عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2012, 08:57 PM   المشاركة رقم: 13
الكاتب
wolf101
عضو فعال
الصورة الرمزية wolf101

البيانات
تاريخ التسجيل: Dec 2011
رقم العضوية: 7508
الدولة: Alex
المشاركات: 570
بمعدل : 0.13 يوميا

الإتصالات
الحالة:
wolf101 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : wolf101 المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: قصة حياة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** { غـزوة فـتـح مـكـة } **

إنه لأمر عجيب أن ترفع سيوف المسلمين ، فيخضع لها كل شبر بأنحاء الجزيرة ، وأن تركض خيولهم ، حتى تطأ حوافرها أرض الروم ، ثم تحبس هذى السيوف ، وتلك الخيول عن تحرير بيت الله الحرام من دنس الأوثان ونجاسة المشركين ، ذلك ما كانت نفوس المسلمين تحدثهم به ، لكنهم صبروا على ذلك ، وفاءً منهم بالعهد واستماعًا إلى نفوسهم التى حدثتهم أيضًا بأن الأعجب من ذلك أن تفى قريش بعهدها !!

وكان ما حسبه المسلمون حقـًا ، فسرعان ما نقضت قريش عهدها ، ثم أحست بعد فوات الأوان بالمصيبة التى سعت إليها بقدميها ، فخرج أبو سفيان إلى المدينة متداركًا ما عساه يدرك ، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهيأ للغزو وحاول إخفاءها حتى يباغت المشركين ، فيحقن دماءً لالزوم لسفكها ، وقد كان هذا له ، رغم كتاب حاطب الذى أرسله ليحذر قريشًا ، وتحرك الجيش المسلم ثم نزل بممر الظهران

وعلم أبو سفيان أن أمر الله ظاهر لا محالة فأعلن إسلامه ، وغادر الجيش منزله متوجهًا إلى مكة ، وسبقه أبو سفيان ليحذر قريشًا حسبما أمر النبى ، ودخل الجيش مكة بيسير عناء ، وكان أول ما فعله النبى - صلى الله عليه وسلم - أن دخل المسجد ، ثم صلى فى الكعبة ، ثم وقف يخطب أمام قريش ، وعفا عما بدر منهم فيما مضى ، وزيادة فى إظهار الود والكرم أعطى النبى - صلى الله عليه وسلم - مفتاح البيت إلى أصحابه من قريش ، ووقف بلال يؤذن فوق ظهر الكعبة ، أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ذهب يصلى ببيت أم هانئ ، ثم أعلن عن إهدار لدم كبار المجرمين .

وقد أسلم فى هذا اليوم رؤوس مكة التى طال عنادها وفى اليوم الثانى وقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا فى الناس ، وتخوف الأنصار من بقائه بمكة فطمأنهم ، ثم شرع يأخذ بيعة الرجال ، حتى إذا أتمها أخذ بيعة النساء ، وأقام بمكة أيامًا ليتم ما فعله ، ثم عاد إلى المدينة .

قريش تنقض عهدها ،،،،

وهنت عظام قريش ، وانحنى ظهرها ، والدعوة الفتية تقوى ساعدها ، ويشتد عودها ، ويومًا بعد يوم أصبحت المعاهدة سورًا عاليًا بين الفريقين ، سورًا تحتمى به قريش من حرب المسلمين ، وسورًا يمنع المسلمين من حربها ، لكن غباء قريش أبى عليها إلا أن تنقب بيدها ذلك السور ، فقد أعانت بنى بكر - حلفاءها - بالسلاح وبالرجال مستغلين ظلمة الليل لقتال خزاعة - حلفاء المسلمين - والإغارة عليهم ، وأصابت بنو بكر من خزاعة رجالاً ، وسعت خلفهم حتى ألجأتهم إلى الحرم ،،،

فقالت بنو بكر لسيدهم نوفل بن معاوية الديلى :- يا نوفل ، إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك .
وسخر نوفل منهم ، ثم قال لهم وقد ادعوا إيمانًا زائفًا :- لا إله اليوم يا بنى بكر ، أصيبوا ثأركم ، فلعمرى إنكم لتسرقون فى الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟

وقد كان بين الفريقين ثأر وعداوة ، لم يهدأا حتى عقدت المعاهدة ، ودخل كل فى حلف طرف منها ، أما خزاعة ، فقد لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعى ، وإلى دار مولى لهم يقال له رافع ، وأسرع عمرو بن سالم الخزاعى ، حتى دخل على النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس فى المسجد بين ظهرانى الناس ، فأنشد أبياتًا يستنجده بها

يا رب إني نـاشد محمداً **** حلف أبـينا وأبيه الأتلدا
إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا **** ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا **** وادع عباد الله يأتوا مدداً

فأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلاً :-
" نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه " .

ودعا الله قائلاً
" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".

والتفت إلى السماء فإذا سحابة تمر فأردف قائلاً :-
إن هذه السحابة لتستهل بنصر بنى كعب .

وبعد أيام وفد بديل بن ورقاء الخزاعى سرًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا إياه بمصاب خزاعة من بنى بكر وحلفائها من قريش ثم رجع بمن معه إلى مكة .

أبو سفيان يخرج للمدينة ،،،،

" إن عبث قريش وطيشها ، لا تجد من يحمل عنها عواقبه سواى "
كان هذا ما تردد فى صدر أبى سفيان ، وهو خارج من مجلس قريش الاستشارى ، حيث قررت أن توفده ممثلاً لها لتجديد الصلح .

وأردف أبو سفيان يسائل نفسه :- وأين كان مجلسها الموقر هذا قبل أن تعبث مع بنى بكر بمعاهدة محمد ؟
إن أسئلة كثيرة ظلت تلاحق الرجل أثناء مسيره إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، كيف يصالحه وقد غدر به ؟ وماذا يفعل معه محمد إذا رآه ؟ وكيف تصنع قريش إن غدا عليها محمد بجيشه الذى لا يقوم له فى مكة شىء ؟
وأسئلة أخرى عديدة أخذت تطرق رأسه وهو ينهز دابته على المسير ، فى صيف قائظ وطريق لا ينتهى وفوجئ أبو سفيان ببديل بن ورقاء الخزاعى الذى غدرت بقومه قريش عند عسفان عائدًا إلى مكة فى نفر معه ، فأدرك أنه قد سبقه إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فسأله :-
من أين أقبلت يا بديل ؟
فأجابه بديل بمكر :- سرت فى خزاعة فى هذا الساحل ، وفى بطن هذا الوادى .
وأراد أبو سفيان أن يحاصره فأعاد سؤاله :- أو ما جئت محمدًا ؟
فنهز بديل دابته ومضى عنه قائلاً :- لا . فلما ذهب فت أبو سفيان بعر دابته ، فوجد فيه النوى ، علم أنها علفت بالمدينة .

وقدم أبو سفيان المدينة ، فدخل إلى بيت ابنته أم حبيبة ، زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليستريح عندها ، ولعلها تكون وسيطة بينه وبين محمد ، لكنه ما كاد يجلس ، حتى وجد ابنته تطوى عنه الفراش ، لكيلا يجلس عليه ، فاستوضحها ؟
فقالت :- بل هو فراش الرسول وأنت رجل مشرك نجس .
فمضى أبو سفيان عنها وقد صدمه ما حدث له ، ثم دخل على النبى - صلى الله عليه وسلم - فحدثه ، فلم يرد عليه ، فخرج إلى أبى بكر ، ثم عمر ، ثم على ، فلم يجيبوه بشىء ، ولا توسطوا بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفلتت الأمور من بين أصابعه ، ولم يدر ما يفعل

فصاح بعلى يائسًا :- يا أبا الحسن ، إنى أرى الأمور قد اشتدت على ، فانصحنى ، فنصحه على أن يقوم فيجير بين الناس ،،
فسأله أبو سفيان :- أو ترى ذلك مغنيًا عنى شيئًا ؟
فأجابه على :- لا والله ما أظنه ، ولكنى لم أجد لك غير ذلك ،،
فقام أبو سفيان فى المسجد فقال :- أيها الناس ، إنى قد أجرت بين الناس !
فما رد عليه أحد وركب الرجل ناقته ، وعاد خائبًا إلى مكة .

التهيؤ للغزوة ومحاولة إخفائها ،،،،

حماقات قريش لا تنتهى ، واليوم وقد حاصرتها مخاوفها من المسلمين ، لا يدرى أحد إلى أين يقودها اضطرابها وفزعها ؟
أما محمد صلى الله عليه وسلم - فإنه يدرك جيدًا أن آذان العرب فى كل الجزيرة ، وعيونهم تتسع الآن وتترقب بيقظة وحذر ما تصير إليه الأمور بين المسلمين وقريش ، وهو لهذا لا يريد أن يجازف بحرب قريش إلا بغتة ودون استعداد منها أو تهور ، وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم - الناس أن يتجهزوا ،،،
ودعا ربه قائلا ً:-
اللهم خذ العيون والأخبارعن قريش ، حتى نبغتها فى بلادها

وزيادة فى الحيطة ، أقدم النبى - صلى الله عليه وسلم - على أمر يدل على مدى حنكته العسكرية ، وليأخذ انتباه العرب وقريش ، بعيدًا عن مقصد جيشه إذ قام النبى صلى الله عليه وسلم - بإرسال سرية قوامها ثمانية رجال إلى بطن أضم يقودهم أبو قتادة بن ربعى ؛ لتطير الأخبار فى كل اتجاه ، بأن مسير جيشه تابع لسريته ، وقد وصلت السرية فعلاً إلى حيث أمرها النبى صلى الله عليه وسلم - حتى إذا علمت بخروجه إلى مكة سارت إليه فلحقته ، لكن هذا الاحتياط الشديد ، كاد أن ينقض بكتاب حاطب بن أبى بلتعة ، لولا أن تدارك الله المسلمين برحمته .

كتاب حاطب ،،،،

روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله :- إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا .
وصحابى كحاطب بن أبى بلتعة ، جرت حسناته ومحامده أنهارًا ، كيف تلوثها فعلة واحدة ؟
كبرت تلك الفعلة أم صغرت ! رأى حاطب أنه لا قرابة له فى قريش ولا نسب ، وإن أهله وولده فيهم ، فماذا يصنع إن كانت الدائرة على المسلمين ؟ ولكل منهم قرابة لدى قريش ، يحمونه عند المصيبة ؟

فأراد أن تكون له يد عند القوم ، يحمونه بها إن هزم المسلمون ، وبين ضيق وتردد ، خطت يده كتابًا إلى قريش ، يحذرها فيه من قدوم المسلمين ، ثم أعطاه امرأة ، أسرعت به إلى مكة ، وأفلت الأمر من يد الرجل ،،،،

لكن الوحى أخبر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بخبر حاطب فأرسل عليًا والمقداد إلى حاملة الكتاب وقد أعلمهما بمكانها وما تحمله ، فوصلا إليها ، واستخرجا منها كتاب حاطب الذي اخفته كما امرها حاطب في ضفائر شعرها ، وعاد به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب فسأله ، فصدقه فى الإجابة ، وهنا أراد عمر أن يضرب عنقه ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - قال له :-
إنه قد شهد بدرًا ، وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر ،،،
فقال :- اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ؛
فذرفت عينا عمر ،،
وقال :- الله ورسوله أعلم .

وعلم المسلمون حينئذ ، أن دينًا يزن للناس حسناتهم وسيئاتهم لا ينبغى لتابعه أن يهدم فى ساعة ما بناه مع غيره فى سنين ، كما علموا أيضًا ، كيف تكون الأمة ، حصنًا دافئًا يلجأ إليه الشاردون ، لا سيفًا مُصْلتًا ، يفرون منه !

