عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2012, 08:42 PM   المشاركة رقم: 6
الكاتب
wolf101
عضو فعال
الصورة الرمزية wolf101

البيانات
تاريخ التسجيل: Dec 2011
رقم العضوية: 7508
الدولة: Alex
المشاركات: 570
بمعدل : 0.13 يوميا

الإتصالات
الحالة:
wolf101 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : wolf101 المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: قصة حياة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم


** { غــزوة أحــد } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لم يكد يمر على يوم بدر سوى عام حتى كانت قريش التى احترقت كمدًا على هزيمتها وقد أخذت أهبتها واستعدت لقتال محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ،،
فأعدت جيشًا عرمرمًا أخذ طريقه متجهًا إلى أحد ، وما كاد الجيش يخطو أولى خطواته خارج مكة حتى كان خبره قد انكشف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ،،
واستعد المسلمون لهذا الطارئ الخطير ، وشاورهم النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أمرهم ، ثم بدأ تنظيم جيش لهم يدرأ عنهم خطر جيش قريش ، والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جيشه فوجد به جمعًا من صغار السن صحبوا الجيش لفرط حماسهم فردهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ،،

والعجيب أن هذه الصورة المشرقة قد تليت بضدها تمامًا ، فقد تمرد المنافقون ، وعاد زعيمهم ابن أبى بثلث الجيش إلى المدينة ، وواصل الجيش مسيره حتى بلغ أحدًا ، وأعد النبى - صلى الله عليه وسلم - خطة الدفاع ،،،

ثم قام بالتعبئة المعنوية لجنوده ، وعلى الجانب الآخر كان المشركون يعبئون جيشهم ، ثم أخذوا ينسجون مؤامرات لإحداث الفرقة فى جيش المسلمين ، إلا أن خيوطها كانت أهون من خيوط العنكبوت ، وقامت نسوة قريش بجهدهن استعدادًا للمعركة ، وتقارب الجمعان ، ثم بدأت أحداث المعركة التى بدأت لصالح المؤمنين ، ثم انقلبت ضدهم ، أما نهاية المعركة فقد كانت ولا شك ملحمة وحدها أثبتت نفاسة معدن أولئك الرجال الذين عادوا مهزومين من أحد .

استعداد قريش للمعركة ،،،،

تظاهرت قريش بطىّ صفحة بدر وشمرت عن ساعديها ولمع فى سمائها أربعة زعماء :-
(( عكرمة بن أبى جهل ، وصفوان بن أمية ، وأبو سفيان بن حرب ، وعبدالله بن أبى ربيعة ))
أخذوا على عاتقهم الاستعداد لخوض معركة ثأرية مع محمد - صلى الله عليه وسلم - وجيشه المسلم وكان أول ما صنعوه أنهم صادروا قافلة أبى سفيان التى كانت سببًا فى غزوة بدر لصالح المعركة المقبلة فوافقتهم على ذلك قريش فباعوها وكانت ألف بعير وخمسين ألف درهم ثم إنهم أذكوا نار الحرب بحملة إعلامية مستعرة قادها أبو عزة شاعر قريش الذى أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراحه يوم بدر دون فداء ،،
على ألا يقوم ضده وقد شاركه شاعر آخر فى تحريض القبائل ضد المسلمين وهو مسافع بن عبد مناف الجمحى ولا شك أن لطمتى غزوة السويق وسرية زيد بن حارثة كانتا دافعًا لقريش حتى لا تهدأ ثائرتها .

قوام جيش قريش وقياداته ،،،،

ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش قد امتطوا ثلاثة آلاف بعير واصطحبوا مائتى فرس وارتدوا سبعمائة درع ذلكم كان جيش المشركين الذى آلت قيادته العامة إلى أبى سفيان بن حرب وقيادة فرسانه إلى خالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبى جهل أما اللواء فكان إلى بنى عبدالدار وزيادة فى استيفاء أسباب الحماس صحب الجيش خمس عشرة امرأة كانت لهن جهودهن البارزة فى إذكاء نار الحرب والقتال .

انكشاف حركة العدو ،،،،

ثلاثة أيام - فحسب - هى المدة التى قضاها رسول العباس بن عبدالمطلب فى رحلة طولها خمسمائة كيلو متر بين مكة والمدينة وما كاد يلمح محمدًا - صلى الله عليه و سلم - فى مسجد قباء حتى سلمه رسالة عمه وقرأ أبى بن كعب الرسالة على النبى - صلى الله عليه وسلم - فإذا بها خبر قريش وجيشها فأمره الرسول - صلى الله عليه و سلم - بالكتمان وأسرع عائدًا إلى المدينة ليتبادل الرأى مع قادة المهاجرين والأنصار .

استعداد المسلمين للطوارئ ،،،،

حركة الناس فى المدينة تعكس الوضع الخطير حولها فالمسلمون لا يفارقون سلاحهم ليلاً أو نهارًا بل هم لا يصلون إلا به احتياطًا من عدوهم وحراستهم تشكلت على هيئة دوائر ثلاث:-
(( دائرة من الأنصار فيهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير يحيطون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيته فى كل وقت وآن + دائرة أخرى على مداخل المدينة وأطرافها تحرسها خوفًا من غارة قريش + دائرة أوسع تتجول حول الطرق المؤدية إلى المدينة استطلاعًا لحركات العدو ))
وهكذا استعد المسلمون لأى مباغتة قرشية إلى حين إعداد جيشهم وتأهبهم للقتال .

وصول الجيش المكى إلى أحد ،،،،

الأيام تمر بسرعة وجيش مكة يزحف كالحية المسرعة فوق الرمال وهو يسعى حثيثًا سالكًا وادى العقيق ثم منحرفًا إلى اليمين حتى نزل قريبًا من جبل أحد فى مكان يقال له " عينين " حيث عسكرت قواته فى السادس من شوال سنة ثلاث من الهجرة .

الرسول يشاور المسلمين ،،،،

ما إن تجمع كبار الصحابة مسرعين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتشاوروا فيما هم فاعلوه تجاه قدوم جيش قريش المدجج حتى بادرهم رسول الله بقوله:-
إنى قد رأيت والله خيرًا رأيت بقرًا يذبح ورأيت فى ذباب سيفى ثلمًا ورأيت أنى أدخلت يدى فى درع حصينة ،،،
وتأول البقر بنفر من الصحابة يقتلون وتأول الثلمة فى سيفه برجل يصاب من أهل بيته وتأول الدرع بالمدينة ،،

ونصحهم بالتحصن فى المدينة فإن أقام المشركون بمعسكرهم أجهدهم البقاء وإن غامروا بدخول المدينة قاتلهم المسلمون فى الطرقات والنساء من فوق البيوت إلا أن جمعًا من فضلاء الصحابة وبعضهم ممن فاته الخروج يوم بدر استبد بهم الحماس والرغبة فى الجهاد وطلب الشهادة فأصروا على الخروج إلى قريش وجيشها قائلين :-
كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله فقد ساقه إلينا وقرب المسير اخرج إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وكان فى مقدمة هؤلاء المتحمسين سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب فتراجع الرسول -صلى الله عليه و سلم - عن رأيه أمام رأى الأغلبية وإصرارها واستقر الرأى على الخروج من المدينة ولقاء الأعداء خارجها .

تنظيم جيش المسلمين ،،،،

جلس الناس ينتظرون خروج رسول الله من داره بعد أن صلى بهم الجمعة والعصر ثم دخل بيته مع رفيقيه أبى بكر وعمر وتحدث سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير إليهم قائلين بصيغة المعاتبة:-
استكرهتم رسول الله على الخروج فردوا الأمر إليه فندم الناس على ما صنعوا حتى إذا خرج إليهم المصطفى - صلى الله عليه و سلم - بادروه قائلين :-
إن أحببت أن تمكث فى المدينة فافعل !
لكنه قال لهم:-
ما ينبغى لنبى إذا لبس لامته - أى درعه - أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ،،
ثم قسم جيشه إلى كتائب ثلاث :-
((
كتيبة المهاجرين ويحمل لواءها مصعب بن عمير العبدرى وكتيبة الأوس ويحمل لواءها أسيد بن حضير وكتيبة الخزرج ويحمل لواءها الحباب بن المنذر ))
وبلغ قوام الجيش ألف مقاتل فيهم مائة دارع وخمسون فارسًا واستعمل النبى - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ابن أم مكتوم وتحرك الجيش تجاه أحد .

الطريق إلى أحد ,,,,

تحرك الجيش المسلم إلى الشمال تحت قيادة النبى - صلى الله عليه وسلم - والسعدان
(( ابن عبادة وابن معاذ )) يعدوان أمامه ،،،
وقد ارتديا درعيهما ووصل الجيش إلى مقام يقال له " الشيخان " فرد الصغار وصلى المغرب والعشاء وبات هنالك ،،
وتولى محمد بن مسلمة قيادة خمسين رجلاً مهمتهم حراسة جند المسلمين وقام ذكوان بن عبد القيس بحراسة النبى - صلى الله عليه وسلم - خاصة وسار النبى - صلى الله عليه وسلم - قبيل طلوع الفجر حتى بلغ الشوط فصلى الفجر وحينها حدث تمرد المنافقين بقيادة عبدالله بن أبى ثم واصل الجيش سيره حتى أعاقه معسكر المشركين عن الوصول إلى جبل أحد ،،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:-
من رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أى من قريب - من طريق لا يمر بنا عليهم ؟
فنهض أبو خيثمة قائلاً : - أنا يا رسول الله .

