عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2012, 09:06 PM   المشاركة رقم: 17
الكاتب
wolf101
عضو فعال
الصورة الرمزية wolf101

البيانات
تاريخ التسجيل: Dec 2011
رقم العضوية: 7508
الدولة: Alex
المشاركات: 570
بمعدل : 0.13 يوميا

الإتصالات
الحالة:
wolf101 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : wolf101 المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: قصة حياة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** { حـجـة الـوداع } **

ماذا بقى من رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تمت للإسلام أركانه ، وشيد بناؤه ، وأقيمت حدوده ؟
ماذا بقى بعد أن أصبح للإسلام أمة تجسد بسلوكها مبادئه وتفترش جزيرة العرب بأسرها ؟
ماذا بقى سوى أن يلتقى النبى بأتباعه فيأخذ منهم الشهادة على أنه بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ثم يودعهم بنظرة أخيرة ؟
ثم أين يكون مكان اللقاء إن لم يكن بمكة بلد الله الحرام ؟
وأى مناسبة إذًا أفضل من حج بيت الله حيث اجتماع المسلمين وإقامة الشعيرة التى هفا لها فؤاد المصطفى - صلى الله عليه وسلم ؟
إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الذى ودع معاذًا حين أرسله إلى اليمن قائلاً :-
يا معاذ ، إنك عسى ألا تلقانى بعد عامى هذا
ولعلك أن تمر بمسجدى هذا وقبرى

إن محمدًا خاتم النبيين والمرسلين قد شعر أن رسالته شارفت على نهايتها ، وأن خاتمتها صارت قريبة ؛ فأعلن للناس بحجة ، وتهيأ لها ، ثم ارتحل قاصدًا مكة ، وبعد أن أقام جزءًا من شعيرته توجه إلى منى ، وفوق جبل النور كانت خطبته الخالدة التى حفظتها الصدور ، ووعتها العقول ،,,
وانطلق - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إلى المزدلفة، ثم عاد إلى مكة ؛ ليتم حجه ، ويرجع إلى مدينته المنورة فى ختام رحلته الأخيرة - صلى الله عليه وسلم - .

الإعلان والتهيؤ للحج ،,،،

ما إن أعلن النبى - صلى الله عليه وسلم - عزمه على الحج ، حتى شهدت المدينة تقاطر أفواج من البشر ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى يوم السبت لأربع بقين من ذى القعدة ، تهيأ - صلى الله عليه وسلم - للرحيل فترجل وأدهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وقلد بدنه ، وانطلق بعد الظهر ، سائرًا إلى مكة .

المسير لمكة ،,،،

شهدت ذو الحليفة وصول موكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصلى العصر ، وقد صلاها بها ركعتين ، ثم بات هناك حتى أصبح ،,, حيث قال لأصحابه :-
أتانى الليلة آت من ربى فقال :-
صل فى هذا الوادى المبارك وقل :- عمرة فى حجة ،،,

وقبل أن يصلى - صلى الله عليه وسلم - الظهر اغتسل لإحرامه ، وطيبته السيدة عائشة ، ثم لبس إزاره ورداءه ، وصلى الظهر ، وأهل فى مصلاه بالحج والعمرة وقرن بينهما .
ثم خرج فركب القصواء ، وواصل سيره حتى قرب من مكة ، فبات بذى الطوى ، ودخل مكة بعد أن صلى الفجر واغتسل من صباح الأحد لأربع ليال خلون من ذى الحجة سنة عشر من الهجرة ، ثم دخل المسجد الحرام ، وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، ونزل بأعلى مكة عند الحجون حيث أقام هناك .

التوجه لمنى ،,،،

توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى يوم التروية ، يوم الثامن من ذى الحجة إلى منى ، حيث صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادى ليخطب فى الناس .

خطبة الحج ،,،،

يا له من مشهد مهيب !