تحرك الجيش ،،،،

أيام رمضان للعام الثامن الهجرى تمر على المسلمين المترقبين فتذكرهم فى صيامهم بيوم بدر ، وتمر عشرة أيام من الشهر الكريم فيأمرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - بالخروج ، وفى لحظات ، كان عشرة آلاف جندى مسلم يزحفون باتجاه مكة ، تحت قيادة محمد - صلى الله عليه وسلم - تلهج ألسنتهم بالذكر ، وتخضع جباههم لله ، وتحوطهم السكينة من كل مكان ، وعند الجحفة ، لقى المسلمون العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرًا بأهله وعياله ، فلحق بهم ثم مضوا فى طريقهم حتى إذا كانوا بالأبواء لقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه أبا سفيان بن الحارث ، وابن عمته عبدالله بن أمية ، فأعرض عنهما لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى ،،،

فقالت له أم سلمة :- لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك .
ونصح على ابن عمه أبا سفيان قائلاً :- ائت رسول الله من قبل وجهه ، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف ،،،
ففعل وقال له :-
( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ، وإن كنا لخاطئين )
فقال - صلى الله عليه وسلم :-
( لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين )
واصطحبهما معه مستئنفًا المسير .

الجيش بمر الظهران ،،،،

شهدت مر الظهران ، ليلة السابع عشر من رمضان سنة ثمان من الهجرة أسعد أوقاته ، وأشدها ضياءً ، ففى هذه الليلة التى توافق مرور ستة أعوام على ليلة بدر نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بها مع عشرة آلاف صحابى جليل ، أوقد كل منهم نارًا هى دون نار شوقه إلى مكة حرارة ، ودون نور وجهه ضياء ، ثم وقف عمر بن الخطاب على حرس الجيش فصار منظرًا مهيبًا مشرقـًا ، لا تنساه مر الظهران حتى قيام الساعة !!



إسلام أبى سفيان ،،،،

أراد الله - عز وجل - بأبى سفيان خيرًا ، فقدّر له أن يخرج من مكة المترقبة ، يتلمس بمر الظهران خبرًا ، وقدّر للعباس بن عبدالمطلب أن يخرج من معسكر المسلمين ؛ يتلمس حوله من ينذر قريشًا ، وسمع العباس صوت أبى سفيان وصاحبيه ، بديل بن ورقاء وحكيم بن حزام فأنصت ،،،
ورأى أبو سفيان معسكر المسلمين فقال :- ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا .
وعرف العباس صوت أبى سفيان فقال :- أبا حنظلة !
فعرفه أبو سفيان وأجاب :- أبا الفضل !
ثم لم تكن إلا كلمات يسيرة بينهما ، حتى ركب أبو سفيان خلف العباس على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى رجعت تجوس فى معسكر المسلمين ، وكان المسلمون كلما نظروا متسائلين عن الدابة وراكبها ،،،،
قالوا :- عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دابته ؛
لكن عمر بن الخطاب - رئيس حراستهم حينئذ - كان أكثر حرصًا فاقترب منهما ، حتى إذا رآهما صاح :- أبو سفيان ، عدو الله ؟ الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
وفى لحظة واحدة كان العباس يركض بدابته قاصدًا خيمة النبى - صلى الله عليه وسلم - ويسابقه عمر بن الخطاب ليلحق به ،،،

وفوجئ النبى - صلى الله عليه وسلم - بعمر والعباس يدخلان عليه ويتصايحان ، عمر يريد ضرب عنق زعيم قريش أبى سفيان والعباس يجيره منه ،،،
وأنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الموقف بقوله :-
اذهب يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتنى به .
فلما كان الصبح ،،،
فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام :-
"ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله "
فقال العباس :- " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
" ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله "
فقال:- " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .
دعاه النبى - صلى الله عليه وسلم - لشهادة " ألا إله إلا الله "
فأجابه ، ثم دعاه لتمامها بأن محمدًا رسول الله ، فتردد ، لكن العباس حثه وحذره ، فأسلم وشهد شهادة الحق بعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام ،،،،
وهنا انطلق العباس فرحًا يسأل النبى - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :- يارسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئًا ،،،

فنظر محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أبى سفيان ، قائد جيش قريش بأحد الذى أعلن تمنيه موت محمد وأبى بكر وعمر ، وزوج هند بنت عتبة التى بقرت بطن حمزة ثم لاكت قطعة من كبده - نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ثم قال :- نعم ! من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الجيش يسير إلى مكة ،،،،

فى صباح اليوم السابع عشر من رمضان للعام الثامن الهجرى تحرك جيش المسلمين قاصدًا مكة ، ووقف أبو سفيان ينظر إلى كتائبهم ، وكلما مرت منه كتيبة ،،،
سأل العباس :- من هذه ؟
فيجيبه :- سليم أو مزينة ، أو سواها من قبائل العرب ،،
فيقول أبو سفيان :- مالى ولسليم ؟ مالى ولمزينة ؟،..... وهكذا،،،
لكن كتيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخضراء مرت به ، فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا العيون من الحديد ،،،
فقال :- سبحان الله يا عباس ! من هؤلاء ؟
فأخبره بخبرهم فقال :- ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة .
نعم إن الرجل قد يميز نفيس الجوهر من زائفه ، لكن الخبير من يميز النفيس من الأنفس .
وبينما أبو سفيان يتأمل كتيبة النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ قطع تأمله صوت سعد بن عبادة مهددًا :-
اليوم يوم الملحمة ! اليوم تستحل المحرمة ، اليوم أذل الله قريشًا .

فلما حاذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان ، أخبره بما قاله سعد ، فقال عثمان ، وعبدالرحمن بن عوف :-
يا رسول الله ، ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة ،،،
فقال النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم :-
بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز الله فيه قريشًا .
ونزع اللواء من سعد ، وأعطاه لابنه قيس ، حتى يطيب خاطره ، أما أبو سفيان الذى لم يعلم أن وقوفه بهذا المكان مع العباس كان عن أمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد امتلأ قلبه تعظيمًا وهيبة من جند المسلمين ، فانطلق إلى قريش يحذرها ، حتى لا تهلك نفسها بحرب محمد -صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك ما أراده النبى .

أبو سفيان يحذر قريشًا ،،،،

إن قريشًا المتلهفة لسماع خبر عن جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - قد فوجئت برأسها وكبيرها أبى سفيان ، يدخل مكة مسرعًا ، وصياحه يسبق فرسه ، صارخًا !!
يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن .

وما كاد الرجل يبدأ كلامه ، حتى كانت زوجه هند قد أخذت بشاربه ، وهى تسبه وتصيح به ،،
فقال أبو سفيان :- ويلكم ! لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن و هنا قال الناس ، وقد نفد صبرهم ،،،
قاتلك الله ، وما تغنى عنا دارك ! فقد وجدوا زعيمهم يفخر بأمان داره ، وهم فى مصيبتهم حيارى ،،،

فأجابهم أبو سفيان :-
ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن .
ووقفت قريش لحظة تستمع إلى صوت عقلها ، قد نطق به لسان أبى سفيان ، ثم إلى صوت عاطفتها ، ينطق به لسان زوجه ، لكنهم قطعوا ترددهم ، واتبعوا عقولهم ، فأسرعوا إلى دورهم ، يغلقون على أنفسهم أبوابها ، وإلى المسجد يلوذون بحماه .

الجيش يدخل مكة ،،،،

ويحك مكة ! مم تخشين ؟!

من جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - أميره وقائده؟ والمهاجرون والأنصار بعض جنده المخلصين ؟
حق لك يا من ناءت دروبك وحرم بيتك بوطء نعال المشركين - أن تفرحى وتبشى ، بسعى النبى والمسلمين بين أجنابك ، وطوافهم حول بيتك العتيق ، أما آن لهذا البيت أن يفك أسره ، وتحل قيوده ؟
هذا البيت الذى مل من رؤية أقـفية المحاصرين ، من أوثان قريش وأصنامها .

مضى محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إلى ذى طوى ، واضعا رأسه تواضعا للحق تبارك وتعالى ، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل ، ليس كملك يفتح بلدة طالما عاندته ، بل كنبى كريم قد استسلم لقدر الله بدخول مكة ، كما استسلم من قبل لقدره بخروجه منها .

وهناك وزع جيشه ، فجعل خالد بن الوليد على الميمنة ، وفيها أسلم ، وسليم ، وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب ، وأمره أن يدخل مكة من أسفلها ،،،
وقال :- إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا ، حتى توافونى على الصفا ، وقد لقى فصيل خالد بعض الكيد من سفهاء المشركين بالخندمة ، لكنه سرعان ما أجهز عليه ،،،،

وجعل - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام على الميسرة ، وأعطاه راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يدخل مكة من أعلاها ، وأن يغرز رايته بالحجون ، ولا يبرح حتى يأتيه ،،،
وجعل - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة على الرجالة والحسر الذين لا سلاح معهم ، وأمره أن يأخذ بطن الوادى ، حتى ينصب لمكة بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى دقائق معدودة ذابت هموم السنين الطوال ،،،

ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة والمهاجرون والأنصار بين يديه ، وخلفه وحوله ، حتى وافى خالدا على الصفا ،،،
ثم تقدم الجمعان ليلتقيا بالزبير بالحجون ، عند مسجد الفتح ، ثم كان مسير آخر الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - إلى أول بيت وضع للناس .

خالد بالخندمة ،،،،

أسرعت قريش إلى دورها وإلى المسجد للاحتماء من جيش المسلمين ، ورأت أن تقدم سفهاءها لمقابلة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ، فإن كان النصر لهم شركوهم ، وإن كانت عليهم تركوهم ، فتجمع بهذا سفهاء قريش ، وأخفاؤها مع عكرمة بن أبى جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين ، وكان ضمن هؤلاء الناس رجل يدعى حماس بن قيس ، وكان مغرورًا لكن به ظرف ، أعد سلاحًا لمقاتلة المسلمين ، فحذرته زوجته من سوء عاقبته ،،،
فأجابها :- والله لأرجو أن أخدمك بعضهم !
ثم أخذ ينشد شعرًا ، وبالخندمة لم يلق سيف الله خالد أحدًا من المشركين إلا أنامه ، ولم يقتل من جيشه سوى كرز بن جابر الفهرى ، وخنيس بن خالد بن ربيعة ؛ إذ شذا عن الجيش ، وسلكا طريقًا غير طريقه ، فقتلا جميعًا ، وأسرع المشركون بالفرار ، وفوجئت زوجة حماس ببعلها يدخل بيته ، مرتجفًا شاحبًا وهو يقول لها :- أغلقى على بابى .
وكعادة النساء فى هذه الأحوال سألته :- وأين ما كنت تقول ؟
فانطلق يقرض شعرًا ، يفسر به خيبته ، ويعتذر عن فوات فطنته .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدخل المسجد

لا ندرى أيهما كان أشد شوقًا لصاحبه ؟ المسجد الحرام أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله تعالى :-
(( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))
واستسلمت مكة ، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء :-
الله أكبر .. الله أكبر .

ولقد انطلق - صلى الله عليه وسلم - ومن حوله خيار المسلمين من المهاجرين والأنصار ، حتى دخل المسجد فاستلم الحجر الأسود ، الذى ظل لسنين طوال شاهدًا حزينًا لما يحدث حوله من جاهلية بغيضة ، ووثنية قبيحة .