ومر بالجيش بمزارع بنى حارثة تاركًا معسكر المشركين إلى الغرب وفى طريقه هذا مر ببستان مربع بن قيظى وكان منافقًا ضرير البصر فقذف التراب فى وجه الجيش قائلاً:-
لا أحل لك أن تدخل حائطى إن كنت رسول الله وأراد بعض الجيش أن يقتله فنهاهم النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً : -
لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر ونفذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل شعب الجبل فعسكر بجيشه مستقبلاً المدينة وجيش قريش يحول بينه وبينها والمتأمل فى اختيار النبى -صلى الله عليه وسلم - لهذا الموقع يدرك ما به من تعبئة معنوية لجند المؤمنين حين يجدون طريقهم إلى المدينة مارًّا بجيش قريش وما به من حرب معنوية لجند المشركين حينما يجدون أنفسهم وقد حوصروا بين المدينة وجيش محمد الذى قطع عليهم طريق عودتهم إلى مكة فيدركون أى جيش هذا الذى يريدون قتاله .

رد الصغار ،،،،

عند موضع يقال له " الشيخان " كان فى طريق المسلمين إلى أحد التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جيشه فوجد جمعًا من صغار السن ممن لا يطيقون القتال قد دسوا أنفسهم بين صفوف الجيش لا يرغبون إلا فى الجهاد فى سبيل الله ولا يطمعون إلا فى شهادة يلقون بها ربهم لكنه أشفق عليهم من ويلات الحروب فردهم ،،
ووقف أحدهم واسمه رافع بن خديج يأبى الرجوع لأنه ماهر فى رماية النبل فأجازه النبى - صلى الله عليه وسلم - لذلك ؛
غير أن سمرة بن جندب صاح حينها قائلاً:- أنا أقوى من رافع أنا أصرعه .
فأمره رسول الله أن يصارعه فصرعه سمرة وقد أبدى من فنون القتال ما أعجب النبى - صلى الله عليه وسلم - فأجازه أيضًا .

تمرد المنافقين ,,,,

ما إن قارب جيش المسلمين أحدًا وصار يرى المشركين فيرونه حتى أسفر رأس المنافقين عبدالله بن أبى عن وجهه ورفع عقيرته قائلاً:-
ما ندرى علام نقتل أنفسنا؟ ثم أظهر المنافق احتجاجه على أخذ الرسول برأى الأغلبية فى الخروج إلى المدينة وكأنه لم يتذكر هذا الأمر إلا الآن !
ولا شك أن ابن أبى قد أظهر الآن ما قد نواه من بعيد من إحداث الاضطراب والبلبلة فى صفوف المسلمين قبيل دخولهم المعركة وقد همت بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج أن تعودا معه وتفشلا ،،

ولكن الله العليم بصلاح نفوسهما ثبتهما على الحق أما ابن أبى فقد عاد إلى المدينة ومعه ثلاثمائة مفضوح من المنافقين هو رأسهم ! وما كان قوله لعبد الله بن حرام حين عدا خلفهم يذكرهم ويقول لهم:-
تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا ما كان قوله سوى لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع !
وعاد ابن حرام يقول:- أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم نبيه وكانت هذه الواقعة هى أول واقعة يبدو للمسلمين فيها مكر المنافقين وما تخفيه قلوبهم .

وسجل القرآن هذه الأحداث في قوله تعالى :-
{
وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون }
( آل عمران : 166 - 167 )

وكاد هذا الموقف أن يؤثر على المؤمنين من بني سلمة وبني حارثة فيتبعوهم ، ولكن الله عصمهم بإيمانهم ، وأنزل فيهم قوله :-
{
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون
} ( آل عمران : 122 )


خطة الدفاع ،،،،

رغم أن قريشًا سبقت الرسول والمسلمين إلى موقع المعركة إلا أنها لم تفد من ذلك شيئًا أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد حمى ظهره ويمينه بارتفاعات الجبل وحمى ميسرته وظهره بخمسين راميًا أمرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يصعدوا على جبل سمى فيما بعد بجبل الرماة ،،،
وكان يقع على بعد مائة وخمسين مترًا جنوب شرقى معسكر المسلمين وعهد إلى عبدالله بن جبير بقيادة هذه الفصيلة ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - وجه أمره حازمًا إلى ابن جبير فقال:-
انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتون من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك .

وبهذا التوجيه النبوى سد الثغرة الوحيدة التى كان من الممكن لجيش المشركين أن يتسللوا خلالها ولا شك أن اختيار الموضع المرتفع له ميزة الاحتماء به إن نزلت بالمسلمين الهزيمة دون اللجوء للفرار مع الخسائر التى ستصيب المشركين والصعوبات التى ستواجههم إن حاولوا اللحوق بجيش المسلمين وعندها سيصعب على قريش الإفلات من محمد - صلى الله عليه وسلم - وجيشه ،،
وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو على الميمنة والزبير بن العوام يسانده المقداد بن الأسود على الميسرة وإلى الزبير أسندت مهمة الصمود فى وجه فرسان خالد بن الوليد وانتخب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعة متميزة من شجعان المسلمين فجعلهم فى مقدمة الصفوف ليعوض نقصه العددى .


التعبئة المعنوية ،،،،

بينما صفوف الجيشين قد تراصت وتأهبت للقتال إذ سمع على بن أبى طالب رسول الله وقد جرد سيفًا باترًا ورفعه بيده وهو يقول:-
من يأخذ هذا السيف بحقه ؟
فذهب إليه رجاء أن يأخذه وكذلك فعل الزبير وعمر ورجال غيرهم ,,
لكن أبا دجانة سماك بن خرشة ذهب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وسأله:-
وما حقه يا رسول الله ؟
فقال:- أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحنى ،
فأجابه أبو دجانة:-
أنا آخذه بحقه يا رسول الله ،
فأعطاه النبى إياه ،
وما إن تسلَّمه أبو دجانة حتى أخرج عصابة حمراء فعصب بها رأسه وكانت الناس تعلم منه أن ذلك إشارة إلى قتاله حتى الموت ومشى بين الصفوف يتبختر ليرهب عدوه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : -

أنا الذي عاهدني خليلي **** ونحن بالسفح لدى النخيل

ألا أقوم الدهر في الكيول **** أضرب بسيف الله والرسول

ينظر إليه ويقول:- إنها لمشية يبغضها الله إلا فى هذا الموطن ،
ثم التفت محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جيشه ونهاهم عن القتال حتى يأمرهم وحرضهم على المثابرة والجلد وأشعل حماسهم للجهاد فى سبيل الله ورغبهم فى الجنة .

تعبئة الجيش المكى ،،،،

جلس أبو سفيان على فرسه فى قلب الجيش المكى ونظر إلى ميمنته فوجد خالدًا عليها وإلى ميسرته فاطمأن إلى قيادة عكرمة لها وتجول بين الصفوف ليتثبت من قيادة صفوان بن أمية للمشاة وعبدالله بن أبى ربيعة للرماة ورغم أن جيشه يفوق عددًا أربعة أمثال جيش المسلمين وعتادًا ما فوق ذلك بكثير إلا أن هاجس بدر لا زال يلاحقه فيصيبه بالاضطراب،،،

وتذكر أبو سفيان أسر النضر بن الحارث العبدرى حامل لواء المشركين يوم بدر وما جره ذلك عليهم من الخزى والهزيمة فالتفت إلى بنى عبد الدار وهم حملة اللواء فى كل حرب فاستفزهم قائلاً:-
قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه ،،

وكانت هذه الكلمات كافية لإثارة بنى عبد الدار فهموا به وتوعدوه وقالوا له:-
نحن لا نسلم إليك لواءنا ستعلم غدًا إذا التقينا كيف نصنع ووصل أبو سفيان إلى هدفه وصدق بنو عبد الدار فى حمل لوائهم فما مر من المعركة إلا شطرها حتى أبيدوا عن بكرة أبيهم !

مؤامرات الفرقة ،،,،

بعث أبو سفيان إلى الأنصار رسالة يقول فيها :-
خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم ،،

ولم يدر حينها أن للأنصار ألف حاجة وحاجة لقتاله وجيشه المشرك فردوا عليه ردًّا عنيفًا وأسمعوه ما يكره لكن قريشًا لم تكتف بفشلها الأول وسعت بغباء إلى تكراره فقدمت أبا عامر الفاسق وكان يلقب بالراهب لكنه فقد منصبه كرئيس للأوس بقدوم الإسلام فذهب إلى قريش يحرضها ويعلن عداوته قدمته لينادى على الأوس قائلاً :-
يا معشر الأوس أنا أبو علم ولم تمهله الأوس فرصة يتم فيها حديثه بل بادرته بقولها:-
لا أنعم الله بك عينًا يا فاسق فبهت الرجل وقد كان يظن أنها ما إن تسمع صوته حتى تلبى نداءه وقال فى تعجب:-
لقد أصاب قومى بعدى شر ! وما إن بدأ القتال حتى حاربهم حربًا شديدة وأخذ يقذفهم بالحجارة !

جهود نسوة قريش ،،،،

خمس عشرة امرأة كانت فى رفقة جيش المشركين بأحد تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان والتى كانت كبدها تحترق لمقتل أبيها وعمها وأخيها فى أولى لحظات يوم بدر ،،
وقد دفعها الحقد إلى أن تطلب من الجيش وهو فى طريقه إلى أحد أن ينبش قبر أم محمد - صلى الله عليه وسلم - لكن قريشًا خشيت عاقبة هذا الصنيع فرفضت طلبها أما الآن وقد حمى وطيس المعركة فمن ذا يلومها ؟!

