة منذ أسلم عمر ".

وفى أيام ثلاثة تتبدل أحوال المسلمين والدعوة المحبوسة فى دارالأرقم تجد طريقها إلى الكعبة فى وضح النهار وعلى مسمع قريش ومرآها أقدام المسلمين تشق طرقات مكة فى صفين طويلين يقدم أحدهما أسد الله حمزة ويسبق الآخر الفاروق عمر الذى أبى الاختباء وأقسم لنبيه - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :- والذى بعثك بالحق لنخرجن فكان خروج المسلمين وكانت عزتهم يصف صهيب تلك الحال قائلاً :- لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعى إليه علانية وجلسنا حول البيت حلقًا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتى به .

المقاطعة العامة ,,,,

الأحداث فى مكة صارت متلاحقة ، حمزة يدخل الإسلام ، ولا تكاد أيام ثلاثة تمر حتى يتبعه عمر ، والمسلمون يخرجون فى طرقات مكة ، يعلنون عن إيمانهم ، وقريش تتنازل عن بعض كبريائها وتذهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لتساومه ,,،
لكن النبى - صلى الله عليه وسلم- يردها خائبة ، ثم يعلن أبو طالب جمعه لبنى هاشم وبنى عبد المطلب على نصرة محمد ، والرسول يدخل فى شعبهم احتماء من كيد قريش .
إن سرعة الأحداث وتعاقبها فى فترة وجيزة، لا تتجاوز الأسابيع الأربعة تنبئ بحدث جلل، لم يلبث حتى أسفرت عن وجهه الأيام، فقد هدى قريشًا شيطانها إلى كتابة صحيفة علقت بالكعبة؛ لمقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب مقاطعة تامة تفضى إلى هلاكهم ،,,
وصبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، ومعهم بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم فى شعب أبى طالب ، إلا أبا لهب ، فإنه ظاهر قريشًا على رحمه ، وذلك من ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة ، ولمدة ثلاث سنين متصلة، حتى منّ الله تعالى عليهم ، ونقضت الصحيفة الظالمة ، القاطعة للرحم .

كتابة الصحيفة ,,,,

اجتمع سادة قريش فى خيف بنى كنانة من وادى المحصب، فتحالفوا على بنى هاشم وبنى عبد المطلب، ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وألا يقبلوا من بنى هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة، حتى يسلموه للقتل. ويقال إن منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم هو الذى كتبها، ويقال النضر بن الحارث، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم، وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كاتبها، فشلت يده.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** { الدعوة خارج مكة } **

أبت الدعوة أن تظل حبيسة فى مكة وما يدفعها لذلك؟ ألم تصل إلى كل أذن لقريش أليست هى دعوة رب العالمين للعالمين؟ أليست هى دعوة للإنسان -كل إنسان- على الأرض حتى تقوم الساعة؟ فما يبقيها فى مكة بعد الآن؟

مكثت الدعوة فى مكة عشر سنين، آمن فيها من آمن وكسل فيها من كسل وآن للنبى -صلى الله عليه و سلم- الذى كلف بحمل الدعوة للناس أن يحمل هذا النور خارج مكة وإلى الطائف كانت رحلته الأولى وحول الكعبة عرض الإسلام على القبائل منتهزًا أيام الحج وما كان يتحرك للجمع فحسب بل كان يحركه الفرد فيأتيه ويدعوه وبدين الله يعرفه وظل كذلك حتى أتته البشرى نسمات من يثرب ست أضحت بعد أن دُعِيَت تسعى فى نور الحق وفى هذا العام: الحادى عشر للنبوة تزوج النبى -صلى الله عليه وسلم- عائشة ابنة صِدِّيقه أبى بكر وفى هذه المرحلة وضوء نجاح الدعوة يشرق حينًا ويخبو حينًا آخر أسرى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء تثبيتًا لفؤاده وتبشيرًا لأتباعه وفى العام الثانى عشر للنبوة أثمرت بشرى يثرب وفدًا بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمنى بيعة العقبة الأولى وفى العام التالى كانت بيعة العقبة الثانية وهكذا أصبح للإسلام وطنٌ فى أرض العرب يأوى إليه فكان إذن النبى -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين بالهجرة إلى يثرب وشعرت قريش أن زمام الأمر قد أفلت من بين يديها وفى دار الندوة كان الكيد ولقتل محمد كانت مؤامرة قريش لكن الله يحفظه ومن فوق العرش نجَّاه وإلى يثرب كانت هجرته هجرة رجل حمل الحق فخرج من داره لكن مدينته المنتظرة وقلعته المنصورة كانت فى استقباله .