نبى الله الخاتم ، يقف خطيبًا فى الناس ، وآذان مائة ألف وأربعة وعشرين أوأربعة وأربعين ألفًا من المسلمين ترهف سمعها لكلماته ، وعيونهم معلقة به أو متجهة نحوه ، وإنه لمشهد عجيب لحجيج العرب ، الذين ألفوا التصفيق والضجيج فى عبادتهم لا يسمع بينهم إلا صوت النبى - صلى الله عليه وسلم - أو صوت المبلغ عنه ربيعة - ربيعة بن أمية بن خلف - الذى كان أبوه يعذب بلالا ،,,
وتتالت كلمات محمد - صلى الله عليه وسلم - تخرج من فمه الشريف فتطهر القلوب وتغسل عنها أدرانها ، وتجلو الأبصار وتنير لها طريقها :-

أيها الناس ، اسمعوا قولى ، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبدًا ، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، فى شهركم هذا ، فى بلدكم هذا ، ألا كل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ،,
أيها الناس ، إنه لا نبى بعدى ، ولا أمة بعدكم ، ألا فاعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، طيبة بها أنفسكم ، وتحجون بيت ربكم ، وأطيعوا أولات أمركم ، تدخلوا جنة ربكم ،,,
وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون ؟
فارتجت جنبات الوادى بقول المسلمين :- نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ،,,
فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبابته إلى السماء قائلاً :- اللهم فاشهد ، يرددها ثلاث مرات .
ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نزل عليه قوله تعالى :-
( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتى ، ورضيت لكم الإسلام دينًا ) .

وهكذا تمت الرسالة التى أداها محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين كاملة تامة ، وآن للأمة بأسرها ، ولكل مسلم بها أن يحملها كاملة غير منقوصة ،،،،
وانهمرت الدموع من عينى عمر بن الخطاب فقيل له :- ما يبكيك ؟
فأجاب :-
إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان ! فرحم الله عمر ، ما أثقب فهمه ، وأبعد نظره !

الذهاب إلى المزدلفة ،,،،

ما إن فرغت الخطبة ، حتى علا صوت بلال يملأ الآفاق بكلمات الآذان ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر معًا ، ثم ركب حتى أتى الموقف ، فاستقبل القبلة ، ووقف حتى غربت الشمس ، ثم أردف خلفه أسامة ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول :- (
أيها الناس عليكم السكينة ) ، وسار حتى أتى المزدلفة ، فصلى المغرب والعشاء بها ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلاه ، ثم ركب القصواء إلـى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، وأخذ فى الدعاء والتضرع ، والتكبير والتهليل والذكر ،,,

ثم تحرك من المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس حتى أتى الجمرة الكبرى ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر بيده ، ثم أعطى عليًا فنحر سبعًا وثلاثين ، تمام المائة ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت فى قدر ، فطبخت ، وأكلا من لحمها وشربا من مرقها .

العودة لمكة ،,،،

ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت ، وصلى الظهر بمكة ثم أتى على بنى عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال :- انزعوا بنى عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوًا فشرب منه .

وخطب - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ، عاشر ذى الحجة عند الضحى ، وهو على بغلة شهباء ، فنهاهم عن التلاعب بالشهور والأيام ، وأقرهم على ما صارت إليه أسماؤها ، وقال لهم :-

إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، فى بلدكم هذا ، فى شهركم هذا ، وقال :- ألا لا يجنى جان على نفسه ، ألا لا يجنى جان على ولده ، ولا مولود على والده ، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى بلدكم هذا أبدًا ، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به .
وسألهم :- ألا هل بلغت ؟
قالوا :- نعم .
قال :- اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع .

ثم أقام أيام التشريق بمنى يؤدى المناسك ، ويعلم الشعائر ، ويذكر الله ، وفى يوم النفر الثانى ، الثالث عشر من ذى الحجة نفر - صلى الله عليه وسلم - من منى ، فنزل بالأبطح ، وأقام هناك يومًا وليلة ، وصلى من الظهر إلى العشاء ، ثم رقد رقدة ، ركب بعدها إلى البيت فطاف به طواف الوداع والحق أن المرء ليتساءل :- ترى ما هذه الصور التى كانت تتراءى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالبيت ، بعد أن انتهت إليه إشارات تخبره بنهاية حياته ؟
أى معان تلك وأى ذكريات كانت تتزاحم فى عقله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينظر إلى الكعبة وساحتها ؟

ثم وهو يمر بدروب مكة التى شهدت طفولته وصباه كما شهدت فتوته وشبابه ، وزواجه من خديجة وتكليفه بالرسالة ، وما لاقاه فى هذه الدروب من صنوف الجهد والعناء ، لكن دور مكة التى كانت تحاك فيها المؤامرات والدسائس ، قد صارت الآن ترتج من دوى الذكر والتسبيح ، كما أن دروبها الطويلة قد عجت بالمهللين المكبرين .