أخذت هند وصواحبها يتجولن فى الصفوف يضربن الدفوف ويستنهضن الرجال ويحرضن على القتال ويحمسن الخامل والكسلان حتى إذا انتهت المعركة شاركن ذئاب قريش تشويه شهداء المسلمين فمثلن بجثثهم وصنعن من آذان الشهداء وأنوفهم وفروجهم خلاخيل وقلائد !!
وبقرت هند كبد حمزة ثم لاكتها بفمها لكنها لم تسغها فلفظتها .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أحداث المعركه ،،،،

أشعل الزبير أول وقود المعركة ثم اندلعت نيرانها واحتدم القتال حول لواء المشركين وفى بقية النقاط ورغم خسارة المسلمين بمصرع حمزة إلا أنهم تمكنوا من السيطرة على الموقف وبفضل حماية الرماة للمسلمين تمكنوا من إنزال الهزيمة بالمشركين لكن هؤلاء الرماة ما كادوا يغادرون مواقعهم حتى قام خالد بخطة التطويق فتبدد المسلمون وانقلبت موازين المعركة وفى هذا الوقت العصيب ثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومرت به أحرج ساعة فى حياته حتى تجمع الصحابة حوله وهنا تضاعف ضغط المشركين فظهرت بطولات نادرة لحماية الرسول فى هذا الوقت وواصل المسلمون المعركة حتى نهايتها .

أول وقود المعركة ،،،،

كبش الكتيبة ~ هكذا سمى المسلمون طلحة بن أبى طلحة العبدرى حامل لواء المشركين لفرط شجاعته خرج هذا الكبش عن صف قريش راكبًا على جمل يدعو المسلمين إلى المبارزة فأحجم الناس عنه لمعرفتهم به !

لكن الزبير بن العوام فاجأ الجميع مرة حين تقدم إليه ليبارزه ثم فاجأهم مرة أخرى حين وثب على طلحة وهو على جمله فسقط به على الأرض ثم دفعه عنه وذبحه بسيفه فى لحظة واحدة لقد أتم الزبير مهمته قبل أن يرتد إلى الناس طرفهم فكبر النبى - صلى الله عليه وسلم - وكبر المسلمون وقال النبى - صلى الله عليه وسلم - حينها :-
إن لكل نبى حواريًا وحواريى الزبير .

القتال حول لواء المشركين ،،،،

كان ما توقعه وخاف منه أبو سفيان وهو ينظم جيشه صحيحًا فما إن بدأت المعركة واستعرت نارها حتى صارت كلماته لحامل لوائه واقعًا يتجسد فما هى إلا لحظات وكان طلحة بن أبى طلحة العبدرى قد لقى حتفه ثم ما هى إلا دقائق حتى كان ستة من أهل بيته قد تبعوه بطعنات من سيوف المسلمين أو سهامهم ورفع اللواء بعد ذهاب هؤلاء السبعة ثلاثة من بنى عبد الدار فواجهوا ما لاقاه سالفوهم وهنا حمل اللواء غلام حبشى لبنى عبد الدار يقال له صواب فقاتل باستماتة وأظهر من الشجاعة ما لم يظهره أسياده الذين ولّوا حتى قتل المسكين وهو يقول:-
اللهم هل أعذرت ولم يبق للواء بعده إلا أقدام المسلمين وحوافر دوابهم تدوسه وهى لا تدرى !

القتال فى بقية النقاط ،،،،

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
صخرة أحد

وسط غبار المعركة الكثيف كان يتبدى للرائى منظر عجيب سبعمائة من جنود المسلمين يجتاح جمعهم ثلاثة آلاف من جنود الشرك وبين صيحات المعركة كان نداء المسلمين :- " أمت أمت " يشق ضجيجها ويصل حناجر المسلمين بأبواب السماء أبو دجانة قد عصب رأسه شارته الحمراء وصار لا يلقى أحدًا من المشركين إلا قتله بسيف رسول الله وحنظلة بن أبى عامر -أبى عامر الفاسق- وهو حديث عهد بعرس قد ترك عروسه وأسرع جنبًا للقتال ليشق صفوف المشركين ويهدهم هدًّا حتى إذا كاد سيفه يطيح برقبة أبى سفيان لقى ربه شهيدًا على يد شداد بن الأسود وأينما التفت المرء يمنة أو يسرة لم يلق إلا مظاهر البسالة والإقدام من جيش المسلمين والخلل والاضطراب فى صفوف أعدائهم .

مصرع حمزة (( أسد الله )) ،،،،،

" ذلك الذى فعل بنا الأفاعيل "

كانت هذه هى شهادة أمية بن خلف على صنيع أسد الله حمزة بقريش فى يوم بدر ،،
والحق كما يقولون ما شهدت به الأعداء أما فى يوم أحد فإن صفوف المشركين المتراصة قد أطاح بها فى لحظات سيف حمزة كان حمزة يخترق قلب الجيش المشرك كأنه جيش وحده لكن على مسافة منه كانت هناك عينان ترقبان ونفس تتشوق ويدان تمسكان بالحربة كان هناك وحشى بن حرب ،، عبد جبير بن مطعم الذى وعده سيده إن قتل حمزة عوضًا عن قتل عمه طعيمة فهو حر وبينما وحشى يتخفى ويترقب وهو مصروف عن قتال لا ناقة له فيه ولا جمل ،،
إذ بسباع بن عبد العزى يتجه إلى حمزة ليقتله فلم يمهله حمزة وأطاح رأسه بضربة واحدة ووجدها وحشى فرصة سانحة فهز رمحه حتى اطمأن ثم رماه به فوقع فى أحشائه حتى خرج من بين رجليه وتركه وحشى حتى فاضت روحه ثم ذهب إليه فنزع رمحه وعاد إلى معسكره فقعد فيه وقد قضى حاجته .

يقول وحشي :-
خرجت أنظر حمزة أتربصه حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ، فهززت حربتي ، حتى إذا رضيت عنها دفعتها إليه فوقعت في أحشائه حتى خرجت من بين رجليه ، وتركته وإياها حتى مات .

السيطرة على الموقف ،،،،

لم يكن حمزة جنديًا قتل إنما كان ركنًا من أركان الجيش إذا أصابه سوء أدرك ذلك كل من بالمعركة عدوًا كان أم صديقًا لكن المسلمين وقد فقدوا هذا البطل العظيم صمدوا فى بسالة أمام عدوهم وأظهر أبطالهم (( أبو بكر، وعمر، وعلى، والزبير، ومصعب، وطلحة بن عبيد الله، وعبدالله بن جحش، وسعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وأنس بن النضر )) وغيرهم من أبطال المسلمين أظهروا من صنوف الجهاد والقتال ما فل عزائم المشركين وفت فى عضدهم .

حماية الرماة للمسلمين ،،،،،

ثلاث هجمات شديدة متوالية هى ما قام به خالد بن الوليد قائد ميمنة الجيش المشرك يعاونه أبو عامر الفاسق ليحطموا ميسرة الجيش المسلم ويتسربوا خلف ظهره لكنها باءت جميعًا بالفشل والخيبة أما سر هذا الفشل لقائد خبير كخالد بن الوليد فهو ما صنعه رماة المسلمين بقيادة عبدالله بن جبير من فوق جبلهم فقد رموهم بالنبل ورشقوهم بسهامهم فعادوا أدارجهم دون غنيمة أو ظفر .



هزيمة المشركين ،،،،

الثأر والانتقام من محمد وإعادة العز والمجد لقريش أهداف لطيفة لكن الألطف منها الحياة فى ظل مكة والتجارة فى أسواقها هذا ما كان يدور بذهن كل مشرك يوم أحد وسيوف المسلمين تعمل فيهم الطعن والقتل لقد خارت عزائم قريش وانكسرت سيوفها أمام هذا الصمود الإسلامى وهذه الشجاعة النادرة وأصبح الواجب على المشركين الآن أن يلوذ كل منهم بالفرار طمعًا فى حياته وقد أسرعوا جميعًا لتأدية هذا الواجب النبيل !

أما نساء المشركين فإنهن وقد رأين ما صنع الرجال شمرن عن سوقهن وأسرعن يهربن وهن يولولن بصوت ذى نحيب ولم يبق للمسلمين حينها إلا ملاحقة الفُرَّار وحصد غنائمهم ومتاعهم .

الرماة يغادرون مواقعهم ،،،،

إن خمسين راميًا قائدهم عبدالله بن جبير قد وقفوا على ظهر جبل الرماة كانوا سببًا فى حماية المسلمين لكن هزيمة المشركين قد أنستهم أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بملازمة مواقعهم مهما كانت نتيجة المعركة وفى لحظات كان أربعون رامٍ قد هبطوا واختفوا فى سواد جيش المسلمين يشاركون إخوانهم ملاحقة الكافرين وحصد متاعهم أما عبدالله بن جبير فإنه ثبت فى مكانه وكرر نصحهم فلم يبق منهم معه سوى تسعة نفر التزموا مواقعهم حتى يؤذن لهم أو يبادوا .

خطة التطويق ،،،،

إن قائدًا كخالد لا تفوته فرصة كترك الرماة لمواقعهم وإن غفل عنها الفارون من جيشه العليل فما إن هبط الأربعون راميًا عن مواقعهم التى حددها لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى كانت خيل خالد قد استدارت لتحصد أرواح عبدالله بن جبير وأصحابه التسعة ثم تسرع راكضة لتحيط بالمسلمين من خلفهم ثم يطلق خالد وجنده من فوق ظهورها صيحات ليعلم المشركون بالتطور الجديد وفى لحظات تبدد المسلمون بعد أن حوصروا من كلتا الجهتين وذهبت عمرة بنت علقمة الحارثية فالتقطت لواء المشركين الذى سقط عن عشرة قتلى من بنى عبد الدار وعبد لهم دون أن يرفعه أبو سفيان أو غيره أثناء قيامهم بالفرار الكبير رفعته ليتجمع حوله جند المشركين ينادى إليه بعضهم بعضًا .