وآن له الآن أن يشعر بلمسة يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيادى المسلمين ، تخفف عنه أحزانه ، وتمسح عن صفحته ، أدران الشرك ولوثاته ، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت على راحلته ، وفى يده الشريفة قوس ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا يجثمون على صدره ، ويكتمون نوره ، فكان كلما مر بواحد منها طعنه بقوسه فوقع على وجهه ، وهو يتلو :-
( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )
( جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد )

ولعل الذين كانوا يستمعون لهاتين الآيتين ثم يلتفتون فيجدون الباطل منتفخًا - لعلهم يشعرون الآن بمذاق جديد لهاتين الآيتين الكريمتين ، وأكمل - صلى الله عليه وسلم - طوافه ، فدعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ؛ ليدخلها ويصلى بها صلاة للواحد الأحد كما كان يصنع جداه (( إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - ))

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلى فى الكعبة

ما أجمل أن يستوى الميزان ! رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسلم مفتاح بيت الله !
نعم هكذا يعود الأمر إلى نصابه ، ويدخل - صلى الله عليه وسلم - البيت ، فيغلق عليه بابه ، وتهدأ أصوات الجيش وقريش بالخارج ، وينفرد بالدخول معه - صلى الله عليه وسلم - بلال وأسامة ، عبد وابن عبد ، لكنهما أثقل فى ميزان الله من أشراف المشركين جميعًا ، ويسقط بدخولهما بناءً للكبر طالما جثم على صدر الإنسانية بمكة ، ويقلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناظريه فى أرجاء الكعبة ، فإذا فيها الصور ، وإذا صورة معلقة لإبراهيم وإسماعيل -
عليهما السلام - يستقسمان بالأزلام !
فقال - صلى الله عليه وسلم - :- قاتلهم الله ، والله ما استقسما بها قط .

وإذا بالكعبة حمامة من عيدان فكسرها ، وأمر بالصور فمحيت ؛ لتطوى بذلك صفحة قاتمة من تاريخ الإنسانية ، التى لونت بيدها تراث الأنبياء .
وترفع بصلاته - صلى الله عليه وسلم - أستار كثيفة طالما أرخيت ؛ فيتبدد عن مكة ظلامها بأشعة الإسلام المشرقة الدافئة ، وبعد أن فرغ النبى - صلى الله عليه وسلم - من صلاته دار فى البيت ، وكبر فى نواحيه ، ووحد الله ، ثم فتح الباب ليخاطب قريشًا المنتظرة .

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب أمام قريش

" لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له
صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده "

كان هذا ما سمعته قريش المصطفة داخل المسجد تترقب كلمات القائد المنتصر محمد - صلى الله
عليه وسلم - أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان آخذًا بعضادتى باب الكعبة ، وهم تحته وقد استأنف يقول :-
ألا كل مأثرة ودم ومال يدعى أو دم فهو تحت قدمى هاتين ، إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج ، ألا وقتل الخطأ شبه العمد - السوط والعصا - ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل : أربعون منها فى بطونها أولادها ،،،
يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب ، ثم تلا النبى - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى :-
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير )

وتعجبت قريش من قول محمد - صلى الله عليه وسلم - لقد بدأ كلامه بذكر ربه ، وحمده وإرجاع الفضل كله إليه ، ثم عرج على إيضاح بعض مبادئ الإسلام الذى يدعو إليه ، لكن ماذا سيصنع بهم ؟
وهنا سمعوا النبى - صلى الله عليه وسلم - يسائلهم :-
يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل بكم ؟
فأجابوا بأمل ورجاء : خيرًا ! أخ كريم وابن أخ كريم .
وحين عمدت قريش فى إجابتها تلك إلى تذكيره بنسبه القرشى ،،
فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولاً بنسب له آخر ، نسبه النبوى ،،
فأجابهم :- فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته
( لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء )
هكذا نظر محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمر برمته ، لن يعدو ما فعلوه عما فعله إخوة يوسف به ، لكنهم إخوته ، وليس له وهو نبى الله ، إلا أن يغفر لهم ما فعلوه .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مفتاح البيت إلى أهله ،،،،

إن أول ما يفعله الثائرون حين تصير الأمور إلى أيديهم هو أن يزيلوا كل أثر كان لسالفيهم ، ويهدموا كل بنيان لم تقمه سواعدهم ، مؤكدين فى كل لحظة ، أن الماضى لم يكن إلا شرًا كله ، وأن خيرًا فى هذه الدنيا ، لن يأتى إلا على أيديهم الطاهرة ،،،

أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه ما جاء ليسلب أحدًا ملكه ، ولا ليبدل كل ما حوله ، إنما جاء ليرجع الأمر لله ، ويقيم دينه بين الناس ، بأن ينزع عنهم ما ألفوه من الباطل ، ثم يقيم بناءه على ما ألفوه من الحق ، لقد جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى المسجد ، فوجد عليًا أو العباس قادمًا إليه يحمل مفتاح الكعبة فى يده ،،،

قائلاً :- يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك ؛
ولكنه - صلى الله عليه وسلم - سأل :- أين عثمان بن طلحة ؟ - وهو حامل مفتاح الكعبة من قريش - ؟؟
فأتوه به ، فقال له :- هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء !
إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن زوال الأصنام من حول الكعبة هو هدف رسالته ، أما زوال مفتاح الكعبة من يد عثمان فإنه ليس من رسالته فى شىء .

بلال يؤذن على الكعبة ،،،،

إن كلمات النبى - صلى الله عليه وسلم -:- الناس من آدم وآدم من تراب .
والتى لم يمض على سماع قريش لها سوى قليل ، قد أصبحت واقعًا يتجسد ، حين جاء وقت الصلاة ،،،
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .
فقام بلال على ظهر الكعبة ، يؤذن فى المسلمين ، ولم يدهش حينئذ واحد منهم ، فبلال عبد لله وقف على ظهر بيت الله يؤذن لعبادة الله ، فما الداعى إذن للدهشة أوالسؤال ؟
لكن عتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، وقد كانا جالسين بفناء الكعبة مع أبى سفيان ، لم يعجبهما هذا المنظر ،،،

فانطلق عتاب يقول :- لقد أكرم الله أسيدًا أن لا يكون سمع هذا ،،
وقال الحارث :- أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته .
أما أبو سفيان ، الذى أسلم وتشهد ، فقد قال :- أما والله لا أقول شيئًا ، لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصباء ،،،
وهنا خرج عليهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قال لهم :- قد علمت الذى قلتم . وذكر لهم ،
فبهت الحارث وعتاب ، ونطقا معًا قائلين :- نشهد أنك لرسول الله ، والله ما أطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك .

النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى ببيت أم هانئ

بدلاً من إقامة المهرجانات والاحتفالات ، وتوزيع الملصقات وتشييد أقواس النصر ، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببساطة إلى بيت أم هانئ بنت أبى طالب ، فى وقت الضحى ليغتسل؛
ويصلى صلاة الفتح ، ثمانى ركعات للناصر المنعم الكريم سبحانه وتعالى

وقد أسرع رجلان من بنى مخزوم أقارب زوج أم هانئ إلى بيتها ، للاحتماء من أخيها على إذ أراد قتلهما ، فأغلقت عليهما باب بيتها دونه ، وسألت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن ينقذهما من على ، فقال لها :- قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما .
،،،
إهدار دم المجرمين ،،،،

إن ملايين كثيرة من البشر قد فقدوا أرواحهم فى الحرب العالمية الثانية ، من جراء أفعال نفر من الساسة وأقوال جمع من الإعلاميين ، وإن المرء ليعجب أى عقاب دنيوى يجب أن يوقع على هؤلاء وأولئك .

فتح محمد - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون مكة ، وعفا النبى - صلى الله عليه وسلم - عن جموع قريش ، لكن بعضًا منهم كان يستحق أن يعاقب جزاء فعله وقوله ؛،،
ولذا فقد أهدر صلى الله عليه وسلم - دماء عبد العزى بن خطل ، فذهب يتعلق بأستار الكعبة ، لكنها لم تغن عنه شيئًا ، إذ أمر صلى الله عليه وسلم - رجلاً أن يقتله فقتله ، وأهدر دم مقيس بن صبابة ، الذى أسلم ثم قتل أنصاريًا ، ثم ارتد ولحق بالمشركين - فقتله نميلة بن عبدالله ، وأهدر دم الحارث بن نفيل الذى كان شديد الأذى للنبى صلى الله عليه وسلم - بمكة ، ودم الحارث بن طلاطل الخزاعى فقتلهما على ، وأهدر دم عبدالله بن أبى سرح الذى ارتد بعد إسلامه ، لكن عثمان شفع فيه إلى النبى صلى الله عليه وسلم - فحقن دمه ، وكذلك عكرمة بن أبى جهل ، لكن امرأته استأمنت له ، فأمنه النبى صلى الله عليه وسلم - فأتت به من اليمن ، فأسلم وحسن إسلامه ، وأهدر دم هبار بن الأسود ، الذى تعرض لزينب عند هجرتها وآذاها حتى أسقطت جنينها ، لكنه صلى الله عليه وسلم - عفا عنه فأسلم وحسن إسلامه ، وأهدر - صلى الله عليه وسلم - دم سارة حاملة كتاب حاطب ، ومغنيتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقتلت إحداهما ، وأسلمت الأخرى مع سارة وعفى عنهما ويذكر أيضًا ممن أهدر دمهم ثم عفى عنهم وأسلموا كعب بن زهير ، ووحشى بن حرب ، وهند بنت عتبة زوجة أبى سفيان .



إسلام رؤوس مكة ،،،،

أسرع صفوان بن أمية الخطا فارًا من مكة لدخول المسلمين بها وصفوان وإن لم يكن ممن أهدر دمهم إلا أنه يعلم جيدًا أنه أحد زعماء قريش ، الذين طالت حربهم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وما إن وصل صفوان إلى شاطئ البحر ، وهمّ بركوبه لجوءًا إلى اليمن ، حتى سمع صياح عمير بن وهب الجمحى يناديه ، والتفت صفوان إلى عمير الذى أخبره بأنه استأمن له الرسول -صلى الله عليه وسلم - وقد أعطاه عمامته التى دخل بها مكة ، وهنا عاد صفوان مع عمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رافضًا الهرولة إلى الإسلام ،،،
قائلاً للنبى :- اجعلنى بالخيار شهرين !
فقال له - صلى الله عليه وسلم -:- أنت بالخيار أربعة أشهر !
فأسلم صفوان ، وكانت امرأته أسلمت قبله ،،،
فأقرهما - صلى الله عليه وسلم - على النكاح الأول .

أما فضالة بن عمير فقد عزم على قتل النبى - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالكعبة حتى قرب منه -صلى الله عليه وسلم - ،،
وهنا ابتدره النبى متسائلاً :- أفضالة؟
قال :- نعم ، فضالة يا رسول الله ،،
فقال :- ماذا كنت تحدث به نفسك ؟
فأجابه فضالة :- لا شىء ، كنت أذكر الله !
فضحك النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم استغفر ثم قال: استغفر الله ،،،
ويحكى فضالة عن ذلك قائلا :- ووضع يده الشريفة على صدرى ، حتى مامن خلق الله شىء أحب إلى منه ثم رجع إلى أهله .

خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى اليوم الثانى

قتلت هذيل لخزاعة رجلاً شجاعًا يسمى أحمر ، وكان ذلك فى الجاهلية ، لكن خزاعة بعد الفتح فوجئت بقاتله :- ابن الأثوع الهذلى يدخل مكة متسائلاً عن أمر الناس ، وهو بعد على شركه ، فأحاطوا به قائلين :-
أأنت قاتل أحمر ؟
فقال :- نعم ، أنا قاتل أحمر ، فمه ؟ أى فماذا تريدون ؟!
وهنا أقبل خراش بن أمية الخزاعى شاهرًا سيفه ، ثم أمر الناس أن يتنحوا عنه ، فتنحوا ، وقد ظنوا أنه يريد أن يفرج عن الرجل لكنه فى لحظة واحدة ، وضع السيف فى بطن ابن الأثوع ، فسقط صريعًا ،،،

فقام رسول الله فى الناس خطيبًا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ومجده بما هو أهله ، ثم أعلن حرمة مكة إلى يوم القيامة ، ونهى أن يسفك فيها دم ، أو يعضد بها شجرة ، أو يصطاد بها ، أو تلتقط بها ساقطة ،،،،
ثم خاطب خزاعة قائلاً :- يا معشر خزاعة ، ارفعو يديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ، فمن قتل بعد مقامى هذا فأهله بخير النظرين ، إن شاءوا فدم قاتله ، وإن شاءوا فعقله .