الرجوع للمدينة ،,،،

انتهت شعائر الحج ، وآن لمحمد - صلى الله عليه وسلم - المجهد أن يعود مع صحابته إلى حضن الدعوة الدفىء : المدينة !
تلك البلدة المخلصة ، الطيب أهلها ، البلدة التى تشتاق كل نخلة بها ، بل وكل حصاة بأرضها ، إلى لقيا الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - عاد محمد إلى مدينته ، عودة لا ارتحال بعدها ، لوصال لا انفصام بعده !

آخر البعوث ،,،،

عاد خاتم أولى العزم من الرسل إلى المدينة ؛ ليواجه مشكلة جديدة ، فالروم وكنيستها لا يعجبها دخول العرب المتاخمين لحدودها فى دين الله الحنيف ، وقد قرروا قتل كل عربى يدخل فى الإسلام ، وما كان للنبى - صلى الله عليه وسلم - أن يدع الناس تظن أن الإسلام يجر عليهم الحتوف ، وأن الحق صار لا قوة له ،,,

فأخذ - صلى الله عليه وسلم - يجهز جيشًا كبيرًا فى صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة وأمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدارون من أرض فلسطين لإرهاب الروم ، وإعادة الثقة إلى العرب الضاربين على الحدود ، ولكن أزمة عارضة بدأ النبى - صلى الله عليه وسلم - يسمع خطوات مقدمها ، ولم تكن هذه المرة من خارج الحدود بل من داخل المدينة ، فقد ظهرت فى الأفق بوادر معارضة من المسلمين لإمارة أسامة ، واحتوى النبى - صلى الله عليه وسلم - هذه الأزمة فانتظم الجيش ، ونزل بالجرف على فرسخ من المدينة ، إلا أن أخبار مرض النبى - صلى الله عليه وسلم - قد جعلتهم يتمهلون فى الخروج ، فمكثوا حتى وفاته - صلى الله عليه وسلم - وكان خروجه فى أول خلافة أبى بكر الصديق .

معارضة المسلمين لإمارة أسامة ،,،،

دهش بعض المسلمين حين وجدوا أن الجيش الذى تضم صفوفه كبار المهاجرين والأنصار ، قد تأمّر عليه أسامة بن زيد ، الذى يصغر فى السن ، عن كثير من أبنائهم ، ووصلت همهماتهم إلى أذن النبى ، فأعادت إلى ذهنه ذكريات اعتراضهم على حبِّه زيد بن حارثة والد أسامة ، فخرج إليهم - صلى الله عليه وسلم - قائلاً :-
إن تطعنوا فى إمارته ، فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة .

وهنا تلاشت همسات القوم ، وانصاعوا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتظموا فى جيش أسامة .
وإن الناظر لهذا الجيش وأميره ، لتحوطه معان شتى تجسد إهمال الإسلام للون والنسب فى المفاضلة بين الأفراد ، كما تجسد طاعة المسلمين لأوامر النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - وتظهر قوة المسلمين أمام عدوهم ، فلئن قتل زيد فإن ابنه قادم على جيش أكبر عددًا ، وكأن المسلمين بهذا أمواج بحر لا تنتهى ، كلما فنيت واحدة ، تلتها أخريات ، ثم هذه الاستهانة البالغة ، التى لن تخطئها أفهام الروم ، حين يرون المسلمين قد رموهم بجيش قائده فتى لم يتم العقد الثانى من عمره بعد ، وغير ذلك كله يبقى أسامة الفتى الحدث رمزًا لدين قادم ، يجدد بفتوته شباب البشرية بأسرها
!