تبدد المسلمين ،،،،

الله ناصر جنده الضعفاء ما أطاعوه واستنفدوا الوسائل أما إن عصوه فلا يلومُنَّ إلا أنفسهم إن وطئت رقابهم أقدام الكافرين الغليظة إن المسلمين وقد تعلموا شطر هذا الدرس فى بدر كانوا لا يزالون بحاجة لأن يتعلموا شطره الأخير والحق أنهم تعلموه فى أحد وكان درسًا غاليًا !
أما بعض الجيش فقد فر باتجاه المدينة حتى دخلها وأما بعضه الآخر فقد صعد الجبل هربًا من سيوف قريش وأما فريق ثالث فقد رجعوا إلى الخلف فاختلطوا بالمشركين،،

ونادى فيهم إبليس:- أى عباد الله أخراكم -أى احترسوا من مؤخرتكم - فاختلط الأمر عليهم حتى قتل بعضهم بعضًا ووسط هذا الهرج انطلق صوت خبيث يعلن أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد قتل ،،
فانهارت نفوس المسلمين وانطفأت شعلة حماسهم حتى إن بعضهم قد ألقى السلاح تراخيًا وفكر آخرون فى الاتصال بابن أبى ليأخذ لهم الأمان من أبى سفيان،،
لكن الله - عز وجل - هيأ فى هذه اللحظة العصيبة للمسلمين نفوسًا أبت الدعة وشمرت فى طلب الشهادة منهم أنس بن النضر الذى صاح بالمسلمين وقد حمل سيفه وخاض فى صفوف المشركين قائلاً:-
قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله .

ومنهم ثابت بن الدحداح الذى قاتل كتيبة خالد ببسالة حتى قتل بعد أن ترك فى المسلمين وصيته:- إن كان محمد قد قتل فإن الله حى لا يموت قاتلوا عن دينكم فإن الله مظفركم وناصركم،،
وقد شجعت هذه المواقف المسلمين فقاتلوا بضراوة حتى تجمعوا حول مركز منيع باشروا منه قتال المشركين والصمود أمامهم والحق أن فريقًا رابعًا كان همه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكرّوا إليه وكان فى مقدمتهم:- (( أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب )) وغيرهم .

ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم -

إن مشهد المسلمين وهم يعدون خلف قريش قد تبدل أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى لحظات وفوجئ النبى بفرسان خالد تهاجمه وقد أزاحت بقية الرماة من طريقها إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لا يرى الآن من جيشه أحدًا اللهم إلا تسعة نفر كانوا حوله سبعة من الأنصار ومهاجرين فماذا يصنع النبى -صلى الله عليه وسلم- فى هذا الظرف العصيب؟

هل يلوذ بالجبل فينجو بنفسه وأصحابه التسعة مترقبًا ما يحدث لجيشه المهزوم؟
إنه إن فعل ذلك فلن يلام فهل من المطلوب أن يقف فى تسعة نفر لينقذ جيشًا بأكمله مواجها فى ذلك جيشًا بأسره بالطبع لا !

لكن ما حدث هو أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وقف فعلاً فى تسعة نفر لينقذ جيشًا بأكمله مواجهًا بذلك جيشًا بأسره فقد قرر أن يخاطر بنفسه ويدعو أصحابه إليه حتى إذا تجمعوا انسحب بهم إلى الشعب فصرخ فى المسلمين:-
هلم إلى أنا رسول الله .

وكان يعلم - صلى الله عليه وسلم - أن صوته سيبلغ المشركين - إذ هم أقرب إليه - فيأتون نحوه وقد أتوا فجالدهم حتى أرهقوه فقال:-
من يردهم عنا وله الجنة ؟

فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم أتعبوه ثانية ، فعاد - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قاله فتقدم رجل أنصارى آخر حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة وكان آخرهم عمارة بن يزيد بن السكن أسقطته جراحه فمات وخده موسد بقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد مرت به فى هذا الوقت أحرج ساعة فى حياته .


أحرج ساعة فى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -

إن سقوط سبعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلى فى دقائق معدودة قد أوقع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى مأزق عسير إذ لم يبق حوله سوى رجلين طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبى وقاص وفى لحظات قليلة كانت ذئاب قريش قد تجمعت تعوى رجاء أن تنهش جسد نبى الهدى وبالفعل رمى عتبة بن أبى وقاص الرسول بالحجارة فوقع على الأرض وكسرت رباعيته السفلى اليمنى ،،

كما أنه وقع في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها ثم غطاها بالقش والتراب ، فشج رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يمسح الدم قائلا :-
كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم !

كما أصيبت شفته بكدمة أليمة وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهرى فشجه فى جبهته وأسال الدم على وجهه والنبى - صلى الله عليه وسلم - يقول:-
اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله .
ثم ما لبث فترة فتحركت الرحمة فى قلبه فعاد يقول:-
اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون .

وجاء عدو الله عبد الله بن عبد الله بن قمئة فضرب النبى - صلى الله عليه وسلم - على عاتقه ضربة عنيفة ظلت تؤلمه شهرًا بأكمله لكنه لم يستطع أن يهتك الدرعين فعاود بضربة شديدة على وجنته - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر الذى يستر به النبى وجهه فى وجنته ،،
وقال:- خذها وأنا ابن قمئة ،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم عن وجهه :
أقماك الله .

وفى هذه الأثناء كان سعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله يقاتلان قتال الليوث دفاعًا عن النبى -صلى الله عليه وسلم - فأما سعد فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره بالرمى وكان ماهرًا به داعيًا له بقوله:-
ارم فداك أبى وأمى وما جمعهما فى دعاء لأحد سواه قط !

وأما طلحة فإنه قاتل بضراوة حتى وجد سيفًا يوشك أن يصيب النبى - صلى الله عليه وسلم - فاتقاه بيده فقطعت أصابعه وجرح يومها بضعًا وثلاثين جرحًا حتى خرّ ساقطًا بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - والصحابة قد بدأوا يتجمعون حوله من جديد .

تجمع الصحابة حول الرسول ،،،،

حين تبدد المسلمون واختلط حابلهم بنابلهم وانقلبت فى لحظات موازين المعركة تلفت أبو بكر الصديق حوله يفتش بعينين قلقتين عن محمد - صلى الله عليه وسلم - وتداعى إلى سمعه نداء النبى فأسرع يعدو تجاهه .

ووسط حلقة من المشركين وجد أبو بكر - رضى الله عنه - محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يقاتل وبين يديه رجل يدافع عنه ويحميه بنفسه وكان طلحة بن عبيد الله وفوجئ أبو بكر بمن يدركه ويسعى معه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يكاد يطير وكان أبا عبيدة بن الجراح وما إن وصلا حتى كانت كوكبة من الصحابة قد بدأوا يتقاطرون على النبى - صلى الله عليه وسلم - إدراكًا له ودفاعًا عنه منهم:- (( أبو دجانة، ومصعب، وعلى، وسهل بن حنيف، ومالك بن سنان، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وقتادة بن النعمان، وعمر بن الخطاب، وأبو طلحة، وحاطب بن أبى بلتعة )) .

وانكفأ أبو بكر على نبيه - صلى الله عليه وسلم - لينزع عنه حلقتى المغفر فسبقه أبو عبيدة قائلاً:- ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتنى ثم أخذ بفيه فجعل يخرجه رويدًا رويدًا حتى لا يؤذى النبى فما خرجت الحلقة إلا وسقطت سن أبى عبيدة وتقدم أبو بكر لينزع الأخرى إلا أن أبا عبيدة صاح به:- ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتنى فصنع بها كما فعل بالأولى حتى خرجت وسقطت بخروجها ثنية أبى عبيدة الأخرى وفى هذه الأثناء كان الصحابة يدفعون عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ضغط المشركين العنيد .

ضغط المشركين ،،،،

ظلت هجمات المشركين وضغوطهم تتوالى على النبى - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين وسقط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حفرة من الحفر التى كان أبو عامر الفاسق يكيد بها فأصيبت ركبته - صلى الله عليه وسلم - إصابة شديدة وأخذ على بيده واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى يعيناه على الوقوف وظل النبل يأتى من كل ناحية تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطيش عنه بحماية الله وحفظه .

أما المسلمون فقد قاموا ببطولات نادرة دفعت الخطر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وأعادت الصمود إلى جيش المسلمين حتى يتمكنوا من الانسحاب إلى الشعب .


بطولات نادرة ،،،،

إن هزيمة أحد لم تمنع الإسلام من أن ينتصر ويسود فى النهاية وإن قتل بعض المجاهدين لم يمنعهم من الخلود فى الدنيا فقد كانوا سيموتون على كل حال !
لكن الذى خلد وبقى لنا - نحن الذين نطالع يوم أحد بعد مئات السنين - هو هذه البطولات العظيمة النادرة التى ما كان لها أن تقع فى غير هذا الموقف العصيب !

جعل أبو طلحة من صدره سورًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو يرمى المشركين بسهامه رميًا عنيفًا شديدًا حتى لقد كسر قوسان أو ثلاثة فى يده وهو يستقبل بصدره نبلهم ويتطلع النبى -صلى الله عليه وسلم - ليرى أين يصل سهم أبى طلحة فيشفق عليه ويقول له: -
بأبى أنت وأمى لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحرى دون نحرك !