رحلة ما بعد مكه ~ الطائف

لم يكد عام الحزن -العام العاشر للبعثة - يشارف على نهايته حتى أظهرت صفحاته حادثة أليمة أخرى كانت تنتظر النبى -صلى الله عليه وسلم- فدور مكة التى أوصدت أبوابها دون دعوته وسفهاؤها الذين صاروا يتجرؤون عليه بعد وفاة عمه أبى طالب وكبراؤها الذين كاشفوه العداوة والبغضاء وتطاولوا على ضعاف المسلمين كل ذلك قد دفع الرسول أن يلتمس النصرة خارج مكة وإلى الطائف كان المسير حيث قطع النبى -صلى الله عليه وسلم- ستين ميلا متوجها إليها على قدميه الشريفتين ومعه مولاه زيد بن حارثة فى شوال من العام العاشر للنبوة فمكث فيها عشرة أيام يدعو أهلها فردوا عليه دعوته وأساءوا وفادته ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل تطاولوا عليه وآذوه فى رحلة عودته وعاد النبى -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة وبلغ مشارفها وهم (( عبد ياليل، ومسعودًا، وحبيبًا، أبناء عمر بن عمير الثقفى )) ثم جاب دروب الطائف ودورها يدعو أهلها، ولا يدع شريفًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فما كان يصله منهم إلا قولهم: اخرج من بلادنا. وجاءت ساعة الخروج، فأغروا به سفهاءهم يسبونه ويصيحون به، وكان الإيذاء فى رحلة العودة.

سألت السيدة عائشة - رضى الله عنها - رسول الله ذات مرة:- هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟
قال:- لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة يقصد عند خروجه من الطائف ,,

إن محمدًا صلى الله عليه وسلم- الذى لم يسألهم شيئًا لنفسه أو دنياه بل سألهم أن يؤمنوا بالله الواحد القهار ليكون لهم الفلاح فى الدنيا والنجاة والفوز فى الآخرة لم يلق منهم إلا أشد العداء وأسوأ التنكيل تبعه فى خروجه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ووقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى اختضب نعلاه بالدماء وكان إذا تعثر قصد إلى الأرض فيأخذونه بذراعيه ويقيمونه فإذا مشى رجموه وهم يضحكون وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى شج فى رأسه شجاجًا ولجأ النبى الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف فرجع عنه السفهاء ورق لحاله ابنا ربيعة على كفرهما- فأرسلا غلامًا لهما يدعى عداسًا بقطف من عنب وكان عداس نصرانيًا فلما قدمه إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- مد يده قائلاً:-
بسم الله ، ثم أكل ودار بينهما حديث قصير لم ينته إلا وعداس قد أكب على رأس النبى -صلى الله عليه وسلم- ويديه ورجليه يقبلها وقد أسلم ومضى النبى حزينًا حتى وصل إلى قرن المنازل فبعث الله إليه جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين وهما الجبلان اللذان يحيطان بمكة على أهلها فأجابه النبى -صلى الله عليه وسلم- قائلا:-
بل أرجو أن يخرج الله -عز وجل- من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا وواصل مسيره حتى بلغ وادى نخلة فبعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إليه وهو يتلو القرآن، فآمنوا وولوا إلى قومهم منذرين حقًا إن أفئدة الطائف ودورها قد أوصدت دون محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكن رحلته تلك قد آمن بسببها عداس الزكى وأقوام من الجن أما مكة التى طردته فقد أيده الله بملك الجبال ولكنه أبى الانتقام وآثر العفو والصفح إن رحلة العودة وما حدث بها من تأييد وعجائب قد أذهبت الحزن عن قلب المصطفى وجعلته يسمو حتى يرى مكة والطائف من علٍ فلا يشقيه ما يلاقيه فيهما من الصغار .