عرض البوم صور wolf101  
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 04-08-2012, 09:06 PM
wolf101 wolf101 غير متواجد حالياً
عضو فعال
افتراضي رد: قصة حياة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** { حـجـة الـوداع } **

ماذا بقى من رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تمت للإسلام أركانه ، وشيد بناؤه ، وأقيمت حدوده ؟
ماذا بقى بعد أن أصبح للإسلام أمة تجسد بسلوكها مبادئه وتفترش جزيرة العرب بأسرها ؟
ماذا بقى سوى أن يلتقى النبى بأتباعه فيأخذ منهم الشهادة على أنه بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ثم يودعهم بنظرة أخيرة ؟
ثم أين يكون مكان اللقاء إن لم يكن بمكة بلد الله الحرام ؟
وأى مناسبة إذًا أفضل من حج بيت الله حيث اجتماع المسلمين وإقامة الشعيرة التى هفا لها فؤاد المصطفى - صلى الله عليه وسلم ؟
إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الذى ودع معاذًا حين أرسله إلى اليمن قائلاً :-
يا معاذ ، إنك عسى ألا تلقانى بعد عامى هذا
ولعلك أن تمر بمسجدى هذا وقبرى

إن محمدًا خاتم النبيين والمرسلين قد شعر أن رسالته شارفت على نهايتها ، وأن خاتمتها صارت قريبة ؛ فأعلن للناس بحجة ، وتهيأ لها ، ثم ارتحل قاصدًا مكة ، وبعد أن أقام جزءًا من شعيرته توجه إلى منى ، وفوق جبل النور كانت خطبته الخالدة التى حفظتها الصدور ، ووعتها العقول ،,,
وانطلق - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إلى المزدلفة، ثم عاد إلى مكة ؛ ليتم حجه ، ويرجع إلى مدينته المنورة فى ختام رحلته الأخيرة - صلى الله عليه وسلم - .

الإعلان والتهيؤ للحج ،,،،

ما إن أعلن النبى - صلى الله عليه وسلم - عزمه على الحج ، حتى شهدت المدينة تقاطر أفواج من البشر ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى يوم السبت لأربع بقين من ذى القعدة ، تهيأ - صلى الله عليه وسلم - للرحيل فترجل وأدهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وقلد بدنه ، وانطلق بعد الظهر ، سائرًا إلى مكة .

المسير لمكة ،,،،

شهدت ذو الحليفة وصول موكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصلى العصر ، وقد صلاها بها ركعتين ، ثم بات هناك حتى أصبح ،,, حيث قال لأصحابه :-
أتانى الليلة آت من ربى فقال :-
صل فى هذا الوادى المبارك وقل :- عمرة فى حجة ،،,

وقبل أن يصلى - صلى الله عليه وسلم - الظهر اغتسل لإحرامه ، وطيبته السيدة عائشة ، ثم لبس إزاره ورداءه ، وصلى الظهر ، وأهل فى مصلاه بالحج والعمرة وقرن بينهما .
ثم خرج فركب القصواء ، وواصل سيره حتى قرب من مكة ، فبات بذى الطوى ، ودخل مكة بعد أن صلى الفجر واغتسل من صباح الأحد لأربع ليال خلون من ذى الحجة سنة عشر من الهجرة ، ثم دخل المسجد الحرام ، وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، ونزل بأعلى مكة عند الحجون حيث أقام هناك .

التوجه لمنى ،,،،

توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى يوم التروية ، يوم الثامن من ذى الحجة إلى منى ، حيث صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادى ليخطب فى الناس .

خطبة الحج ،,،،

يا له من مشهد مهيب !