تخوف الأنصار من بقائه - صلى الله عليه وسلم -

إن فرحة الأنصار بفتح مكة قد شابها خوفهم من فقدان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وبينما كان - صلى الله عليه وسلم - واقفًا على الصفا رافعًا يديه يدعو ربه ، إذ تهامس الأنصار فيما بينهم ،،،
قائلين :- أترون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فتح الله عليه أرضه وبلده ، أن يقيم بها ؟
وفرغ النبى - صلى الله عليه وسلم - من دعائه ، فالتفت إليهم متسائلاً :-
ماذا قلتم ؟
فقالوا :- لا شىء يا رسول الله ؛
مخافة أن يكره مقالتهم ، لكنه لم يزل بهم حتى أخبروه ،,,
فقال محمد - صلى الله عليه وسلم -:-
معاذ الله ! المحيا محياكم ، والممات مماتكم .

وما كان له - صلى الله عليه وسلم - وهو البار الوفى ، أن ينسى صنيع الأنصار فيجعلهم منزلاً فى طريقه ، ما إن يتجاوزه حتى يزهده وينشغل عنه .

بيعة الرجال ،،،،

أشرقت شمس الحق بمكة ، فذهبت من الدروب والقلوب خفافيشها ، تبين للناس الحق جليًا ، وخلى بينهم وبينه ، فأسرعوا تهفو قلوبهم إلى نوره ، وجلس المصطفى - صلى الله عليه وسلم -على جبل الصفا ، الذى شهد قديمًا تكذيب قريش حين جاهر بدعوته - جلس اليوم يبايع الناس ، وعمر بن الخطاب أسفل منه ، يأخذ على الناس ، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا .

بيعة النساء ،،،،

لم تدر هند بنت عتبة ما تصنع ؟ فرسول الله صلى الله عليه وسلم - الجالس على جبل الصفا ، وأسفل منه عمر بن الخطاب ، قد فرغ من بيعة الرجال ، وآن للنساء أن يذهبن للمبايعة ، لكن كيف تغدو معهن ، وهى قاتلة حمزة ، ومن مثلت بجثمانه ولاكت كبده بأحد ؟
ترددت هند قليلاً ، ثم تنكرت حتى لا تعرف وذهبت للمبايعة ، وهناك سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول :-
أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئًا ، فبايعنه ،،،
ثم قال :- ولا تسرقن ،
فنسيت هند أمرها وقالت :- إن أبا سفيان رجل شحيح ، فإن أنا أصبت من ماله هنات ؟
فقال أبو سفيان :- وما أصبت فهو لك حلال .
وضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو إن عرفها حين تحدثت ؛ إلا أنه عرف مع ذلك أيضًا صدق حديثها ، حين استوثقت لدينها ، وقال لها :- وإنك لهند ؟
فقالت :- نعم ، فاعف عما سلف يا نبى الله ، عفا الله عنك ،،،
ثم أكمل النبى - صلى الله عليه وسلم - ببيعته للنساء قائلاً :- ولا يزنين ،،،
فقالت :- أو تزنى الحرة ؟
فقال :- ولا يقتلن أولادهن ، وهنا ذكرت هند حنظلة ابنها الذى قتل يوم بدر ، فأجابت :- ربيناهم صغارًا ، وقتلتموهم كبارًا ، فأنتم وهم أعلم ؛
فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال :- ولا يأتين ببهتان ،،،
فقالت :- والله إن البهتان لأمر قبيح ، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ،،،
فقال - صلى الله عليه وسلم -:- ولا يعصينك فى معروف ،،،
فقالت صادقة مصدقة :- والله ، ما جلسنا مجلسنا هذا وفى أنفسنا أن نعصيك .
فرحم الله هند كانت رأس النساء فى الشرك ورأس النساء فى الإسلام .
إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة وعمله فيها

بقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر يومًا بمكة ، يغسل عن وجهها الوضىء مابقى من أدران الجاهلية الحمقاء ، ويجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى ، وأمر أبا أسيد الخزاعى فجدد أنصاب الحرم ، وسار المنادى بمكة صائحًا :-
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع فى بيته صنمًا إلا كسره ، وقد بث - صلى الله عليه وسلم - سراياه للدعوة إلى الإسلام .



** { سرايا رمضان بعد فتح مكة } **

فتح مكة أمر حسن ، والأحسن منه هو تمام هذا الفتح ؛ لهذا بادر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإرسال السرايا لتطهير أرض العرب من بقايا الأوثان ، ولدعوة العرب إلى دين الله الواحد القهار ، فتتالت بعثة خالد لهدم العزى ، وبعثة عمرو بن العاص لهدم سواع ، ثم بعثة سعد بن زيد لهدم مناة ، ثم بعثة خالد لدعوة بنى جذيمة والتى تأخرت إلى شوال من العام نفسه .

بعثة خالد لهدم العزى ،،،،

خرج خالد بن الوليد فى ثلاثين فارسًا ، لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة إلى نخلة لهدم العزى أعظم أصنام قريش وجميع بنى كنانة ، وكان سدنتها بنى شيبان ، فسار إليها حتى هدمها ،،،
لكن النبى - صلى الله عليه وسلم -
سأله حين رجع إليه :- هل رأيت شيئًا ؟
فقال :- لا
فقال له :- فإنك لم تهدمها ، فارجع إليها فاهدمها ، فرجع إليها خالد وقد امتلأ غيظًا فجرد سيفه ، فخرجت إليه امرأة عريانة ، سوداء ناشرة الرأس ، وجعل السادن يصيح بها ، لكن خالدًا جزلها بضربتين ، ثم رجع إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر ،،،
فقال - صلى الله عليه وسلم - له :-
نعم تلك العزى ، وقد أيست أن تعبد فى أرضكم أبدًا .

بعثة عمرو لهدم سواع ،،،،

وصل عمرو بن العاص إلى سواع : صنم لهذيل برهاط ، وهم بتدميره ،،،
لكن سادنه وقف يسأله بثقة قائلاً :- ما تريد ؟
فأجابه عمرو ببساطة :- أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أهدمه ،،،
فقال له بثقة متزايدة :- لا تقدر على ذلك !
فسأله عمرو متعجبًا :- لم؟
فقال :- تمنع .
وازداد عجب عمرو من عقل طائش يتحدث بيقين وسأله :- حتى الآن أنت على الباطل ؟ ويحك !
فهل يسمع أو يبصر ؟! ثم التفت عمرو عنه ودنا ليكسره ، وأمر أصحابه ، فهدموا فى لحظات بيت خزانته ، ولم يجدوا فيه شيئًا ، وقبل أن يرجع عمرو بأصحابه ،،،
عاد فسأل السادن :- كيف رأيت؟ فأجاب بهدوء: أسلمت لله .

بعثة سعد بن زيد لهدم مناة ،،،،

مناة ! وثن العرب الشهير ، لطالما وقفت تنظر بسخرية وازدراء إلى ألوف الراكعين السجد بحضرتها عبر أجيال عديدة ، وآن لمناة أن تخر صريعة بسيوف الحق ورماحه ، خرج سعد بن زيد الأشهلى ، فى عشرين فارسًا ، حتى انتهى إليها عند المشلل ،،،

وخرج إليه سادنها ،يسأله بعصبية مفتعلة :- ما تريد؟
فأجابه سعد :- هدم مناة .
فتظاهر السادن بعدم الاكتراث ، وقال بلهجة مشبعة بالتهديد :- أنت وذاك !!
ولم يلتفت سعد إليه ، إنما تقدم إليها ، ففوجئ بامرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس ، تدعو بالويل ، وتضرب صدرها ، فشجعها السادن بغباء لا ينتهى قائلاً :-
مناة دونك بعض عصاتك .

لكن تلميذ النبى - صلى الله عليه وسلم - سعد بن زيد ، لم يكن لتهزه هذه الصورة أو تلك الكلمات ، فضربها بسيفه ضربة قتلتها ثم أقبل إلى الصنم فهدمه وكسره ، ولم يجد أصحابه فى خزانته شيئًا .

بعثة خالد إلى بنى جذيمة ،،،،

وصل خالد بن الوليد الذى خرج فى ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبنى سليم إلى بنى جذيمة ، داعيًا إلى الإسلام لا مقاتلا فى شوال من العام الثامن للهجرة ، لكن بنى جذيمة لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ،،،
فجعلوا يقولون :- صبأنا ، صبأنا .

فأعمل خالد فيهم القتل والأسر ، ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيرًا ليقتله ، فأما بنو سليم فقد أطاعته ، وأما عبدالله بن عمر ومن معه من المهاجرين والأنصار فقد أبوا ، حتى قدموا على النبى - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ما حدث ، فاشتد ذلك عليه حتى رفع يديه وقال :-
اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد . مرتين ،،،

ثم أسرع - صلى الله عليه وسلم - بإرسال على بن أبى طالب ، لهم قتلاهم وما ذهب منهم ، إن حديثى العهد بالإسلام ، قد يحسبونه ثورة وقتالاً حتى النصر ، أما راسخو القدم فيه فيعلمون أنه دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ثم هو قتال لمن بغى واعتدى وتكبر .

الفتح ودخول الناس أفواجًا ،،،،

أبت بعض القلوب المظلمة أن تفتح أبوابها لنور الحق ، الذى سطع فى مكة ، وغرها شيطانها ؛ فوحدت صفوفها ؛ لمقاتلة نبى عز عليها أن ترى انتصاره ، وعلو دعوته
فخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - لمقاتلتهم فى غزوة حنين ، وكما يقولون :-
فعلى نفسها جنت براقش
ومحارب الله ورسوله ، ترى إن لم يرجع بالخيبة ، ويبؤ بالخزى والفشل ، فبم يرجع ، وبم يبوء ؟!
وعاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الغزوة إلى المدينة منتصرًا ؛ ليرسل جامعى الصدقات لمن أسلم من القبائل ، و السرايا لمن اعتدى منهم .
لكن " أسد الرومان " لم يعجبه استتباب الأمر فى الجزيرة للنبى الجديد ودعوته ، وهو يعلم خطره ، ونهشة مؤتة لا زالت توجعه ، وتنبهه ؛ ليترك عرينه ، وينقض على غريمه الذى عظم شأنه فى الجوار .

أما النبى العظيم - صلى الله عليه وسلم - فهو أشد حرصًا على دعوته من أن يؤتى على غرة ؛ لذا فقد بادر بالسعى إليه فى بلده فى غزوة تبوك الشهيرة ، والتى ابتليت فيها العزائم ، وامتحنت فيها النفوس .
ولم تنته السنة التاسعة للهجرة إلا عن بعض الوقائع المهمة ، والتى كان آخرها إرسال أبى بكر أميرًا على الحج ،، ولا شك أن الدعوة بعد فتح مكة قد استقرت أركانها ، ورسخت أقدامها ؛ ولذا فقد تقاطرت الوفود على النبى - صلى الله عليه وسلم - تدخل فى دين الله أفواجًا ،،،
وبقدوم " ذى الحجة " من العام العاشر للهجرة ، خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - حاجًا حجة الوداع ، ثم عاد إلى المدينة ليرسل آخرالبعوث :- بعثة أسامة بن زيد إلى أرض الروم ، وهى البعثة التى أجل خروجها حتى وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصعود روحه إلى بارئها - عز وجل - ، مخلفًا وراءه دولة وأمة ، نموذجًا ونبراسًا لمن خلفه ، وأمانة وتبعة فى عنق أتباعه ، والسائرين على دربه إلى يوم الدين .