فسأله زيد معجبًا:- كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟
فأجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مطمئنًا:- يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- الذى أنهكت جسده أحداث هذه الرحلة العصيبة ظل قلبه وعقله يحلقان بعيدًا يلتمسان الهدى من السماء ويستشرفان المستقبل لهذا الدين الجديد لا يفت فى عضده شىء ولا يوهن من عزيمته أحد ولا يحنى من قامته إيذاء أو حادث كيف؟ وربه حسبه ونعم الوكيل,,
والتمس محمد -صلى الله عليه وسلم- الجوار فى مكة حتى أجيب إلى ذلك فدخل فى جوار المطعم بن عدى ,,,

عرض الإسلام على القبائل ,,,

ثم عرض الإسلام على القبائل (( بنو كلب، وبنو عامر، وبنو شيبان بن ثعلبة، وبنو حنيفة الذين أتاهم فى منازلهم فدعاهم، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منهم ))

*-* بنو كلب ~ أتى النبى -صلى الله عليه وسلم- إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبدالله، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول لهم: يا بنى عبدالله، إن الله قد أحسن اسم أبيكم. فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم.

*-* بنى عامر ~ أتاهم النبى -صلى الله عليه وسلم- فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه لكن يبدو أنهم كانوا مشغولين بدنياهم غير عابئين بآخرتهم فإن أحدهم ويدعى بيحرة بن فراس حدثهم قائلاً: والله لو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال للنبى: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟
فأجابه الرسول-صلى الله عليه وسلم-: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء فلم يعجب هذا الرد طالب الدنيا فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك وانصرفوا عنه وما علموا أى خير فقدوه
.

*-*بنى شيبان بن ثعلبة ~ وقد ذهب إليهم النبى برفقة صديقه أبى بكر فتحدثا إلى أربعة من أشرافهم حديثًا بدأه أبو بكر وتحسس فيه قوتهم ومنعتهم ثم استكمله النبى -صلى الله عليه وسلم-عارضًا دعوته وطلبه للمنعة فأجابه مغروق بن عامر بقول حسن لكن ثانيهم هانئ بن قبيصة رأى عدم العجلة والتروى والنظر فى الأمر وأجابه ثالثهم المثنى بن حارثة إلى قبوله النصرة مما يلى مياه العرب لا مما يلى أنهار كسرى لأنهم محالفوه فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق فإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه بجميع جوانبه .

عرض الإسلام على الأفراد ,,,,

الناس فى ميزان الرجال ليسوا سواء وإن كان إبراهيم -عليه السلام- أمةً كما وصفه ربه فإن دونه رجال قد يوزن الواحد منهم بقبيلةً أو أكثر وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذى كان يقصد القبائل فى موسم الحجيج لم يكن يفوته أن يأتى رجالاً بأعينهم أو أن يجلس إليهم إن هم بادروه ومن هؤلاء الرجال الذين لبوا نداء الحق حين سمعوه فى زيارتهم لمكة:- سويد بن صامت، وإياس بن معاذ، وأبو ذر الغفارى، وطفيل بن عمرو الدوسى، وضماد الأزدى.

*-* سويد بن صامت *-*
العاقل الذى يحسن أن يسمع ما أيسر دعوته هكذا كان سويد الذى سماه قومه الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه التقى بمحمد صلى الله عليه وسلم- فى أوائل العام الحادى عشر للبعثة فدعاه فقال له سويد: لعل الذى معك مثل الذى معى فسأله النبى صلى الله عليه وسلم-: وما الذى معك؟ فقال سويد: حكمة لقمان ثم عرضها على النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إن هذا الكلام حسن والذى معى أفضل من هذا قرآن أنزله الله تعالى على هو هدى ونور ثم تلا عليه القرآن فقال سويد: إن هذا لقول حسن ثم أسلم هكذا بمنتهى السهولة واليسر فحوار كحوار محمد -صلى الله عليه وسلم- وعقل لم توصد أبوابه أو تسد نوافذه كعقل سويد لا يقف أمامهما شىء أما سويد فكأن الله قد أدركه فى فرصته الأخيرة فإنه ما إن عاد إلى المدينة -بلدته- حتى اختطفه الموت قتلاً فى يوم بعاث.