أما أبو دجانة فقد صنع من ظهره درعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو يقف أمامه يستقبله بوجهه وسهام المشركين ترشق فى ظهره وهو لا يتحرك ،،
وتبع حاطب بن أبى بلتعة عتبة بن أبى وقاص أخا سعد وهو الذى تسبب فى كسر رباعية المصطفى - تبعه حاطب حتى أطار رأسه من فوق كتفيه ،،

وقاتل عبدالرحمن بن عوف قتالاً شديدًا حتى أصيب بعشرين جرحًا بعضها أصاب فمه فهتم وأصاب بعضها رجله فعرج ،، وامتص مالك بن سنان الدم السائل من وجنة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى أنقاه ,,
فقال النبى -صلى الله عليه وسلم -:- مجه ،،
فقال مالك:- والله لا أمجه أبدًا .

ثم انطلق يقاتل ونبى الله يقول:-
من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ،،
فقتل شهيدًا وكان مصعب بن عمير يقاتل بضراوة بالغة وهو يحمل لواء المسلمين فضربوه على يده اليمنى حتى قطعت فأخذ اللواء بيسراه فضربوه عليها فقطعت فبرك على اللواء بصدره وعنقه حتى قتله ابن قمئة وهو يظن أنه محمد - صلى الله عليه وسلم - لشبهه به .

وكان لأم عمارة نصيب كبير فى البطولة يومئذ فقد اعترضت ابن قمئة وضربته بسيفها عدة ضربات لم ينجه منها إلا درعاه وضربها على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوف سوى اثنى عشر جرحًا أصيبت بها يومها .

إشاعة مقتل النبى - صلى الله عليه وسلم -

ظن عدو الله ابن قمئة أنه قتل محمدًا وهو قتل مصعب بن عمير شبيه الرسول عليه الصلاة والسلام , فعدا يصيح فرحًا بفعلته ، وشاع خبر مقتل النبى - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والكافرين على سواء ، فانهارت معنويات المسلمين ، حتى رفعها بعض الصحابة كأنس بن النضر وغيره ، واعتقد المشركون أنهم وصلوا إلى غايتهم ، فانشغلوا عن مقاتلة المسلمين بتشويه شهدائهم الأبرار .

نهاية المعركة ،،،،،

قام الرسول - صلى الله عليه و سلم - بعملية انسحاب إلى شعب الجبل ولم تكن تلك العملية بالعملية السهلة بل احتدم القتال فيها حتى آخر لحظة وانشغل صناديد قريش بتشويه الشهداء أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد انتهى إلى مقره فى الشعب فشرب وغسل جرحه وأقبل أبو سفيان قبيل انصراف المشركين معلنًا شماتته وواعده المسلمون الملاقاة ببدر فى العام التالى ثم بعث النبى - صلى الله عليه وسلم - عليًّا للتثبت من موقف المشركين فوجدهم انصرفوا فالتفت المسلمون إلى تفقد الجرحى ودفن الشهداء وقبل أن يغادر الجيش أرض المعركة وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه يدعون ربهم ويثنون عليه ثم قفلوا راجعين إلى المدينة فباتوا ليلتهم وفوجئوا فى الصباح برسول الله يدعوهم للخروج فى إثر قريش فساروا حتى بلغوا ثمانية أميال من المدينة ثم عسكروا وسمى هذا الخروج بغزوة حمراء الأسد والتى تعتبر تتمة لغزوة أحد .

الانسحاب إلى الشعب ،،،،،

نادى الرسول في أصحابه قائلا :-
هلموا إلي عباد الله .. هلموا إلي عباد الله .
فتجمع الصحابة حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصدوا ضغط المشركين وحملتهم على لواء المسلمين فقاتلوا قتالاً شديدًا واستطاع النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق ورآه كعب بن مالك فعرفه ونادى بأعلى صوته:-
يا معشر المسلمين أبشروا ! هذا رسول الله فأشار إليه النبى - صلى الله عليه وسلم - أن اصمت !
ليخفى بذلك عن المشركين وفى الحال تجمع ثلاثون صحابيًا حوله وهنا قاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جيشه إلى انسحاب منظم فى اتجاه شعب الجبل شاقًا طريقه بين المهاجرين من قريش ,,

وصرخ عثمان بن عبد الله بن المغيرة وهو يتجه بسيفه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم: لا نجوت إن نجا فواجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن فرسه عثرت فى بعض الحفر فانقض الحارث بن الصمة على عثمان فضرب رجله فأقعده ثم أجهز عليه وأخذ سلاحه والتحق بالنبى لكن عبد الله بن جابر المشرك انتفض بسيفه على عاتق الحارث فجرحه حتى حمله المسلمون وفى الحال ظهر بطل المسلمين أبو دجانة فعاجل عبد الله بن جابر بضربة سيف أطارت رأسه !

والعجيب أن المسلمين وسط هذا القتال المرير كان يتغشاهم النعاس أمنة من الله كما تحدث بذلك القرآن :-
((
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم }
( آل عمران : 154 )
يقول أبو طلحة رضي الله عنه واصفاً تلك الحال : -
" كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مراراً ، يسقط وآخذه ، ويسقط فآخذه " .

واستمر انسحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته حتى شقوا للجيش المسلم طريقًا إلى هذا المقام المأمون فلحقوا بهم لكن المشركين لم يرضهم ذلك فقاموا بهجوم كان الأخير لهم فردهم المسلمون خائبين وسعى أبى بن خلف ليقتل النبى -صلى الله عليه وسلم- فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى آية عجيبة وهكذا تجلت عبقرية الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحربية والتى فاقت عبقرية خالد وانتصرت عليها ولئن كانت أحد هزيمة للمسلمين فإن انسحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- بها كان نصرًا لهم أنقذ به جيشًا بأسره من هلاك محتوم وقلص عدد الشهداء فلم يزيدوا على السبعين .

آخر هجوم للمشركين ،،،،،

قامت فرقة من قريش يقودها أبو سفيان وخالد بن الوليد بمحاولة لصعود الجبل الذى انحاز إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- داعيًا ربه:-
اللهم لا ينبغى أن يعلونا . وقاتلهم عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم وقد أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبى وقاص أن يصرفهم قائلاً له:-
أجبنهم .
لكن سعدًا تعجب: كيف أجبنهم وحدى؟
وكررها ثلاثًا ،،، ثم أخذ سهمًا من كنانته فرمى به رجلاً فقتله ثم أخذ السهم نفسه فرمى به آخر فقتله فأخذه ورمى به ثالثًا فقتله فهبط القوم مسرعين من سوء ما لحق بهم وأخذ سعد السهم قائلاً:- هذا سهم مبارك فجعله فى كنانته فكان عنده حتى مات ثم كان عند بنيه .

مقتل أبى بن خلف ،،،،،

بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصعد شعب الجبل مع أصحابه إذا بصوت يلاحقه قائلاً :-
أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا وإذا بقائله عدو الله أبى بن خلف ،،
فقال المسلمون:- يا رسول الله أيعطف عليه أحد منا ؟
فقال النبى -صلى الله عليه وسلم-:- دعوه .
حتى إذا دنا منه تناول - صلى الله عليه وسلم - الحربة من الحارث بن الصمّة ثم طعنه فى ترقوته من فرجة بين الدرع والبيضة ،،،
فتدحرج أبى عن فرسه مرارًا وعاد إلى قريش خائفًا فرقًا ،،
وهو يقول:- قتلنى والله محمد !
فقالوا له:- وقد كان مخدوشًا فى عنقه خدشًا غير كبير: والله إن بك من بأس
فأجابهم:- إنه قد كان قال لى بمكة :- أنا أقتلك .
وكان أبى يخور خوار الثور ويقول:- والذى نفسى بيده لو كان الذى بى بأهل ذى المجاز لماتوا جميعًا حتى إذا وصلوا سرف فى طريقهم إلى مكة مات هناك .


تشويه الشهداء ،،،،،

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وجيشه المنصور ببدر لم يرضهم أن يعودوا إلى المدينة وقد تركوا أجساد المشركين فى الصحراء طعمة لذئابها أما المشركون بأحد فقد تصرفوا مع قتلى المسلمين بدناءة لا تعرفها الضباع الغادرة ،،،

أخذ المشركون يظهرون شجاعتهم النادرة فى تقطيع أوصال هامدة لا تستطيع أن تحرك ساكنًا حتى نساؤهم لم يتنازلن عن حظهن فى الدناءة فشاركن الرجال تقطيع الأجساد والفروج وبقر البطون واتخذت النسوة الآذان والأنوف خلاخيل وقلائد !
وبقرت هند كبد حمزة فلاكتها ولم تستطع أن تسيغها فلفظتها بعد أن نوت أكلها !
ولئن أظهرت هذه الأحداث حطة المشركين وفساد خلقهم فلقد أفصحت أيضًا عما بقلوبهم من حقد دفين وغيظ لا ينتهى .

القتال حتى آخر لحظة ،،،،،

إنه لظلم كبير أن نتغافل عن يوم بأسره حتى إذا كانت نهايته قمنا نتساءل:- لمن كانت الدائرة اليوم؟
إن من يكتفى بهذا يفقد ولا شك مواقف عظيمة لجيش ربما غدت الدائرة فى هذا اليوم عليه وإن قتال المسلمين - وقد كسروا - حتى آخر لحظة دون كلل أو ملل سيظل فارقًا بينهم وبين من ولى ببدر دبره وأطلق ساقيه للريح فما أوقفته إلا أيدى قومه بمكة !
نظر كعب بن مالك إلى أجساد إخوانه وقد عبثت بها سيوف المجرمين ورأى كافرًا يستهزئ بهم قائلاً :- استوسقوا - أى تجمعوا - كما استوسقت جزر الغنم .