اللهم صلِّ وسلم على النبى محمد ما بقيت سماء وأرض ، حتى تجمعنا معه وتدخلنا مدخله يوم العرض .. آمين .



عرض البوم صور wolf101  
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 04-08-2012, 08:57 PM
wolf101 wolf101 غير متواجد حالياً
عضو فعال
افتراضي رد: قصة حياة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** { غـزوة فـتـح مـكـة } **

إنه لأمر عجيب أن ترفع سيوف المسلمين ، فيخضع لها كل شبر بأنحاء الجزيرة ، وأن تركض خيولهم ، حتى تطأ حوافرها أرض الروم ، ثم تحبس هذى السيوف ، وتلك الخيول عن تحرير بيت الله الحرام من دنس الأوثان ونجاسة المشركين ، ذلك ما كانت نفوس المسلمين تحدثهم به ، لكنهم صبروا على ذلك ، وفاءً منهم بالعهد واستماعًا إلى نفوسهم التى حدثتهم أيضًا بأن الأعجب من ذلك أن تفى قريش بعهدها !!

وكان ما حسبه المسلمون حقـًا ، فسرعان ما نقضت قريش عهدها ، ثم أحست بعد فوات الأوان بالمصيبة التى سعت إليها بقدميها ، فخرج أبو سفيان إلى المدينة متداركًا ما عساه يدرك ، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهيأ للغزو وحاول إخفاءها حتى يباغت المشركين ، فيحقن دماءً لالزوم لسفكها ، وقد كان هذا له ، رغم كتاب حاطب الذى أرسله ليحذر قريشًا ، وتحرك الجيش المسلم ثم نزل بممر الظهران

وعلم أبو سفيان أن أمر الله ظاهر لا محالة فأعلن إسلامه ، وغادر الجيش منزله متوجهًا إلى مكة ، وسبقه أبو سفيان ليحذر قريشًا حسبما أمر النبى ، ودخل الجيش مكة بيسير عناء ، وكان أول ما فعله النبى - صلى الله عليه وسلم - أن دخل المسجد ، ثم صلى فى الكعبة ، ثم وقف يخطب أمام قريش ، وعفا عما بدر منهم فيما مضى ، وزيادة فى إظهار الود والكرم أعطى النبى - صلى الله عليه وسلم - مفتاح البيت إلى أصحابه من قريش ، ووقف بلال يؤذن فوق ظهر الكعبة ، أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ذهب يصلى ببيت أم هانئ ، ثم أعلن عن إهدار لدم كبار المجرمين .

وقد أسلم فى هذا اليوم رؤوس مكة التى طال عنادها وفى اليوم الثانى وقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا فى الناس ، وتخوف الأنصار من بقائه بمكة فطمأنهم ، ثم شرع يأخذ بيعة الرجال ، حتى إذا أتمها أخذ بيعة النساء ، وأقام بمكة أيامًا ليتم ما فعله ، ثم عاد إلى المدينة .

قريش تنقض عهدها ،،،،

وهنت عظام قريش ، وانحنى ظهرها ، والدعوة الفتية تقوى ساعدها ، ويشتد عودها ، ويومًا بعد يوم أصبحت المعاهدة سورًا عاليًا بين الفريقين ، سورًا تحتمى به قريش من حرب المسلمين ، وسورًا يمنع المسلمين من حربها ، لكن غباء قريش أبى عليها إلا أن تنقب بيدها ذلك السور ، فقد أعانت بنى بكر - حلفاءها - بالسلاح وبالرجال مستغلين ظلمة الليل لقتال خزاعة - حلفاء المسلمين - والإغارة عليهم ، وأصابت بنو بكر من خزاعة رجالاً ، وسعت خلفهم حتى ألجأتهم إلى الحرم ،،،

فقالت بنو بكر لسيدهم نوفل بن معاوية الديلى :- يا نوفل ، إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك .
وسخر نوفل منهم ، ثم قال لهم وقد ادعوا إيمانًا زائفًا :- لا إله اليوم يا بنى بكر ، أصيبوا ثأركم ، فلعمرى إنكم لتسرقون فى الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟

وقد كان بين الفريقين ثأر وعداوة ، لم يهدأا حتى عقدت المعاهدة ، ودخل كل فى حلف طرف منها ، أما خزاعة ، فقد لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعى ، وإلى دار مولى لهم يقال له رافع ، وأسرع عمرو بن سالم الخزاعى ، حتى دخل على النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس فى المسجد بين ظهرانى الناس ، فأنشد أبياتًا يستنجده بها

يا رب إني نـاشد محمداً **** حلف أبـينا وأبيه الأتلدا
إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا **** ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا **** وادع عباد الله يأتوا مدداً

فأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلاً :-
" نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه " .

ودعا الله قائلاً
" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".

والتفت إلى السماء فإذا سحابة تمر فأردف قائلاً :-
إن هذه السحابة لتستهل بنصر بنى كعب .

وبعد أيام وفد بديل بن ورقاء الخزاعى سرًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا إياه بمصاب خزاعة من بنى بكر وحلفائها من قريش ثم رجع بمن معه إلى مكة .

أبو سفيان يخرج للمدينة ،،،،

" إن عبث قريش وطيشها ، لا تجد من يحمل عنها عواقبه سواى "
كان هذا ما تردد فى صدر أبى سفيان ، وهو خارج من مجلس قريش الاستشارى ، حيث قررت أن توفده ممثلاً لها لتجديد الصلح .

وأردف أبو سفيان يسائل نفسه :- وأين كان مجلسها الموقر هذا قبل أن تعبث مع بنى بكر بمعاهدة محمد ؟
إن أسئلة كثيرة ظلت تلاحق الرجل أثناء مسيره إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، كيف يصالحه وقد غدر به ؟ وماذا يفعل معه محمد إذا رآه ؟ وكيف تصنع قريش إن غدا عليها محمد بجيشه الذى لا يقوم له فى مكة شىء ؟
وأسئلة أخرى عديدة أخذت تطرق رأسه وهو ينهز دابته على المسير ، فى صيف قائظ وطريق لا ينتهى وفوجئ أبو سفيان ببديل بن ورقاء الخزاعى الذى غدرت بقومه قريش عند عسفان عائدًا إلى مكة فى نفر معه ، فأدرك أنه قد سبقه إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فسأله :-
من أين أقبلت يا بديل ؟
فأجابه بديل بمكر :- سرت فى خزاعة فى هذا الساحل ، وفى بطن هذا الوادى .
وأراد أبو سفيان أن يحاصره فأعاد سؤاله :- أو ما جئت محمدًا ؟
فنهز بديل دابته ومضى عنه قائلاً :- لا . فلما ذهب فت أبو سفيان بعر دابته ، فوجد فيه النوى ، علم أنها علفت بالمدينة .

وقدم أبو سفيان المدينة ، فدخل إلى بيت ابنته أم حبيبة ، زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليستريح عندها ، ولعلها تكون وسيطة بينه وبين محمد ، لكنه ما كاد يجلس ، حتى وجد ابنته تطوى عنه الفراش ، لكيلا يجلس عليه ، فاستوضحها ؟
فقالت :- بل هو فراش الرسول وأنت رجل مشرك نجس .
فمضى أبو سفيان عنها وقد صدمه ما حدث له ، ثم دخل على النبى - صلى الله عليه وسلم - فحدثه ، فلم يرد عليه ، فخرج إلى أبى بكر ، ثم عمر ، ثم على ، فلم يجيبوه بشىء ، ولا توسطوا بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفلتت الأمور من بين أصابعه ، ولم يدر ما يفعل

فصاح بعلى يائسًا :- يا أبا الحسن ، إنى أرى الأمور قد اشتدت على ، فانصحنى ، فنصحه على أن يقوم فيجير بين الناس ،،
فسأله أبو سفيان :- أو ترى ذلك مغنيًا عنى شيئًا ؟
فأجابه على :- لا والله ما أظنه ، ولكنى لم أجد لك غير ذلك ،،
فقام أبو سفيان فى المسجد فقال :- أيها الناس ، إنى قد أجرت بين الناس !
فما رد عليه أحد وركب الرجل ناقته ، وعاد خائبًا إلى مكة .

التهيؤ للغزوة ومحاولة إخفائها ،،،،

حماقات قريش لا تنتهى ، واليوم وقد حاصرتها مخاوفها من المسلمين ، لا يدرى أحد إلى أين يقودها اضطرابها وفزعها ؟
أما محمد صلى الله عليه وسلم - فإنه يدرك جيدًا أن آذان العرب فى كل الجزيرة ، وعيونهم تتسع الآن وتترقب بيقظة وحذر ما تصير إليه الأمور بين المسلمين وقريش ، وهو لهذا لا يريد أن يجازف بحرب قريش إلا بغتة ودون استعداد منها أو تهور ، وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم - الناس أن يتجهزوا ،،،
ودعا ربه قائلا ً:-
اللهم خذ العيون والأخبارعن قريش ، حتى نبغتها فى بلادها

وزيادة فى الحيطة ، أقدم النبى - صلى الله عليه وسلم - على أمر يدل على مدى حنكته العسكرية ، وليأخذ انتباه العرب وقريش ، بعيدًا عن مقصد جيشه إذ قام النبى صلى الله عليه وسلم - بإرسال سرية قوامها ثمانية رجال إلى بطن أضم يقودهم أبو قتادة بن ربعى ؛ لتطير الأخبار فى كل اتجاه ، بأن مسير جيشه تابع لسريته ، وقد وصلت السرية فعلاً إلى حيث أمرها النبى صلى الله عليه وسلم - حتى إذا علمت بخروجه إلى مكة سارت إليه فلحقته ، لكن هذا الاحتياط الشديد ، كاد أن ينقض بكتاب حاطب بن أبى بلتعة ، لولا أن تدارك الله المسلمين برحمته .

كتاب حاطب ،،،،

روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله :- إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا .
وصحابى كحاطب بن أبى بلتعة ، جرت حسناته ومحامده أنهارًا ، كيف تلوثها فعلة واحدة ؟
كبرت تلك الفعلة أم صغرت ! رأى حاطب أنه لا قرابة له فى قريش ولا نسب ، وإن أهله وولده فيهم ، فماذا يصنع إن كانت الدائرة على المسلمين ؟ ولكل منهم قرابة لدى قريش ، يحمونه عند المصيبة ؟

فأراد أن تكون له يد عند القوم ، يحمونه بها إن هزم المسلمون ، وبين ضيق وتردد ، خطت يده كتابًا إلى قريش ، يحذرها فيه من قدوم المسلمين ، ثم أعطاه امرأة ، أسرعت به إلى مكة ، وأفلت الأمر من يد الرجل ،،،،

لكن الوحى أخبر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بخبر حاطب فأرسل عليًا والمقداد إلى حاملة الكتاب وقد أعلمهما بمكانها وما تحمله ، فوصلا إليها ، واستخرجا منها كتاب حاطب الذي اخفته كما امرها حاطب في ضفائر شعرها ، وعاد به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب فسأله ، فصدقه فى الإجابة ، وهنا أراد عمر أن يضرب عنقه ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - قال له :-
إنه قد شهد بدرًا ، وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر ،،،
فقال :- اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ؛
فذرفت عينا عمر ،،
وقال :- الله ورسوله أعلم .

وعلم المسلمون حينئذ ، أن دينًا يزن للناس حسناتهم وسيئاتهم لا ينبغى لتابعه أن يهدم فى ساعة ما بناه مع غيره فى سنين ، كما علموا أيضًا ، كيف تكون الأمة ، حصنًا دافئًا يلجأ إليه الشاردون ، لا سيفًا مُصْلتًا ، يفرون منه !