*-* إياس بن معاذ *-*
ما أشقى أولئك البشر الذين يدبون فى الحياة الواسعة ثم هم لا يرون منها إلا ما وطئته أقدامهم إن وفدًا من أوس يثرب قدم على مكة يسأل قريشًا حلفًا يستعين به على قتال بنى العم لم يدع لنفسه فرصة يستمع فيها لنبى الله وهو يدعوه لما هو خير وأبقى أما إياس بن معاذ، وقد كان غلامًا حدثًا فى صحبة قومه، فإنه لم يشغله الباطل الذى بين يديه عن الحق الذى تراءى أمام عينيه وصاح بقومه عند سماعه حديث محمد -صلى الله عليه وسلم-: أى قوم هذا والله خير مما جئتم له لكن أين لصوت الحق أن يجد آذانا تسمعه وسط صخب حديث الحرب؟ إن جواب الأوس لإياس كان حفنة من التراب ألقيت فى وجهه على يد أحدهم -أبى الحيسر بن رافع- وهو يصيح بالنبى: دعنا عنك، فلعمرى لقد جئنا لغير هذا وأين ما جاءوا له مما جاءهم به ؟ وانصرف الوفد قافلاً دون أن يحوز حلف قريش أما إياس فإنه لم يلبث أن هلك وكان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح عند موته فلا يشكون أنه مات مسلمًا .

*-* ضماد الأزدى *-*
ما أعجب ما لاقاه محمد -صلى الله عليه وسلم- من قومه من هذا العجب موقفه حين كان سائرًا فى طريقه فإذا هو برجل يمنى يعرض عليه بطيبة قلب أن يرقيه حتى يشفى من جنونه أما هذا اليمنى فقد كان ضمادًا الأزدى وكان يرقى من الريح ببلده وغدا إلى مكة فسمع من أهلها أن محمدًا مجنون فرأى ببساطة أن يرقيه ليشفى وما نفى محمد عن نفسه الجنون وما نهى الرجل عن صنيعه إنما ابتدره قائلاً: إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادى له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.
وهنا لم يتمالك الأزدى نفسه حتى قال له: أعد على كلماتك هؤلاء فأعادهن عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا فقال له ببساطة الحق وروعته لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك تلك ولقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه. حقًا إن القلب الصادق والعقل الفطن لا يحتاجان لكثير جدال حتى يتبين لهما الحق .

رحلة ما بعد بعد مكه ~ يثرب ,,,,

فى سكون الليل وظلمته وبينما أوى أهل مكة وحجيج العام الحادى عشر للنبوة إلى فرشهم نائمين إذ كان هناك فريقان لم يزر النوم عيونهم اليقظة أما الفريق الأول فستة من شباب الخزرج ممن ذكرهم موسم الحج بنبوءة جيرانهم وحلفائهم من يهود يثرب بأن نبيًا من الأنبياء مبعوثًا فى هذا الزمان سيخرج فتتبعه يهود ويقتلون معه العرب قتل عاد وإرم ثم أقض مضجعهم أيضًا ما تركوه بيثرب من حرب أهلية بينهم وبين بنى عمهم من الأوس أكلت الأخضر واليابس وأنهكت قواهم وذهبت بها فأخذوا يتحدثون فيما بينهم حديثــًا سرى فى هدوء الليل وتسلل إلى آذان الفريق الثانى: محمد - صلى الله عليه وسلم - النبى الشغوف بدعوته وصاحبيه أبى بكر وعلى فقصدوا إلى شباب الخزرج ,,