ثم رأى مسلمًا هو دونه هيئة وعدة يتربص له حتى إذا التقيا أطعمه سيفه بضربة بلغت وركه وشقته فرقتين ثم كشف عن وجهه فإذا هو أبو دجانة وأقبلت نسوة المؤمنين وفيهن عائشة وأم سليم وأم سليط ينقلن القرب على متونهن ثم يفرغنها فى أفواه القوم جيئة وذهابًا ووقفت أم أيمن فى وجه من فر من جيش المسلمين إلى المدينة فحثت فى وجوههم التراب وصاحت فيهم:-
هاك المغزل وهلم سيفك ! ثم سارعت إلى جبهة القتال بعد أن علمت ما جرى لتسقى المسلمين فرماها عدو الله حبان بن العرقة بسهم فوقعت وتكشفت فأخذ المجرم يغرق فى الضحك حتى شق ذلك على النبى - صلى الله عليه وسلم - فدفع إلى سعد سهمًا لا نصل له ،،
وقال:- ارم به .
فرماه سعد فوقع واستلقى وقد تكشف ،،
فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه ،،
ثم قال:- استقاد لها سعد فأجاب الله دعوته .

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشرب ويغسل جرحه

ذهب على بن أبى طالب بعد أن استقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى الشعب ليأتى بماء لكن النبى -صلى الله عليه وسلم- وجد له ريحًا فعافه وسكب الماء على وجهه حتى تغسل فاطمة عنه الدم لكنها - وقد وجدت الماء لا يزيده إلا كثرة - عمدت إلى قطعة من حصير فأحرقتها ثم لصقتها بجرحه - صلى الله عليه وسلم - فتوقف نزيف الدم وجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ فشرب منه النبى ودعا له بخير ثم صلى الظهر قاعدًا من أثر الجراح والمسلمون يصلون من خلفه قعودًا .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
غار أحد

شماتة أبى سفيان ،،،،

وقف أبو سفيان ينظر إلى جيشه وهو يتهيأ للانصراف ثم ساءل نفسه:- ما جدوى الرجوع ومحمد باقٍ فى صحابته ؟ لا ندرى أقتل كما يقول ابن قمئة أم لا ؟
وعاد حتى أشرف على الجبل ثم نادى:- أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه !
فقال: أفيكم ابن أبى قحافة ؟ فلم يجيبوه !
فقال: أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه !
وكان ذلك اتباعًا لأمر النبى -صلى الله عليه وسلم-. فأخرج أبو سفيان خبيئة نفسه قائلاً:-
أما هؤلاء فقد كفيتموهم .
وهنا قطع عليه عمر نشوته قائلاً:- يا عدو الله ،،،
إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله ما يسوؤك وشعر أبو سفيان بالخزى مما صنعه جيشه بقتلى المسلمين من المثلة والتشويه ،،
فقال فى تردد:- قد كان فيكم مثلة لم آمر بها ولم تسؤنى ,,
ثم قال:- " اعلُ هُبل " ،،،
فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم- أن يجيبه المسلمون قائلين:-
الله أعلى وأجل ،،،
فقال:- لنا العزى ولا عزى لكم ،،،
فأرشد النبى - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يقولوا: -
الله مولانا ولا مولى لكم ،،،
فطمأن أبو سفيان نفسه قائلاً:-
أنعمت فعال يوم بيوم بدر والحرب سجال ،،،
فأجابه عمر قائلاً:- لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار ،،،
وقد كانت كلمة حاسمة كشفت عن ميزان الإسلام فى ما يحدث من نصر أو هزيمة وهنا لم يجد أبو سفيان ما يقوله فدعا عمر إليه قائلاً:-
هلم إلى يا عمر ،،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- له:- ائته فانظر ما شأنه ؟
فجاءه ، فقال له أبو سفيان:- أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدًا ؟
فرد عمر بعد أن استبان له ما أصاب أعصاب الرجل من اهتزاز:- اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن !
فقال أبو سفيان فى مرارة:- أنت أصدق عندى من ابن قمئة وأبر .
لقد جاء أبوسفيان شامتًا لكنه دون أن يدرى كشف عن هدف انتصاره فلما أبان له المسلمون فواته عاد إلى جيشه خائبًا حسيرًا .

المواعدة للتلاقى ببدر ،،،،

أدرك أبو سفيان بعد محادثته مع عمر أنه لم يصل إلى بغيته وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لا زال حيًا يحوطه أصحابه ويتبعه جيشه وتنتظره بشوق مدينته ومن بها وغاظه ذلك فصرخ قائلاً:-
إن موعدكم بدر العام القابل ،،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل من أصحابه:- قل نعم هو بيننا وبينك موعد ،،،
فأضيف إلى معلومات أبى سفيان بهذا أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قادم إليه ليناوله مرة أخرى وظل يفكر فى هذه المعانى المؤلمة حتى طوته وجيشه الصحراء باتساعها .

التثبت من موقف المشركين ،،،،

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بحزمه وصبره لم يتراخ لرؤية أبى سفيان وجيشه وقد اختفوا عن الأنظار بل احتاط أن يكون ذهابهم إلى المدينة لا مكة فأرسل خلفهم سعد بن أبى وقاص قائلاً له:-
اخرج فى آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ؟ وما يريدون؟
فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة والذى نفسى بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم فوجدهم سعد قد امتطوا الإبل وجنبوا الخيل ذهابًا إلى مكة وإن المرء ليتعجب هنا من ميل المنتصر إلى الراحة وتحفز المهزوم إلى المناجزة وهو عجب يزول حين نعرف: ماذا كان يريد المهزوم أو المنتصر ؟!

تفقد الجرحى ودفن الشهداء ،،،،

وبعدها ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتفقّد أحوال الجرحى والشهداء ، فرأى ثُلّة من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم إلى خالقها ، فقال فيهم وفي أمثالهم :-

(
أشهد على هؤلاء ، ما من مجروح يجُرح في الله عز وجل إلا بعثه الله يوم القيامة ، وجرحه تجري دماً : اللون لون الدم ، والريح ريح المسك )
وأنزل الله تعالى قوله :-
{
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران : 169 )

عجيب أمر الناس فى هذه الأرض تتشابه أعمالهم فى الدنيا أو تختلف حتى إذا وقفوا أمام ربهم عرف كل الفريق الذى ينتمى إليه !
إن المسلمين وقد هبطوا من الجبل لتفقد جرحاهم وشهدائهم وجدوا أمرًا غريبًا أربعة بين قتلى المسلمين:- (( مسلم ومشرك ومنافق ويهودى )) : -

فأما المسلم فكان سعد بن الربيع وجدوا به سبعين جرحًا ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم وكانت آخر كلماته: لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف .

وأما المشرك فكان:- الأصيرم - عمرو بن ثابت - الذى طال رفضه لدعوة الإسلام سألوه قبل أن تفيض روحه :- ما جاء بك ؟ فأجابهم:- رغبة فى الإسلام آمنت بالله ورسوله ثم قاتلت مع رسول الله حتى أصابنى ما ترون ثم لحق بربه ،، وقال عنه النبى - صلى الله عليه وسلم-:- هو من أهل الجنة ويقول أبو هريرة:- ولم يصل لله صلاة قط !،،،

ثم هذا المنافق:- قزمان قتل وحده فى المعركة سبعة أو ثمانية حتى سقط جريحًا فحمله المسلمون معهم وبشروه لكنه قال لهم:- والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومى ولولا ذلك ما قاتلت فلما اشتدت عليه جراحه أصاب نفسه فانتحر وكان النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه:- إنه من أهل النار ،،
وأما اليهودى فهو: مخيريق سمع جلبة الحرب فذهب لقومه قائلاً:- يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم حق فما كذبوه إنما قالوا له:- إن اليوم يوم سبت فتولى عنهم وقد اختطف سيفه وعدته قائلاً:- لا سبق لكم ,, وقال:- إن أصبت فمالى لمحمد يصنع فيه ما يشاء ثم غدا فقاتل حتى قتل وقال عنه النبى -صلى الله عليه وسلم-:- مخيريق خير اليهود وهكذا رحل كل إلى ربه ،،

ليعرف فريقه الذى إليه ينتمى والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشهداء فأمر أن يدفنوا فى أماكنهم لا فى ديار أهليهم وألا يغسلوا أو يكفنوا بل يدفنوا فى ثياب حربهم وكان - صلى الله عليه وسلم- يدفن الاثنين والثلاثة فى قبر واحد وماكانوا يجدون لبعضهم ما يسترون به كل أجسادهم فيستعينون بنبات طيب الرائحة لتغطية أقدامهم ،،،

وجاءت أشدّ اللحظات قسوةً على - النبي صلى الله عليه وسلم - ، وهي لحظة رؤية عمّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد شوّه المشركون جسده وقطّعوا أطرافه ، على نحوٍ يعكس الوحشيّة والهمجيّة التي كانت عليها قريش .

مشهدٌ مريرٌ تتضاءل أمامه كل الأهوال التي مرّت في ثنايا المعركة ، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكاء شديدا لم ير الصحابة له مثيلاً .
ولما هدأت نفسه النبي التفت إلى أصحابه قائلاً :- (
لولا أن تحزن صفية ، ويكون سنّة من بعدي ، لتركته حتى يبعثه الله في بطون السباع والطير ) رواه الدارقطني .