نبى الله الخاتم ، يقف خطيبًا فى الناس ، وآذان مائة ألف وأربعة وعشرين أوأربعة وأربعين ألفًا من المسلمين ترهف سمعها لكلماته ، وعيونهم معلقة به أو متجهة نحوه ، وإنه لمشهد عجيب لحجيج العرب ، الذين ألفوا التصفيق والضجيج فى عبادتهم لا يسمع بينهم إلا صوت النبى - صلى الله عليه وسلم - أو صوت المبلغ عنه ربيعة - ربيعة بن أمية بن خلف - الذى كان أبوه يعذب بلالا ،,,
وتتالت كلمات محمد - صلى الله عليه وسلم - تخرج من فمه الشريف فتطهر القلوب وتغسل عنها أدرانها ، وتجلو الأبصار وتنير لها طريقها :-

أيها الناس ، اسمعوا قولى ، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبدًا ، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، فى شهركم هذا ، فى بلدكم هذا ، ألا كل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ،,
أيها الناس ، إنه لا نبى بعدى ، ولا أمة بعدكم ، ألا فاعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، طيبة بها أنفسكم ، وتحجون بيت ربكم ، وأطيعوا أولات أمركم ، تدخلوا جنة ربكم ،,,
وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون ؟
فارتجت جنبات الوادى بقول المسلمين :- نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ،,,
فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبابته إلى السماء قائلاً :- اللهم فاشهد ، يرددها ثلاث مرات .
ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نزل عليه قوله تعالى :-
( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتى ، ورضيت لكم الإسلام دينًا ) .

وهكذا تمت الرسالة التى أداها محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين كاملة تامة ، وآن للأمة بأسرها ، ولكل مسلم بها أن يحملها كاملة غير منقوصة ،،،،
وانهمرت الدموع من عينى عمر بن الخطاب فقيل له :- ما يبكيك ؟
فأجاب :-
إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان ! فرحم الله عمر ، ما أثقب فهمه ، وأبعد نظره !

الذهاب إلى المزدلفة ،,،،

ما إن فرغت الخطبة ، حتى علا صوت بلال يملأ الآفاق بكلمات الآذان ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر معًا ، ثم ركب حتى أتى الموقف ، فاستقبل القبلة ، ووقف حتى غربت الشمس ، ثم أردف خلفه أسامة ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول :- (
أيها الناس عليكم السكينة ) ، وسار حتى أتى المزدلفة ، فصلى المغرب والعشاء بها ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلاه ، ثم ركب القصواء إلـى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، وأخذ فى الدعاء والتضرع ، والتكبير والتهليل والذكر ،,,

ثم تحرك من المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس حتى أتى الجمرة الكبرى ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر بيده ، ثم أعطى عليًا فنحر سبعًا وثلاثين ، تمام المائة ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت فى قدر ، فطبخت ، وأكلا من لحمها وشربا من مرقها .

العودة لمكة ،,،،

ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت ، وصلى الظهر بمكة ثم أتى على بنى عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال :- انزعوا بنى عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوًا فشرب منه .

وخطب - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ، عاشر ذى الحجة عند الضحى ، وهو على بغلة شهباء ، فنهاهم عن التلاعب بالشهور والأيام ، وأقرهم على ما صارت إليه أسماؤها ، وقال لهم :-

إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، فى بلدكم هذا ، فى شهركم هذا ، وقال :- ألا لا يجنى جان على نفسه ، ألا لا يجنى جان على ولده ، ولا مولود على والده ، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى بلدكم هذا أبدًا ، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به .
وسألهم :- ألا هل بلغت ؟
قالوا :- نعم .
قال :- اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع .

ثم أقام أيام التشريق بمنى يؤدى المناسك ، ويعلم الشعائر ، ويذكر الله ، وفى يوم النفر الثانى ، الثالث عشر من ذى الحجة نفر - صلى الله عليه وسلم - من منى ، فنزل بالأبطح ، وأقام هناك يومًا وليلة ، وصلى من الظهر إلى العشاء ، ثم رقد رقدة ، ركب بعدها إلى البيت فطاف به طواف الوداع والحق أن المرء ليتساءل :- ترى ما هذه الصور التى كانت تتراءى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالبيت ، بعد أن انتهت إليه إشارات تخبره بنهاية حياته ؟
أى معان تلك وأى ذكريات كانت تتزاحم فى عقله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينظر إلى الكعبة وساحتها ؟

ثم وهو يمر بدروب مكة التى شهدت طفولته وصباه كما شهدت فتوته وشبابه ، وزواجه من خديجة وتكليفه بالرسالة ، وما لاقاه فى هذه الدروب من صنوف الجهد والعناء ، لكن دور مكة التى كانت تحاك فيها المؤامرات والدسائس ، قد صارت الآن ترتج من دوى الذكر والتسبيح ، كما أن دروبها الطويلة قد عجت بالمهللين المكبرين .