وسألهم النبى:- من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج فقال: من موالى يهود؟ أى من حلفائهم، فقالوا: نعم فعرض عليهم -صلى الله عليه وسلم- الإسلام ودعاهم إلى الله وحده وتلا عليهم القرآن فتفجرت ينابيع الحق من قلوبهم النقية وأنفسهم الظمأى إلى حلاوته وأسرعوا يقولون لبعضهم البعض: تعلمون والله ياقوم إنه النبى الذى توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه وأسلموا على يديه -صلى الله عليه وسلم- ثم قالوا له: إنا قد تركنا قومنا ولاقوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك ورجع هؤلاء المسلمون الجدد إلى بلدهم حاملين رسالة الإسلام حتى لم تبق دار من دورها إلا وفيها ذكر محمد وهكذا شاء من جعل سجن يوسف المظلم طريقًا لظهور الحق وعلوِّ الشأن أن تكون هذه الليلة التى رآها المسلمون مظلمة لضياع قوتهم وقلة حيلتهم وانصراف القبائل عن دعوته أن تكون طريقًا أيضًا لظهور الحق وعلوِّ الشأن وسبحان من قال:-
(
لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ) .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { رحلة الاسراء والمعراج } **

ها هى البشارات تتوالى والانتصارات تتعاقب فى دأب شديد ولئن بدا الرسول - صلى الله عليه وسلم- مهزومًا فى عالم الشهادة فلقد غدا منصورًا فى عالم الغيب ,, قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة بقليل ؛ أكرمه الله تعالى بالإسراء والمعراج.

الجن تؤمن به - فى رحلة العودة من الطائف - حين كفر الناس ،
وأبواب السماء تفتح له حين أغلقت فى وجهه أبواب الأرض ،
و فمع بشرى يثرب التى كانت تقدمة لدولة جديدة للمسلمين بالمدينة ،
صارت هناك بشرى أخرى ، وهى زواجه - صلى الله عليه وسلم - بعائشة الصديقة ،,,

أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ،
راكبًا على البراق بصحبة جبريل - عليه السلام - (( وهو دابة ليست كدوابنا هذه، وإنما هي شيء سخره الله تعالى لرسوله إكراماً وتعظيماً ، يضع ذلك البراق حافره عند منتهي طرفه )),,

وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق - عليهم السلام - صلى محمد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل - عليهما وعلى أبيهما السلام - ,,

ثم
عرج به - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات العلا حيث توالت رؤيته للآيات العجيبة وأمام ربه - عز وجل - كان فرض الصلوات الخمس فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فى قومه أخبرهم بما أراه الله - عز وجل - ، فكذبوه وآذوه فساق لهم من دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة غير أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .

فكان كلما وصل إلى سماء يستفتح جبريل فيقال:- من أنت ؟ ومن معك ؟
فيقول :- جبريل ومحمد ,،
فيقال :- أو قد بُعث إليه ؟
فيقول :- نعم ،,,
فيفتح لهما مع الترحيب والدعاء بالخير، حتى انتهيا من السماء السابعة .

فرض الصلوات الخمس ,,,,

خمسون صلاة فى كل يوم وليلة هى ما فرضها الله - سبحانه وتعالى - على سيد الأنبياء فى رحلة المعراج لكنه - صلى الله عليه وسلم - حين مر بموسى - عليه السلام - بالسماء السادسه ،،
قال له موسى عليه السلام :- بما فرض الله عليه وعلى أمته ،,, .. فأشار عليه أن يرجع فيسأل ربه التخفيف، فإن أمته لا تطيق ذلك .

ففعل ووضع عنه ربه عشرًا ولم يزل محمد - صلى الله عليه وسلم - يتردد بين موسى - عليه السلام - الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالى حتى صارت الصلوات حتى جعل الله تعالى الصلوات المفروضة خمساً في الفعل وخمسين في الأجر .
وعندها أجاب - صلى الله عليه وسلم - موسى الناصح بمزيد من التخفيف ,,
فقال الرسول المصطفى :- قد استحييت من ربى ولكنى أرضى وأسلم ,,
فلما بعد نادى منادٍ: قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى .

ما رآه محمد - صلى الله عليه وسلم- من الآيات

وجب على الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلى يقين لا يلزم غيرهم ولأن الخبر ليس كالمعاينة فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو فى أعينهم عن جناح بعوضة وما جعلهم يستعذبون فى سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب.
وفى رحلة المعراج رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده وملأ قلبه يقينًا ،،

ففى السماء الدنيا رأى آدم -عليه السلام- ورأى أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره ، وفى السماء الثانية رأى عيسى ويحيى -عليهما السلام-، وفى السماء الثالثة رأى يوسف -عليه السلام-، وفى السماء الرابعة رأى إدريس -عليه السلام-، وفى الخامسة رأى هارون -عليه السلام-، ورأى أخاه موسى-عليه السلام- فى السادسة، ولما انتهى إلى السماء السابعة لقى إبراهيم -عليه السلام-،،

وكان كلما رأى نبيًا سلم عليه ذلك النبى ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى الجبار- جل جلاله -فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى وفى هذه الرحلة تكررت له -صلى الله عليه وسلم- حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن ،،

ورأى أربعة أنهار فى الجنة نهرين ظاهرين وهما:- النيل والفرات ونهرين باطنين ورأى مالك خازن النار كما رأى الجنة والنار ورأى أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل يقذفون بقطع من النار فى أفواههم فتخرج من أدبارهم ، ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها على الحركة ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون على النار ، ورأى الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن ويتركون السمين الطيب إلى جنبه ، ورأى النساء اللاتى يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن ،،،

ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى مكة من ليلته ، فلما أصبح ذهب إلى نادى قريش فأخبر القوم بما رآه ، فكذَّب من كذَّب وارتد بعض ضعاف القلوب عن الإسلام ، ثم امتحنوه بوصف بيت المقدس فوصفه كما هو ، ثم سألوه عن عير ( قافلة تجارة ) لهم في الطريق فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ووقت قدومها ،,,
فكان كما قال ، ومع ذلك لم تردعهم تلك الأدلة الظاهرة عن عنادهم وكفرهم ؛ إلا من وفقه الله تعالى وثبته على دين الإسلام .

وفي صبيحة ليلة الإسراء جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراه كيفية الصلوات الخمس وأوقاتها ، وكانت الصلاة قبل ذلك ركعتين صباحاً وركعتين مساء كصلاة سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { بيعة العقبة الأولى } **

إن النبتة التى غرسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بيده فى موسم الحج فى السنة الحادية عشرة للنبوة قد اشتد عودها حتى جاء فى الموسم التالى اثنا عشر رجلاً (( عشرة من الخزرج واثنان من الأوس )) خمسة من الستة الذين قابلوه فى العام الماضى وسبعة جدد ، جاءوا يبايعون الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند العقبة بمنى بيعة كبيعة النساء يوم فتح مكة - أى على الإيمان والطاعة - دون حرب أو قتال ,,

وقد روى البخاري في صحيحه نص هذه البيعة وبنودها في حديث عبادة بن الصامت الخزرجي رضي الله عنه – وكان ممن حضر البيعة – وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لهم ‏:‏-
(
تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفي منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمـره إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه )
قال :‏ " فبايعته " ، وفي رواية " فبايعناه على ذلك " .

وقد بعث النبى - صلى الله عليه وسلم- معهم شابًا من السابقين إلى الإسلام هو مصعب بن عمير العبدرى ليعلم من أسلم بيثرب شئون دينهم ويدعو بها من لم يسلم بعد وقد بارك الله فى سفارة مصعب ، وكان يعرف بالمقرئ وآمن بدعوته أسيد بن حضير وسعد بن معاذ سيدا قومهما من بنى عبد الأشهل وقصة إسلامهما تنبئ بحكمة مصعب ودماثة خلقه وقد أقام مصعب فى دار أسعد بن زرارة يقوم بما انتدب له بجد وحماس حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار أمية بن زيد وخطمة ووائل فقد وقف بهم عن الإسلام قيس بن الأسلت الشاعر حتى عام الخندق العام الخامس للهجرة ولم يأت العام المقبل: العام الثالث عشر للنبوة إلا ومصعب قد عاد إلى مكة يزف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشائر الفوز وبوارق الأمل فى قبائل يثرب وما بها من خير ومنعة .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { بيعة العقبة الثانية } **

الله أكبر !!