وأقبلت صفيّة بنت عبد المطلب رضي الله عنها تتفقّد أحوال أخيها حمزة ، فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترى ما أصابه فلا تتمالك نفسها ، فأرسل إليها ولدها الزبير بن العوام كي يمنعها ، ولكنها ردّت عليه قائلة : " ولم ؟ ، وقد بلغني ما فُعل به ، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله " ،,,

وعاد الزبير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره بجوابها ، فأذن لها برؤيته .
ولم تجزع صفيّة عند رؤية أخيها ، بل صبرت وتحمّلت ، وجعلت تردّد : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ، ثم أخرجت ثوبين جاءت بهما لتكفينه ، يقول عبدالله بن الزبير : " فجئنا بالثوبين لنكفّن فيهما حمزة ، فإذا بجانبه قتيلٌ من الأنصار قد فُعل به كما فُعل بحمزة ، فاستحيينا أن نكفّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب ، فكفنّا كل واحد منهما في ثوب " .

رحمهم الله جميعًا لقد كانت أوصالهم المقطعة منظرًا يفتت الأكباد ويدين المشركين إلى يوم الدين سبعون شهيدًا من خير الناس لحقوا بربهم فى هذا اليوم فهم عنده يرزقون .

دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام ،،،،

لئن شغل الكافرون بنصر أو هزيمة فإن المسلمين أنظارهم دومًا معلقة بمشيئة الله وقدرته وميزان عقولهم الذى يزنون به الأمور مرتبط حتمًا بميزان الله تعالى الذى توزن به الحسنات والسيئات فأيهما رجح كان قدر العبد ومصيره !

لذا فإنه ليس من العجيب أن يأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جنده الخارجين فى سبيل الله قائلاً: -
استووا حتى أثنى على ربى - عز وجل - فصاروا خلفه صفوفًا ثم انطلق بينهم صوت محمد -صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه ويناجيه بحمد وثناء وشكر ورجاء وسؤال واستعاذة لمن لا حول له ولا قوة إلا به ، مالك الملك ، من بيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وبين الكاف والنون كائن أمره .

الرجوع إلى المدينة ،،،،

آب جيش المسلمين إلى المدينة وفى الطريق كان يمر بزوجات الشهداء وأمهاتهم يسألن ما صنع رجالهن ؟
لقى النبى -صلى الله عليه وسلم- حمنة بنت جحش فنعى إليها أخاها عبد الله فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها خالها حمزة فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت ،،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - :- إن زوج المرأة منها لبمكان .
وسألت امرأة من بنى دينار كانوا قد نعوا إليها زوجها وأخاها وأباها- سألت الجيش:- فما فعل رسول الله ؟
فطمأنوها فلم ترض حتى رأته ،،
ثم قالت:- كل مصيبة بعدك جلل -أى صغيرة - وجاءت أم سعد بن معاذ وقد قتل لها أخوه عمرو بن معاذ تقول للنبى -صلى الله عليه وسلم-:- أما إذا رأيتك سالمًا فقد استويت عندى المصيبة -أى استقللتها - .

ودعا النبى -صلى الله عليه وسلم- لأهل من قتل بأحد وقال:- يا أم سعد أبشرى وبشرى أهلهم أن قتلاهم ترافقوا فى الجنة جميعًا وقد شفعوا فى أهلهم جميعًا ،،
وقالت:- رضينا يا رسول الله ومن يبكى عليهم بعد هذا ؟
ثم قالت:- يارسول الله ادع لمن خلفوا منهم ،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم-:- اللهم أذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا .

ودخل النبى - صلى الله عليه وسلم - بيته وأعطى سيفه فاطمة ،،
وقال: اغسلى عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقنى اليوم .
وبات المسلمون ليلتهم بالمدينة ليلة الأحد الثامن من شوال سنة ثلاث من الهجرة وقد أرهقتهم الحرب وأنهكهم التعب - باتوا ليلتهم يحرسون ثغور المدينة ومداخلها ويحرسون النبى -صلى الله عليه وسلم- خاصة ،،
حتى إذا أصبحوا فوجئوا بالنبى -صلى الله عليه وسلم- ينادى عليهم بالخروج من جديد !



عرض البوم صور wolf101  
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-08-2012, 08:42 PM
wolf101 wolf101 غير متواجد حالياً
عضو فعال
افتراضي رد: قصة حياة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم


** { غــزوة أحــد } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لم يكد يمر على يوم بدر سوى عام حتى كانت قريش التى احترقت كمدًا على هزيمتها وقد أخذت أهبتها واستعدت لقتال محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ،،
فأعدت جيشًا عرمرمًا أخذ طريقه متجهًا إلى أحد ، وما كاد الجيش يخطو أولى خطواته خارج مكة حتى كان خبره قد انكشف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ،،
واستعد المسلمون لهذا الطارئ الخطير ، وشاورهم النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أمرهم ، ثم بدأ تنظيم جيش لهم يدرأ عنهم خطر جيش قريش ، والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جيشه فوجد به جمعًا من صغار السن صحبوا الجيش لفرط حماسهم فردهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ،،

والعجيب أن هذه الصورة المشرقة قد تليت بضدها تمامًا ، فقد تمرد المنافقون ، وعاد زعيمهم ابن أبى بثلث الجيش إلى المدينة ، وواصل الجيش مسيره حتى بلغ أحدًا ، وأعد النبى - صلى الله عليه وسلم - خطة الدفاع ،،،

ثم قام بالتعبئة المعنوية لجنوده ، وعلى الجانب الآخر كان المشركون يعبئون جيشهم ، ثم أخذوا ينسجون مؤامرات لإحداث الفرقة فى جيش المسلمين ، إلا أن خيوطها كانت أهون من خيوط العنكبوت ، وقامت نسوة قريش بجهدهن استعدادًا للمعركة ، وتقارب الجمعان ، ثم بدأت أحداث المعركة التى بدأت لصالح المؤمنين ، ثم انقلبت ضدهم ، أما نهاية المعركة فقد كانت ولا شك ملحمة وحدها أثبتت نفاسة معدن أولئك الرجال الذين عادوا مهزومين من أحد .

استعداد قريش للمعركة ،،،،

تظاهرت قريش بطىّ صفحة بدر وشمرت عن ساعديها ولمع فى سمائها أربعة زعماء :-
(( عكرمة بن أبى جهل ، وصفوان بن أمية ، وأبو سفيان بن حرب ، وعبدالله بن أبى ربيعة ))
أخذوا على عاتقهم الاستعداد لخوض معركة ثأرية مع محمد - صلى الله عليه وسلم - وجيشه المسلم وكان أول ما صنعوه أنهم صادروا قافلة أبى سفيان التى كانت سببًا فى غزوة بدر لصالح المعركة المقبلة فوافقتهم على ذلك قريش فباعوها وكانت ألف بعير وخمسين ألف درهم ثم إنهم أذكوا نار الحرب بحملة إعلامية مستعرة قادها أبو عزة شاعر قريش الذى أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراحه يوم بدر دون فداء ،،
على ألا يقوم ضده وقد شاركه شاعر آخر فى تحريض القبائل ضد المسلمين وهو مسافع بن عبد مناف الجمحى ولا شك أن لطمتى غزوة السويق وسرية زيد بن حارثة كانتا دافعًا لقريش حتى لا تهدأ ثائرتها .

قوام جيش قريش وقياداته ،،،،

ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش قد امتطوا ثلاثة آلاف بعير واصطحبوا مائتى فرس وارتدوا سبعمائة درع ذلكم كان جيش المشركين الذى آلت قيادته العامة إلى أبى سفيان بن حرب وقيادة فرسانه إلى خالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبى جهل أما اللواء فكان إلى بنى عبدالدار وزيادة فى استيفاء أسباب الحماس صحب الجيش خمس عشرة امرأة كانت لهن جهودهن البارزة فى إذكاء نار الحرب والقتال .

انكشاف حركة العدو ،،،،

ثلاثة أيام - فحسب - هى المدة التى قضاها رسول العباس بن عبدالمطلب فى رحلة طولها خمسمائة كيلو متر بين مكة والمدينة وما كاد يلمح محمدًا - صلى الله عليه و سلم - فى مسجد قباء حتى سلمه رسالة عمه وقرأ أبى بن كعب الرسالة على النبى - صلى الله عليه وسلم - فإذا بها خبر قريش وجيشها فأمره الرسول - صلى الله عليه و سلم - بالكتمان وأسرع عائدًا إلى المدينة ليتبادل الرأى مع قادة المهاجرين والأنصار .

استعداد المسلمين للطوارئ ،،،،

حركة الناس فى المدينة تعكس الوضع الخطير حولها فالمسلمون لا يفارقون سلاحهم ليلاً أو نهارًا بل هم لا يصلون إلا به احتياطًا من عدوهم وحراستهم تشكلت على هيئة دوائر ثلاث:-
(( دائرة من الأنصار فيهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير يحيطون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيته فى كل وقت وآن + دائرة أخرى على مداخل المدينة وأطرافها تحرسها خوفًا من غارة قريش + دائرة أوسع تتجول حول الطرق المؤدية إلى المدينة استطلاعًا لحركات العدو ))
وهكذا استعد المسلمون لأى مباغتة قرشية إلى حين إعداد جيشهم وتأهبهم للقتال .