تحرك الجيش ،،،،

أيام رمضان للعام الثامن الهجرى تمر على المسلمين المترقبين فتذكرهم فى صيامهم بيوم بدر ، وتمر عشرة أيام من الشهر الكريم فيأمرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - بالخروج ، وفى لحظات ، كان عشرة آلاف جندى مسلم يزحفون باتجاه مكة ، تحت قيادة محمد - صلى الله عليه وسلم - تلهج ألسنتهم بالذكر ، وتخضع جباههم لله ، وتحوطهم السكينة من كل مكان ، وعند الجحفة ، لقى المسلمون العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرًا بأهله وعياله ، فلحق بهم ثم مضوا فى طريقهم حتى إذا كانوا بالأبواء لقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه أبا سفيان بن الحارث ، وابن عمته عبدالله بن أمية ، فأعرض عنهما لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى ،،،

فقالت له أم سلمة :- لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك .
ونصح على ابن عمه أبا سفيان قائلاً :- ائت رسول الله من قبل وجهه ، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف ،،،
ففعل وقال له :-
( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ، وإن كنا لخاطئين )
فقال - صلى الله عليه وسلم :-
( لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين )
واصطحبهما معه مستئنفًا المسير .

الجيش بمر الظهران ،،،،

شهدت مر الظهران ، ليلة السابع عشر من رمضان سنة ثمان من الهجرة أسعد أوقاته ، وأشدها ضياءً ، ففى هذه الليلة التى توافق مرور ستة أعوام على ليلة بدر نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بها مع عشرة آلاف صحابى جليل ، أوقد كل منهم نارًا هى دون نار شوقه إلى مكة حرارة ، ودون نور وجهه ضياء ، ثم وقف عمر بن الخطاب على حرس الجيش فصار منظرًا مهيبًا مشرقـًا ، لا تنساه مر الظهران حتى قيام الساعة !!



إسلام أبى سفيان ،،،،

أراد الله - عز وجل - بأبى سفيان خيرًا ، فقدّر له أن يخرج من مكة المترقبة ، يتلمس بمر الظهران خبرًا ، وقدّر للعباس بن عبدالمطلب أن يخرج من معسكر المسلمين ؛ يتلمس حوله من ينذر قريشًا ، وسمع العباس صوت أبى سفيان وصاحبيه ، بديل بن ورقاء وحكيم بن حزام فأنصت ،،،
ورأى أبو سفيان معسكر المسلمين فقال :- ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا .
وعرف العباس صوت أبى سفيان فقال :- أبا حنظلة !
فعرفه أبو سفيان وأجاب :- أبا الفضل !
ثم لم تكن إلا كلمات يسيرة بينهما ، حتى ركب أبو سفيان خلف العباس على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى رجعت تجوس فى معسكر المسلمين ، وكان المسلمون كلما نظروا متسائلين عن الدابة وراكبها ،،،،
قالوا :- عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دابته ؛
لكن عمر بن الخطاب - رئيس حراستهم حينئذ - كان أكثر حرصًا فاقترب منهما ، حتى إذا رآهما صاح :- أبو سفيان ، عدو الله ؟ الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
وفى لحظة واحدة كان العباس يركض بدابته قاصدًا خيمة النبى - صلى الله عليه وسلم - ويسابقه عمر بن الخطاب ليلحق به ،،،

وفوجئ النبى - صلى الله عليه وسلم - بعمر والعباس يدخلان عليه ويتصايحان ، عمر يريد ضرب عنق زعيم قريش أبى سفيان والعباس يجيره منه ،،،
وأنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الموقف بقوله :-
اذهب يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتنى به .
فلما كان الصبح ،،،
فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام :-
"ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله "
فقال العباس :- " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
" ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله "
فقال:- " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .
دعاه النبى - صلى الله عليه وسلم - لشهادة " ألا إله إلا الله "
فأجابه ، ثم دعاه لتمامها بأن محمدًا رسول الله ، فتردد ، لكن العباس حثه وحذره ، فأسلم وشهد شهادة الحق بعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام ،،،،
وهنا انطلق العباس فرحًا يسأل النبى - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :- يارسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئًا ،،،

فنظر محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أبى سفيان ، قائد جيش قريش بأحد الذى أعلن تمنيه موت محمد وأبى بكر وعمر ، وزوج هند بنت عتبة التى بقرت بطن حمزة ثم لاكت قطعة من كبده - نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ثم قال :- نعم ! من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الجيش يسير إلى مكة ،،،،

فى صباح اليوم السابع عشر من رمضان للعام الثامن الهجرى تحرك جيش المسلمين قاصدًا مكة ، ووقف أبو سفيان ينظر إلى كتائبهم ، وكلما مرت منه كتيبة ،،،
سأل العباس :- من هذه ؟
فيجيبه :- سليم أو مزينة ، أو سواها من قبائل العرب ،،
فيقول أبو سفيان :- مالى ولسليم ؟ مالى ولمزينة ؟،..... وهكذا،،،
لكن كتيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخضراء مرت به ، فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا العيون من الحديد ،،،
فقال :- سبحان الله يا عباس ! من هؤلاء ؟
فأخبره بخبرهم فقال :- ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة .
نعم إن الرجل قد يميز نفيس الجوهر من زائفه ، لكن الخبير من يميز النفيس من الأنفس .
وبينما أبو سفيان يتأمل كتيبة النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ قطع تأمله صوت سعد بن عبادة مهددًا :-
اليوم يوم الملحمة ! اليوم تستحل المحرمة ، اليوم أذل الله قريشًا .

فلما حاذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان ، أخبره بما قاله سعد ، فقال عثمان ، وعبدالرحمن بن عوف :-
يا رسول الله ، ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة ،،،
فقال النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم :-
بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز الله فيه قريشًا .
ونزع اللواء من سعد ، وأعطاه لابنه قيس ، حتى يطيب خاطره ، أما أبو سفيان الذى لم يعلم أن وقوفه بهذا المكان مع العباس كان عن أمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد امتلأ قلبه تعظيمًا وهيبة من جند المسلمين ، فانطلق إلى قريش يحذرها ، حتى لا تهلك نفسها بحرب محمد -صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك ما أراده النبى .

أبو سفيان يحذر قريشًا ،،،،

إن قريشًا المتلهفة لسماع خبر عن جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - قد فوجئت برأسها وكبيرها أبى سفيان ، يدخل مكة مسرعًا ، وصياحه يسبق فرسه ، صارخًا !!
يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن .

وما كاد الرجل يبدأ كلامه ، حتى كانت زوجه هند قد أخذت بشاربه ، وهى تسبه وتصيح به ،،
فقال أبو سفيان :- ويلكم ! لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن و هنا قال الناس ، وقد نفد صبرهم ،،،
قاتلك الله ، وما تغنى عنا دارك ! فقد وجدوا زعيمهم يفخر بأمان داره ، وهم فى مصيبتهم حيارى ،،،

فأجابهم أبو سفيان :-
ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن .
ووقفت قريش لحظة تستمع إلى صوت عقلها ، قد نطق به لسان أبى سفيان ، ثم إلى صوت عاطفتها ، ينطق به لسان زوجه ، لكنهم قطعوا ترددهم ، واتبعوا عقولهم ، فأسرعوا إلى دورهم ، يغلقون على أنفسهم أبوابها ، وإلى المسجد يلوذون بحماه .

الجيش يدخل مكة ،،،،

ويحك مكة ! مم تخشين ؟!

من جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - أميره وقائده؟ والمهاجرون والأنصار بعض جنده المخلصين ؟
حق لك يا من ناءت دروبك وحرم بيتك بوطء نعال المشركين - أن تفرحى وتبشى ، بسعى النبى والمسلمين بين أجنابك ، وطوافهم حول بيتك العتيق ، أما آن لهذا البيت أن يفك أسره ، وتحل قيوده ؟
هذا البيت الذى مل من رؤية أقـفية المحاصرين ، من أوثان قريش وأصنامها .

مضى محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إلى ذى طوى ، واضعا رأسه تواضعا للحق تبارك وتعالى ، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل ، ليس كملك يفتح بلدة طالما عاندته ، بل كنبى كريم قد استسلم لقدر الله بدخول مكة ، كما استسلم من قبل لقدره بخروجه منها .

وهناك وزع جيشه ، فجعل خالد بن الوليد على الميمنة ، وفيها أسلم ، وسليم ، وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب ، وأمره أن يدخل مكة من أسفلها ،،،
وقال :- إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا ، حتى توافونى على الصفا ، وقد لقى فصيل خالد بعض الكيد من سفهاء المشركين بالخندمة ، لكنه سرعان ما أجهز عليه ،،،،

وجعل - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام على الميسرة ، وأعطاه راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يدخل مكة من أعلاها ، وأن يغرز رايته بالحجون ، ولا يبرح حتى يأتيه ،،،
وجعل - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة على الرجالة والحسر الذين لا سلاح معهم ، وأمره أن يأخذ بطن الوادى ، حتى ينصب لمكة بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى دقائق معدودة ذابت هموم السنين الطوال ،،،

ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة والمهاجرون والأنصار بين يديه ، وخلفه وحوله ، حتى وافى خالدا على الصفا ،،،
ثم تقدم الجمعان ليلتقيا بالزبير بالحجون ، عند مسجد الفتح ، ثم كان مسير آخر الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - إلى أول بيت وضع للناس .

خالد بالخندمة ،،،،

أسرعت قريش إلى دورها وإلى المسجد للاحتماء من جيش المسلمين ، ورأت أن تقدم سفهاءها لمقابلة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ، فإن كان النصر لهم شركوهم ، وإن كانت عليهم تركوهم ، فتجمع بهذا سفهاء قريش ، وأخفاؤها مع عكرمة بن أبى جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين ، وكان ضمن هؤلاء الناس رجل يدعى حماس بن قيس ، وكان مغرورًا لكن به ظرف ، أعد سلاحًا لمقاتلة المسلمين ، فحذرته زوجته من سوء عاقبته ،،،
فأجابها :- والله لأرجو أن أخدمك بعضهم !
ثم أخذ ينشد شعرًا ، وبالخندمة لم يلق سيف الله خالد أحدًا من المشركين إلا أنامه ، ولم يقتل من جيشه سوى كرز بن جابر الفهرى ، وخنيس بن خالد بن ربيعة ؛ إذ شذا عن الجيش ، وسلكا طريقًا غير طريقه ، فقتلا جميعًا ، وأسرع المشركون بالفرار ، وفوجئت زوجة حماس ببعلها يدخل بيته ، مرتجفًا شاحبًا وهو يقول لها :- أغلقى على بابى .
وكعادة النساء فى هذه الأحوال سألته :- وأين ما كنت تقول ؟
فانطلق يقرض شعرًا ، يفسر به خيبته ، ويعتذر عن فوات فطنته .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدخل المسجد

لا ندرى أيهما كان أشد شوقًا لصاحبه ؟ المسجد الحرام أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله تعالى :-
(( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))
واستسلمت مكة ، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء :-
الله أكبر .. الله أكبر .

ولقد انطلق - صلى الله عليه وسلم - ومن حوله خيار المسلمين من المهاجرين والأنصار ، حتى دخل المسجد فاستلم الحجر الأسود ، الذى ظل لسنين طوال شاهدًا حزينًا لما يحدث حوله من جاهلية بغيضة ، ووثنية قبيحة .