موسم الحجيج للعام الثالث عشر من النبوة يسفر عن غرس محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد استغلظ واستوى على سوقه وفد يثرب يقدم قاصدًا مكة وبين صفوفه ثلاثة وسبعون أو سبعون رجلاً وامرأتان (( نسيبة بنت كعب أم عمارة ، و أسماء بنت عمرو بن عدي بن ثابت )) ممن أسلم وآمن بالدين الجديد لا ينهزهم إلا شوقهم للقيا نبى الله - صلى الله عليه وسلم - ومبايعته على النصرة وتحت جناح الليل وبعد مضى ثلثه الأول كان التسلل خفية للقاء الموعود عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى حسب الاتفاق المضروب ,,,,

وبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه العباس عمه - وهو بعد على دين قومه - أما أبو بكر وعلى فقد وقف كل منهما عينًا على الطريق ؛ لحراسة الاجتماع السرى وقبل أن يسرد النبى - صلى الله عليه وسلم - بنود البيعة أكد العباس على خطورتها ، وبعد أن سردها فقد كرر التأكيد على خطورة البيعة الأنصاريان السابقان
(( العباس بن عبادة وأسعد بن زرارة )) ,,,

لكن الأنصار الذين عرف الإسلام طريقه إلى قلوبهم ما كادوا يستمعون إلى قولهما حتى بادروا إلى مصافحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلين:-
والله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها وبعد أن تمت البيعة قام الأنصار تنفيذًا لطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باختيار اثنى عشر نقيبًا حتى إذا تمت البيعة اكتشف شيطان المعاهدة فصاح على قريش يستفزهم وسعت قريش لمطاردة المبايعين لقتل حركة تعلم جيدًا شدة خطورتها لكن الله سترهم ولم تظفر قريش إلا بسعد بن عبادة الذى أجاره المطعم بن عدى والحارث بن حرب بن أمية فعاد سالمًا إلى ركبه وعاد الجمع الميمون إلى المدينة ينشرون دعوة الله ويهيئون يثرب لإقامة دولة الإسلام الأولى فى الأرض ويستعدون لاستقبال المهاجرين ونبيهم - صلى الله عليه وسلم - .

بنود البيعة ,,,,

كانت بيعة العقبة الأولى على الإيمان والطاعة أما هذه البيعة فقد كانت على الجهاد والقتال كذلك وقد جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنود هذه البيعة فى نقاط خمس:-

الأولى :- السمع والطاعة فى النشاط والكسل .
الثانية :- النفقة فى اليسر والعسر .
الثالثة :- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
الرابعة :- أن يقوموا فى سبيل الله لا تأخذهم فى الله لومة لائم .
الخامسة :- أن ينصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم إليهم ، ويمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم ، وأزواجهم ، وأبناءهم .

وواضح من هذه البنود الخمسة أن الإسلام لم يعد عقيدة تسكن أفئدتهم فحسب بل صار دعوة وحركة وجهادًا وتضحية تكلفهم أرواحهم ودماءهم فى بعض الأحيان أما وعد النبى -صلى الله عليه وسلم- إن هم وفوا بما عليهم فلم يكن النصر فى الدنيا ولا الغلبة على أعدائهم كما لم يكن متاعًا أو جاهًا يتنعمون به إنما كان الجنة والجنة فحسب .

وقد سأل أبو الهيثم بن التيهان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها -يعنى اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟
فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم منى أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وعلى شدة وضوح الخطورة فى بنود هذه البيعة إلا أنه تم التأكيد على خطورتها من الحاضرين ليبايع من أراد وهو على بينة من أمره.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { الهجرة إلى يثرب } **