الرجوع للمدينة ،,،،

انتهت شعائر الحج ، وآن لمحمد - صلى الله عليه وسلم - المجهد أن يعود مع صحابته إلى حضن الدعوة الدفىء : المدينة !
تلك البلدة المخلصة ، الطيب أهلها ، البلدة التى تشتاق كل نخلة بها ، بل وكل حصاة بأرضها ، إلى لقيا الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - عاد محمد إلى مدينته ، عودة لا ارتحال بعدها ، لوصال لا انفصام بعده !

آخر البعوث ،,،،

عاد خاتم أولى العزم من الرسل إلى المدينة ؛ ليواجه مشكلة جديدة ، فالروم وكنيستها لا يعجبها دخول العرب المتاخمين لحدودها فى دين الله الحنيف ، وقد قرروا قتل كل عربى يدخل فى الإسلام ، وما كان للنبى - صلى الله عليه وسلم - أن يدع الناس تظن أن الإسلام يجر عليهم الحتوف ، وأن الحق صار لا قوة له ،,,

فأخذ - صلى الله عليه وسلم - يجهز جيشًا كبيرًا فى صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة وأمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدارون من أرض فلسطين لإرهاب الروم ، وإعادة الثقة إلى العرب الضاربين على الحدود ، ولكن أزمة عارضة بدأ النبى - صلى الله عليه وسلم - يسمع خطوات مقدمها ، ولم تكن هذه المرة من خارج الحدود بل من داخل المدينة ، فقد ظهرت فى الأفق بوادر معارضة من المسلمين لإمارة أسامة ، واحتوى النبى - صلى الله عليه وسلم - هذه الأزمة فانتظم الجيش ، ونزل بالجرف على فرسخ من المدينة ، إلا أن أخبار مرض النبى - صلى الله عليه وسلم - قد جعلتهم يتمهلون فى الخروج ، فمكثوا حتى وفاته - صلى الله عليه وسلم - وكان خروجه فى أول خلافة أبى بكر الصديق .

معارضة المسلمين لإمارة أسامة ،,،،

دهش بعض المسلمين حين وجدوا أن الجيش الذى تضم صفوفه كبار المهاجرين والأنصار ، قد تأمّر عليه أسامة بن زيد ، الذى يصغر فى السن ، عن كثير من أبنائهم ، ووصلت همهماتهم إلى أذن النبى ، فأعادت إلى ذهنه ذكريات اعتراضهم على حبِّه زيد بن حارثة والد أسامة ، فخرج إليهم - صلى الله عليه وسلم - قائلاً :-
إن تطعنوا فى إمارته ، فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة .

وهنا تلاشت همسات القوم ، وانصاعوا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتظموا فى جيش أسامة .
وإن الناظر لهذا الجيش وأميره ، لتحوطه معان شتى تجسد إهمال الإسلام للون والنسب فى المفاضلة بين الأفراد ، كما تجسد طاعة المسلمين لأوامر النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - وتظهر قوة المسلمين أمام عدوهم ، فلئن قتل زيد فإن ابنه قادم على جيش أكبر عددًا ، وكأن المسلمين بهذا أمواج بحر لا تنتهى ، كلما فنيت واحدة ، تلتها أخريات ، ثم هذه الاستهانة البالغة ، التى لن تخطئها أفهام الروم ، حين يرون المسلمين قد رموهم بجيش قائده فتى لم يتم العقد الثانى من عمره بعد ، وغير ذلك كله يبقى أسامة الفتى الحدث رمزًا لدين قادم ، يجدد بفتوته شباب البشرية بأسرها
!




رد مع اقتباس