وآن له الآن أن يشعر بلمسة يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيادى المسلمين ، تخفف عنه أحزانه ، وتمسح عن صفحته ، أدران الشرك ولوثاته ، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت على راحلته ، وفى يده الشريفة قوس ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا يجثمون على صدره ، ويكتمون نوره ، فكان كلما مر بواحد منها طعنه بقوسه فوقع على وجهه ، وهو يتلو :-
( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )
( جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد )

ولعل الذين كانوا يستمعون لهاتين الآيتين ثم يلتفتون فيجدون الباطل منتفخًا - لعلهم يشعرون الآن بمذاق جديد لهاتين الآيتين الكريمتين ، وأكمل - صلى الله عليه وسلم - طوافه ، فدعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ؛ ليدخلها ويصلى بها صلاة للواحد الأحد كما كان يصنع جداه (( إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - ))

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلى فى الكعبة

ما أجمل أن يستوى الميزان ! رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسلم مفتاح بيت الله !
نعم هكذا يعود الأمر إلى نصابه ، ويدخل - صلى الله عليه وسلم - البيت ، فيغلق عليه بابه ، وتهدأ أصوات الجيش وقريش بالخارج ، وينفرد بالدخول معه - صلى الله عليه وسلم - بلال وأسامة ، عبد وابن عبد ، لكنهما أثقل فى ميزان الله من أشراف المشركين جميعًا ، ويسقط بدخولهما بناءً للكبر طالما جثم على صدر الإنسانية بمكة ، ويقلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناظريه فى أرجاء الكعبة ، فإذا فيها الصور ، وإذا صورة معلقة لإبراهيم وإسماعيل -
عليهما السلام - يستقسمان بالأزلام !
فقال - صلى الله عليه وسلم - :- قاتلهم الله ، والله ما استقسما بها قط .

وإذا بالكعبة حمامة من عيدان فكسرها ، وأمر بالصور فمحيت ؛ لتطوى بذلك صفحة قاتمة من تاريخ الإنسانية ، التى لونت بيدها تراث الأنبياء .
وترفع بصلاته - صلى الله عليه وسلم - أستار كثيفة طالما أرخيت ؛ فيتبدد عن مكة ظلامها بأشعة الإسلام المشرقة الدافئة ، وبعد أن فرغ النبى - صلى الله عليه وسلم - من صلاته دار فى البيت ، وكبر فى نواحيه ، ووحد الله ، ثم فتح الباب ليخاطب قريشًا المنتظرة .

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب أمام قريش

" لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له
صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده "

كان هذا ما سمعته قريش المصطفة داخل المسجد تترقب كلمات القائد المنتصر محمد - صلى الله
عليه وسلم - أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان آخذًا بعضادتى باب الكعبة ، وهم تحته وقد استأنف يقول :-
ألا كل مأثرة ودم ومال يدعى أو دم فهو تحت قدمى هاتين ، إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج ، ألا وقتل الخطأ شبه العمد - السوط والعصا - ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل : أربعون منها فى بطونها أولادها ،،،
يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب ، ثم تلا النبى - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى :-
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير )

وتعجبت قريش من قول محمد - صلى الله عليه وسلم - لقد بدأ كلامه بذكر ربه ، وحمده وإرجاع الفضل كله إليه ، ثم عرج على إيضاح بعض مبادئ الإسلام الذى يدعو إليه ، لكن ماذا سيصنع بهم ؟
وهنا سمعوا النبى - صلى الله عليه وسلم - يسائلهم :-
يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل بكم ؟
فأجابوا بأمل ورجاء : خيرًا ! أخ كريم وابن أخ كريم .
وحين عمدت قريش فى إجابتها تلك إلى تذكيره بنسبه القرشى ،،
فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولاً بنسب له آخر ، نسبه النبوى ،،
فأجابهم :- فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته
( لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء )
هكذا نظر محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمر برمته ، لن يعدو ما فعلوه عما فعله إخوة يوسف به ، لكنهم إخوته ، وليس له وهو نبى الله ، إلا أن يغفر لهم ما فعلوه .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مفتاح البيت إلى أهله ،،،،

إن أول ما يفعله الثائرون حين تصير الأمور إلى أيديهم هو أن يزيلوا كل أثر كان لسالفيهم ، ويهدموا كل بنيان لم تقمه سواعدهم ، مؤكدين فى كل لحظة ، أن الماضى لم يكن إلا شرًا كله ، وأن خيرًا فى هذه الدنيا ، لن يأتى إلا على أيديهم الطاهرة ،،،

أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه ما جاء ليسلب أحدًا ملكه ، ولا ليبدل كل ما حوله ، إنما جاء ليرجع الأمر لله ، ويقيم دينه بين الناس ، بأن ينزع عنهم ما ألفوه من الباطل ، ثم يقيم بناءه على ما ألفوه من الحق ، لقد جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى المسجد ، فوجد عليًا أو العباس قادمًا إليه يحمل مفتاح الكعبة فى يده ،،،

قائلاً :- يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك ؛
ولكنه - صلى الله عليه وسلم - سأل :- أين عثمان بن طلحة ؟ - وهو حامل مفتاح الكعبة من قريش - ؟؟
فأتوه به ، فقال له :- هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء !
إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن زوال الأصنام من حول الكعبة هو هدف رسالته ، أما زوال مفتاح الكعبة من يد عثمان فإنه ليس من رسالته فى شىء .

بلال يؤذن على الكعبة ،،،،

إن كلمات النبى - صلى الله عليه وسلم -:- الناس من آدم وآدم من تراب .
والتى لم يمض على سماع قريش لها سوى قليل ، قد أصبحت واقعًا يتجسد ، حين جاء وقت الصلاة ،،،
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .
فقام بلال على ظهر الكعبة ، يؤذن فى المسلمين ، ولم يدهش حينئذ واحد منهم ، فبلال عبد لله وقف على ظهر بيت الله يؤذن لعبادة الله ، فما الداعى إذن للدهشة أوالسؤال ؟
لكن عتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، وقد كانا جالسين بفناء الكعبة مع أبى سفيان ، لم يعجبهما هذا المنظر ،،،

فانطلق عتاب يقول :- لقد أكرم الله أسيدًا أن لا يكون سمع هذا ،،
وقال الحارث :- أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته .
أما أبو سفيان ، الذى أسلم وتشهد ، فقد قال :- أما والله لا أقول شيئًا ، لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصباء ،،،
وهنا خرج عليهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قال لهم :- قد علمت الذى قلتم . وذكر لهم ،
فبهت الحارث وعتاب ، ونطقا معًا قائلين :- نشهد أنك لرسول الله ، والله ما أطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك .

النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى ببيت أم هانئ

بدلاً من إقامة المهرجانات والاحتفالات ، وتوزيع الملصقات وتشييد أقواس النصر ، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببساطة إلى بيت أم هانئ بنت أبى طالب ، فى وقت الضحى ليغتسل؛
ويصلى صلاة الفتح ، ثمانى ركعات للناصر المنعم الكريم سبحانه وتعالى

وقد أسرع رجلان من بنى مخزوم أقارب زوج أم هانئ إلى بيتها ، للاحتماء من أخيها على إذ أراد قتلهما ، فأغلقت عليهما باب بيتها دونه ، وسألت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن ينقذهما من على ، فقال لها :- قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما .
،،،
إهدار دم المجرمين ،،،،

إن ملايين كثيرة من البشر قد فقدوا أرواحهم فى الحرب العالمية الثانية ، من جراء أفعال نفر من الساسة وأقوال جمع من الإعلاميين ، وإن المرء ليعجب أى عقاب دنيوى يجب أن يوقع على هؤلاء وأولئك .

فتح محمد - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون مكة ، وعفا النبى - صلى الله عليه وسلم - عن جموع قريش ، لكن بعضًا منهم كان يستحق أن يعاقب جزاء فعله وقوله ؛،،
ولذا فقد أهدر صلى الله عليه وسلم - دماء عبد العزى بن خطل ، فذهب يتعلق بأستار الكعبة ، لكنها لم تغن عنه شيئًا ، إذ أمر صلى الله عليه وسلم - رجلاً أن يقتله فقتله ، وأهدر دم مقيس بن صبابة ، الذى أسلم ثم قتل أنصاريًا ، ثم ارتد ولحق بالمشركين - فقتله نميلة بن عبدالله ، وأهدر دم الحارث بن نفيل الذى كان شديد الأذى للنبى صلى الله عليه وسلم - بمكة ، ودم الحارث بن طلاطل الخزاعى فقتلهما على ، وأهدر دم عبدالله بن أبى سرح الذى ارتد بعد إسلامه ، لكن عثمان شفع فيه إلى النبى صلى الله عليه وسلم - فحقن دمه ، وكذلك عكرمة بن أبى جهل ، لكن امرأته استأمنت له ، فأمنه النبى صلى الله عليه وسلم - فأتت به من اليمن ، فأسلم وحسن إسلامه ، وأهدر دم هبار بن الأسود ، الذى تعرض لزينب عند هجرتها وآذاها حتى أسقطت جنينها ، لكنه صلى الله عليه وسلم - عفا عنه فأسلم وحسن إسلامه ، وأهدر - صلى الله عليه وسلم - دم سارة حاملة كتاب حاطب ، ومغنيتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقتلت إحداهما ، وأسلمت الأخرى مع سارة وعفى عنهما ويذكر أيضًا ممن أهدر دمهم ثم عفى عنهم وأسلموا كعب بن زهير ، ووحشى بن حرب ، وهند بنت عتبة زوجة أبى سفيان .



إسلام رؤوس مكة ،،،،

أسرع صفوان بن أمية الخطا فارًا من مكة لدخول المسلمين بها وصفوان وإن لم يكن ممن أهدر دمهم إلا أنه يعلم جيدًا أنه أحد زعماء قريش ، الذين طالت حربهم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وما إن وصل صفوان إلى شاطئ البحر ، وهمّ بركوبه لجوءًا إلى اليمن ، حتى سمع صياح عمير بن وهب الجمحى يناديه ، والتفت صفوان إلى عمير الذى أخبره بأنه استأمن له الرسول -صلى الله عليه وسلم - وقد أعطاه عمامته التى دخل بها مكة ، وهنا عاد صفوان مع عمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رافضًا الهرولة إلى الإسلام ،،،
قائلاً للنبى :- اجعلنى بالخيار شهرين !
فقال له - صلى الله عليه وسلم -:- أنت بالخيار أربعة أشهر !
فأسلم صفوان ، وكانت امرأته أسلمت قبله ،،،
فأقرهما - صلى الله عليه وسلم - على النكاح الأول .

أما فضالة بن عمير فقد عزم على قتل النبى - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالكعبة حتى قرب منه -صلى الله عليه وسلم - ،،
وهنا ابتدره النبى متسائلاً :- أفضالة؟
قال :- نعم ، فضالة يا رسول الله ،،
فقال :- ماذا كنت تحدث به نفسك ؟
فأجابه فضالة :- لا شىء ، كنت أذكر الله !
فضحك النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم استغفر ثم قال: استغفر الله ،،،
ويحكى فضالة عن ذلك قائلا :- ووضع يده الشريفة على صدرى ، حتى مامن خلق الله شىء أحب إلى منه ثم رجع إلى أهله .

خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى اليوم الثانى

قتلت هذيل لخزاعة رجلاً شجاعًا يسمى أحمر ، وكان ذلك فى الجاهلية ، لكن خزاعة بعد الفتح فوجئت بقاتله :- ابن الأثوع الهذلى يدخل مكة متسائلاً عن أمر الناس ، وهو بعد على شركه ، فأحاطوا به قائلين :-
أأنت قاتل أحمر ؟
فقال :- نعم ، أنا قاتل أحمر ، فمه ؟ أى فماذا تريدون ؟!
وهنا أقبل خراش بن أمية الخزاعى شاهرًا سيفه ، ثم أمر الناس أن يتنحوا عنه ، فتنحوا ، وقد ظنوا أنه يريد أن يفرج عن الرجل لكنه فى لحظة واحدة ، وضع السيف فى بطن ابن الأثوع ، فسقط صريعًا ،،،

فقام رسول الله فى الناس خطيبًا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ومجده بما هو أهله ، ثم أعلن حرمة مكة إلى يوم القيامة ، ونهى أن يسفك فيها دم ، أو يعضد بها شجرة ، أو يصطاد بها ، أو تلتقط بها ساقطة ،،،،
ثم خاطب خزاعة قائلاً :- يا معشر خزاعة ، ارفعو يديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ، فمن قتل بعد مقامى هذا فأهله بخير النظرين ، إن شاءوا فدم قاتله ، وإن شاءوا فعقله .