كانت بيعة العقبة الثانية أخطر انتصار حققته الدعوة منذ ولادتها فقد صار لها اليوم حصن ووطن، وسط صحراء العرب الواسعة ، وكما أدرك هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسرع فى إرسال المسلمين إلى يثرب ليبادروا إلى تأسيس المجتمع الجديد بها فإن قريشًا قد انتبهت لذلك أيضًا فأخذت تحول بينهم وبين الهجرة وفى ظل هذا المناخ القلق كان المسلمون يلوذون فرارًا إلى يثرب لا يحملون معهم سوى إيمانهم بالله ويقينهم به، مخلفين وراءهم بيوتهم وأموالهم وتجارتهم ومصالحهم بل بعض أهليهم فى العديد من الأحيان وإن هجرة كهجرة أبى سلمة وزوجته وكهجرة صهيب الرومى أو هجرة عياش بن أبى ربيعة لتوضح لنا ما كان المسلمون يلاقونه من كيد قريش حتى يمنعوهم من الهجرة لكن عناية الله ورحمته حالت دونهم وما يبغون فما مضى بعد بيعة العقبة إلا شهران وبضعة أيام حتى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلى - أقاما بأمره لهما- ، ومن احتبسه المشركون كرهًا .


مؤامرة قريش ،,،،

إن الخطر الذى كانت تراه قريش بعقلها حين تفكر فى أمر هذه الدعوة قد أخذ يتجسد الآن بعد هجرة المسلمين إلى يثرب حتى صارت تراه حقيقة بعيونها المندهشة ولئن هى صبرت على محمد - صلى الله عليه وسلم - دون أن تغمد فى صدره سيفها فيما مضى احترامًا لأبى طالب أو إبقاءً على ود بنى هاشم أو إجلالاً لجوار المطعم بن عدى، فإن ما يحدث بيثرب الآن يدفعها دفعًا لتجهز على هذا النبى قبل أن يلحق بأتباعه، فلا تستطيع رد سهم قد نفذ واجتمعت فى دارالندوة فى السادس والعشرين من صفر سنة أربع عشرة من البعثة وجوه قريش الممثلة لكافة بطونها وظلوا يتدارسون بينهم خطة الإجهاز على نبى الله - صلى الله عليه وسلم - وانتهت المشاورة إلى أخبث خطة لقتل من أرسل رحمة للعالمين ... محمد - صلى الله عليه وسلم - .

المشاورة ،،,،

بين جدران دار الندوة كانت المؤامرة تحاك خيوطها والجريمة البشعة ترسم خطواتها ولئن بدأ إخوة يوسف بالقتل حين أرادوا الوقيعة به ثم انتهوا إلى النفى لصلاح بقى فى قلوبهم فإن قلوب وجوه قريش المظلمة وعقولهم الصدئة قد أبت إلا تنكب هذا الطريق بدأت آراؤهم ,,,
*-* بقول ابن الأسود:- نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا ولا نبالى أين ذهب ولا حيث وقع فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
*-* ثم عرجت آراؤهم إلى قول البخترى :- احبسوه فى الحديد وأغلقوا عليه بابًا ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله - زهير والنابغة - ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم .
*-* لكن حظ هذا الرأى من القبول لم يزد عن سابقه ثم انتهوا إلى رأى أبى جهل بن هشام الذى قال لهم :- والله إن لى فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد! أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه فى القبائل جميعًا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا فرضوا منا بالدية فأديناها لهم ووافق المتآمرون على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع ورجعوا إلى بيوتهم وقد ظنوا أنهم سينفذونه .

أسماء المؤتمرين ،،,،

كان المؤتمرون فى هذا اليوم يمثلون وجوه قريش وبطونها فعن قبيلة بنى مخزوم كان أبو جهل بن هشام، وعن بنى نوفل بن عبد مناف كان جبير بن مطعم وطعيمة بن عدى، وعن بنى عبد شمس بن عبد مناف كان شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، وعن بنى عبدالدار كان النضر بن الحارث، وعن بنى أسد بن عبدالعزى كان أبو البخترى بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام، وعن بنى سهم كان نبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعن بنى جمح كان أمية بن خلف ...

*-* وعند مجيئهم إلى دار الندوة اعترضهم إبليس فى هيئة شيخ جليل، فقالوا له:-
من الشيخ؟ فأجابهم :- شيخ من أهل نجد سمع بالذى اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا فأدخلوه معهم وهكذا اجتمع إبليس الجن مع أبالسة الإنس على كيد النبى - صلى الله عليه وسلم - والله بما يعملون محيط .




رد مع اقتباس