تخوف الأنصار من بقائه - صلى الله عليه وسلم -

إن فرحة الأنصار بفتح مكة قد شابها خوفهم من فقدان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وبينما كان - صلى الله عليه وسلم - واقفًا على الصفا رافعًا يديه يدعو ربه ، إذ تهامس الأنصار فيما بينهم ،،،
قائلين :- أترون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فتح الله عليه أرضه وبلده ، أن يقيم بها ؟
وفرغ النبى - صلى الله عليه وسلم - من دعائه ، فالتفت إليهم متسائلاً :-
ماذا قلتم ؟
فقالوا :- لا شىء يا رسول الله ؛
مخافة أن يكره مقالتهم ، لكنه لم يزل بهم حتى أخبروه ،,,
فقال محمد - صلى الله عليه وسلم -:-
معاذ الله ! المحيا محياكم ، والممات مماتكم .

وما كان له - صلى الله عليه وسلم - وهو البار الوفى ، أن ينسى صنيع الأنصار فيجعلهم منزلاً فى طريقه ، ما إن يتجاوزه حتى يزهده وينشغل عنه .

بيعة الرجال ،،،،

أشرقت شمس الحق بمكة ، فذهبت من الدروب والقلوب خفافيشها ، تبين للناس الحق جليًا ، وخلى بينهم وبينه ، فأسرعوا تهفو قلوبهم إلى نوره ، وجلس المصطفى - صلى الله عليه وسلم -على جبل الصفا ، الذى شهد قديمًا تكذيب قريش حين جاهر بدعوته - جلس اليوم يبايع الناس ، وعمر بن الخطاب أسفل منه ، يأخذ على الناس ، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا .

بيعة النساء ،،،،

لم تدر هند بنت عتبة ما تصنع ؟ فرسول الله صلى الله عليه وسلم - الجالس على جبل الصفا ، وأسفل منه عمر بن الخطاب ، قد فرغ من بيعة الرجال ، وآن للنساء أن يذهبن للمبايعة ، لكن كيف تغدو معهن ، وهى قاتلة حمزة ، ومن مثلت بجثمانه ولاكت كبده بأحد ؟
ترددت هند قليلاً ، ثم تنكرت حتى لا تعرف وذهبت للمبايعة ، وهناك سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول :-
أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئًا ، فبايعنه ،،،
ثم قال :- ولا تسرقن ،
فنسيت هند أمرها وقالت :- إن أبا سفيان رجل شحيح ، فإن أنا أصبت من ماله هنات ؟
فقال أبو سفيان :- وما أصبت فهو لك حلال .
وضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو إن عرفها حين تحدثت ؛ إلا أنه عرف مع ذلك أيضًا صدق حديثها ، حين استوثقت لدينها ، وقال لها :- وإنك لهند ؟
فقالت :- نعم ، فاعف عما سلف يا نبى الله ، عفا الله عنك ،،،
ثم أكمل النبى - صلى الله عليه وسلم - ببيعته للنساء قائلاً :- ولا يزنين ،،،
فقالت :- أو تزنى الحرة ؟
فقال :- ولا يقتلن أولادهن ، وهنا ذكرت هند حنظلة ابنها الذى قتل يوم بدر ، فأجابت :- ربيناهم صغارًا ، وقتلتموهم كبارًا ، فأنتم وهم أعلم ؛
فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال :- ولا يأتين ببهتان ،،،
فقالت :- والله إن البهتان لأمر قبيح ، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ،،،
فقال - صلى الله عليه وسلم -:- ولا يعصينك فى معروف ،،،
فقالت صادقة مصدقة :- والله ، ما جلسنا مجلسنا هذا وفى أنفسنا أن نعصيك .
فرحم الله هند كانت رأس النساء فى الشرك ورأس النساء فى الإسلام .
إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة وعمله فيها

بقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر يومًا بمكة ، يغسل عن وجهها الوضىء مابقى من أدران الجاهلية الحمقاء ، ويجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى ، وأمر أبا أسيد الخزاعى فجدد أنصاب الحرم ، وسار المنادى بمكة صائحًا :-
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع فى بيته صنمًا إلا كسره ، وقد بث - صلى الله عليه وسلم - سراياه للدعوة إلى الإسلام .



** { سرايا رمضان بعد فتح مكة } **

فتح مكة أمر حسن ، والأحسن منه هو تمام هذا الفتح ؛ لهذا بادر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإرسال السرايا لتطهير أرض العرب من بقايا الأوثان ، ولدعوة العرب إلى دين الله الواحد القهار ، فتتالت بعثة خالد لهدم العزى ، وبعثة عمرو بن العاص لهدم سواع ، ثم بعثة سعد بن زيد لهدم مناة ، ثم بعثة خالد لدعوة بنى جذيمة والتى تأخرت إلى شوال من العام نفسه .

بعثة خالد لهدم العزى ،،،،

خرج خالد بن الوليد فى ثلاثين فارسًا ، لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة إلى نخلة لهدم العزى أعظم أصنام قريش وجميع بنى كنانة ، وكان سدنتها بنى شيبان ، فسار إليها حتى هدمها ،،،
لكن النبى - صلى الله عليه وسلم -
سأله حين رجع إليه :- هل رأيت شيئًا ؟
فقال :- لا
فقال له :- فإنك لم تهدمها ، فارجع إليها فاهدمها ، فرجع إليها خالد وقد امتلأ غيظًا فجرد سيفه ، فخرجت إليه امرأة عريانة ، سوداء ناشرة الرأس ، وجعل السادن يصيح بها ، لكن خالدًا جزلها بضربتين ، ثم رجع إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر ،،،
فقال - صلى الله عليه وسلم - له :-
نعم تلك العزى ، وقد أيست أن تعبد فى أرضكم أبدًا .

بعثة عمرو لهدم سواع ،،،،

وصل عمرو بن العاص إلى سواع : صنم لهذيل برهاط ، وهم بتدميره ،،،
لكن سادنه وقف يسأله بثقة قائلاً :- ما تريد ؟
فأجابه عمرو ببساطة :- أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أهدمه ،،،
فقال له بثقة متزايدة :- لا تقدر على ذلك !
فسأله عمرو متعجبًا :- لم؟
فقال :- تمنع .
وازداد عجب عمرو من عقل طائش يتحدث بيقين وسأله :- حتى الآن أنت على الباطل ؟ ويحك !
فهل يسمع أو يبصر ؟! ثم التفت عمرو عنه ودنا ليكسره ، وأمر أصحابه ، فهدموا فى لحظات بيت خزانته ، ولم يجدوا فيه شيئًا ، وقبل أن يرجع عمرو بأصحابه ،،،
عاد فسأل السادن :- كيف رأيت؟ فأجاب بهدوء: أسلمت لله .

بعثة سعد بن زيد لهدم مناة ،،،،

مناة ! وثن العرب الشهير ، لطالما وقفت تنظر بسخرية وازدراء إلى ألوف الراكعين السجد بحضرتها عبر أجيال عديدة ، وآن لمناة أن تخر صريعة بسيوف الحق ورماحه ، خرج سعد بن زيد الأشهلى ، فى عشرين فارسًا ، حتى انتهى إليها عند المشلل ،،،

وخرج إليه سادنها ،يسأله بعصبية مفتعلة :- ما تريد؟
فأجابه سعد :- هدم مناة .
فتظاهر السادن بعدم الاكتراث ، وقال بلهجة مشبعة بالتهديد :- أنت وذاك !!
ولم يلتفت سعد إليه ، إنما تقدم إليها ، ففوجئ بامرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس ، تدعو بالويل ، وتضرب صدرها ، فشجعها السادن بغباء لا ينتهى قائلاً :-
مناة دونك بعض عصاتك .

لكن تلميذ النبى - صلى الله عليه وسلم - سعد بن زيد ، لم يكن لتهزه هذه الصورة أو تلك الكلمات ، فضربها بسيفه ضربة قتلتها ثم أقبل إلى الصنم فهدمه وكسره ، ولم يجد أصحابه فى خزانته شيئًا .

بعثة خالد إلى بنى جذيمة ،،،،

وصل خالد بن الوليد الذى خرج فى ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبنى سليم إلى بنى جذيمة ، داعيًا إلى الإسلام لا مقاتلا فى شوال من العام الثامن للهجرة ، لكن بنى جذيمة لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ،،،
فجعلوا يقولون :- صبأنا ، صبأنا .

فأعمل خالد فيهم القتل والأسر ، ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيرًا ليقتله ، فأما بنو سليم فقد أطاعته ، وأما عبدالله بن عمر ومن معه من المهاجرين والأنصار فقد أبوا ، حتى قدموا على النبى - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ما حدث ، فاشتد ذلك عليه حتى رفع يديه وقال :-
اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد . مرتين ،،،

ثم أسرع - صلى الله عليه وسلم - بإرسال على بن أبى طالب ، لهم قتلاهم وما ذهب منهم ، إن حديثى العهد بالإسلام ، قد يحسبونه ثورة وقتالاً حتى النصر ، أما راسخو القدم فيه فيعلمون أنه دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ثم هو قتال لمن بغى واعتدى وتكبر .

الفتح ودخول الناس أفواجًا ،،،،

أبت بعض القلوب المظلمة أن تفتح أبوابها لنور الحق ، الذى سطع فى مكة ، وغرها شيطانها ؛ فوحدت صفوفها ؛ لمقاتلة نبى عز عليها أن ترى انتصاره ، وعلو دعوته
فخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - لمقاتلتهم فى غزوة حنين ، وكما يقولون :-
فعلى نفسها جنت براقش
ومحارب الله ورسوله ، ترى إن لم يرجع بالخيبة ، ويبؤ بالخزى والفشل ، فبم يرجع ، وبم يبوء ؟!
وعاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الغزوة إلى المدينة منتصرًا ؛ ليرسل جامعى الصدقات لمن أسلم من القبائل ، و السرايا لمن اعتدى منهم .
لكن " أسد الرومان " لم يعجبه استتباب الأمر فى الجزيرة للنبى الجديد ودعوته ، وهو يعلم خطره ، ونهشة مؤتة لا زالت توجعه ، وتنبهه ؛ ليترك عرينه ، وينقض على غريمه الذى عظم شأنه فى الجوار .

أما النبى العظيم - صلى الله عليه وسلم - فهو أشد حرصًا على دعوته من أن يؤتى على غرة ؛ لذا فقد بادر بالسعى إليه فى بلده فى غزوة تبوك الشهيرة ، والتى ابتليت فيها العزائم ، وامتحنت فيها النفوس .
ولم تنته السنة التاسعة للهجرة إلا عن بعض الوقائع المهمة ، والتى كان آخرها إرسال أبى بكر أميرًا على الحج ،، ولا شك أن الدعوة بعد فتح مكة قد استقرت أركانها ، ورسخت أقدامها ؛ ولذا فقد تقاطرت الوفود على النبى - صلى الله عليه وسلم - تدخل فى دين الله أفواجًا ،،،
وبقدوم " ذى الحجة " من العام العاشر للهجرة ، خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - حاجًا حجة الوداع ، ثم عاد إلى المدينة ليرسل آخرالبعوث :- بعثة أسامة بن زيد إلى أرض الروم ، وهى البعثة التى أجل خروجها حتى وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصعود روحه إلى بارئها - عز وجل - ، مخلفًا وراءه دولة وأمة ، نموذجًا ونبراسًا لمن خلفه ، وأمانة وتبعة فى عنق أتباعه ، والسائرين على دربه إلى يوم الدين .

اللهم صلِّ وسلم على النبى محمد ما بقيت سماء وأرض ، حتى تجمعنا معه وتدخلنا مدخله يوم العرض .. آمين .




رد مع اقتباس