وصول الجيش المكى إلى أحد ،،،،

الأيام تمر بسرعة وجيش مكة يزحف كالحية المسرعة فوق الرمال وهو يسعى حثيثًا سالكًا وادى العقيق ثم منحرفًا إلى اليمين حتى نزل قريبًا من جبل أحد فى مكان يقال له " عينين " حيث عسكرت قواته فى السادس من شوال سنة ثلاث من الهجرة .

الرسول يشاور المسلمين ،،،،

ما إن تجمع كبار الصحابة مسرعين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتشاوروا فيما هم فاعلوه تجاه قدوم جيش قريش المدجج حتى بادرهم رسول الله بقوله:-
إنى قد رأيت والله خيرًا رأيت بقرًا يذبح ورأيت فى ذباب سيفى ثلمًا ورأيت أنى أدخلت يدى فى درع حصينة ،،،
وتأول البقر بنفر من الصحابة يقتلون وتأول الثلمة فى سيفه برجل يصاب من أهل بيته وتأول الدرع بالمدينة ،،

ونصحهم بالتحصن فى المدينة فإن أقام المشركون بمعسكرهم أجهدهم البقاء وإن غامروا بدخول المدينة قاتلهم المسلمون فى الطرقات والنساء من فوق البيوت إلا أن جمعًا من فضلاء الصحابة وبعضهم ممن فاته الخروج يوم بدر استبد بهم الحماس والرغبة فى الجهاد وطلب الشهادة فأصروا على الخروج إلى قريش وجيشها قائلين :-
كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله فقد ساقه إلينا وقرب المسير اخرج إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وكان فى مقدمة هؤلاء المتحمسين سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب فتراجع الرسول -صلى الله عليه و سلم - عن رأيه أمام رأى الأغلبية وإصرارها واستقر الرأى على الخروج من المدينة ولقاء الأعداء خارجها .

تنظيم جيش المسلمين ،،،،

جلس الناس ينتظرون خروج رسول الله من داره بعد أن صلى بهم الجمعة والعصر ثم دخل بيته مع رفيقيه أبى بكر وعمر وتحدث سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير إليهم قائلين بصيغة المعاتبة:-
استكرهتم رسول الله على الخروج فردوا الأمر إليه فندم الناس على ما صنعوا حتى إذا خرج إليهم المصطفى - صلى الله عليه و سلم - بادروه قائلين :-
إن أحببت أن تمكث فى المدينة فافعل !
لكنه قال لهم:-
ما ينبغى لنبى إذا لبس لامته - أى درعه - أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ،،
ثم قسم جيشه إلى كتائب ثلاث :-
((
كتيبة المهاجرين ويحمل لواءها مصعب بن عمير العبدرى وكتيبة الأوس ويحمل لواءها أسيد بن حضير وكتيبة الخزرج ويحمل لواءها الحباب بن المنذر ))
وبلغ قوام الجيش ألف مقاتل فيهم مائة دارع وخمسون فارسًا واستعمل النبى - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ابن أم مكتوم وتحرك الجيش تجاه أحد .

الطريق إلى أحد ,,,,

تحرك الجيش المسلم إلى الشمال تحت قيادة النبى - صلى الله عليه وسلم - والسعدان
(( ابن عبادة وابن معاذ )) يعدوان أمامه ،،،
وقد ارتديا درعيهما ووصل الجيش إلى مقام يقال له " الشيخان " فرد الصغار وصلى المغرب والعشاء وبات هنالك ،،
وتولى محمد بن مسلمة قيادة خمسين رجلاً مهمتهم حراسة جند المسلمين وقام ذكوان بن عبد القيس بحراسة النبى - صلى الله عليه وسلم - خاصة وسار النبى - صلى الله عليه وسلم - قبيل طلوع الفجر حتى بلغ الشوط فصلى الفجر وحينها حدث تمرد المنافقين بقيادة عبدالله بن أبى ثم واصل الجيش سيره حتى أعاقه معسكر المشركين عن الوصول إلى جبل أحد ،،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:-
من رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أى من قريب - من طريق لا يمر بنا عليهم ؟
فنهض أبو خيثمة قائلاً : - أنا يا رسول الله .

ومر بالجيش بمزارع بنى حارثة تاركًا معسكر المشركين إلى الغرب وفى طريقه هذا مر ببستان مربع بن قيظى وكان منافقًا ضرير البصر فقذف التراب فى وجه الجيش قائلاً:-
لا أحل لك أن تدخل حائطى إن كنت رسول الله وأراد بعض الجيش أن يقتله فنهاهم النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً : -
لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر ونفذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل شعب الجبل فعسكر بجيشه مستقبلاً المدينة وجيش قريش يحول بينه وبينها والمتأمل فى اختيار النبى -صلى الله عليه وسلم - لهذا الموقع يدرك ما به من تعبئة معنوية لجند المؤمنين حين يجدون طريقهم إلى المدينة مارًّا بجيش قريش وما به من حرب معنوية لجند المشركين حينما يجدون أنفسهم وقد حوصروا بين المدينة وجيش محمد الذى قطع عليهم طريق عودتهم إلى مكة فيدركون أى جيش هذا الذى يريدون قتاله .

رد الصغار ،،،،

عند موضع يقال له " الشيخان " كان فى طريق المسلمين إلى أحد التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جيشه فوجد جمعًا من صغار السن ممن لا يطيقون القتال قد دسوا أنفسهم بين صفوف الجيش لا يرغبون إلا فى الجهاد فى سبيل الله ولا يطمعون إلا فى شهادة يلقون بها ربهم لكنه أشفق عليهم من ويلات الحروب فردهم ،،
ووقف أحدهم واسمه رافع بن خديج يأبى الرجوع لأنه ماهر فى رماية النبل فأجازه النبى - صلى الله عليه وسلم - لذلك ؛
غير أن سمرة بن جندب صاح حينها قائلاً:- أنا أقوى من رافع أنا أصرعه .
فأمره رسول الله أن يصارعه فصرعه سمرة وقد أبدى من فنون القتال ما أعجب النبى - صلى الله عليه وسلم - فأجازه أيضًا .

تمرد المنافقين ,,,,

ما إن قارب جيش المسلمين أحدًا وصار يرى المشركين فيرونه حتى أسفر رأس المنافقين عبدالله بن أبى عن وجهه ورفع عقيرته قائلاً:-
ما ندرى علام نقتل أنفسنا؟ ثم أظهر المنافق احتجاجه على أخذ الرسول برأى الأغلبية فى الخروج إلى المدينة وكأنه لم يتذكر هذا الأمر إلا الآن !
ولا شك أن ابن أبى قد أظهر الآن ما قد نواه من بعيد من إحداث الاضطراب والبلبلة فى صفوف المسلمين قبيل دخولهم المعركة وقد همت بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج أن تعودا معه وتفشلا ،،

ولكن الله العليم بصلاح نفوسهما ثبتهما على الحق أما ابن أبى فقد عاد إلى المدينة ومعه ثلاثمائة مفضوح من المنافقين هو رأسهم ! وما كان قوله لعبد الله بن حرام حين عدا خلفهم يذكرهم ويقول لهم:-
تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا ما كان قوله سوى لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع !
وعاد ابن حرام يقول:- أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم نبيه وكانت هذه الواقعة هى أول واقعة يبدو للمسلمين فيها مكر المنافقين وما تخفيه قلوبهم .

وسجل القرآن هذه الأحداث في قوله تعالى :-
{
وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون }
( آل عمران : 166 - 167 )

وكاد هذا الموقف أن يؤثر على المؤمنين من بني سلمة وبني حارثة فيتبعوهم ، ولكن الله عصمهم بإيمانهم ، وأنزل فيهم قوله :-
{
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون
} ( آل عمران : 122 )


خطة الدفاع ،،،،

رغم أن قريشًا سبقت الرسول والمسلمين إلى موقع المعركة إلا أنها لم تفد من ذلك شيئًا أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد حمى ظهره ويمينه بارتفاعات الجبل وحمى ميسرته وظهره بخمسين راميًا أمرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يصعدوا على جبل سمى فيما بعد بجبل الرماة ،،،
وكان يقع على بعد مائة وخمسين مترًا جنوب شرقى معسكر المسلمين وعهد إلى عبدالله بن جبير بقيادة هذه الفصيلة ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - وجه أمره حازمًا إلى ابن جبير فقال:-
انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتون من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك .

وبهذا التوجيه النبوى سد الثغرة الوحيدة التى كان من الممكن لجيش المشركين أن يتسللوا خلالها ولا شك أن اختيار الموضع المرتفع له ميزة الاحتماء به إن نزلت بالمسلمين الهزيمة دون اللجوء للفرار مع الخسائر التى ستصيب المشركين والصعوبات التى ستواجههم إن حاولوا اللحوق بجيش المسلمين وعندها سيصعب على قريش الإفلات من محمد - صلى الله عليه وسلم - وجيشه ،،
وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو على الميمنة والزبير بن العوام يسانده المقداد بن الأسود على الميسرة وإلى الزبير أسندت مهمة الصمود فى وجه فرسان خالد بن الوليد وانتخب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعة متميزة من شجعان المسلمين فجعلهم فى مقدمة الصفوف ليعوض نقصه العددى .


التعبئة المعنوية ،،،،

بينما صفوف الجيشين قد تراصت وتأهبت للقتال إذ سمع على بن أبى طالب رسول الله وقد جرد سيفًا باترًا ورفعه بيده وهو يقول:-
من يأخذ هذا السيف بحقه ؟
فذهب إليه رجاء أن يأخذه وكذلك فعل الزبير وعمر ورجال غيرهم ,,
لكن أبا دجانة سماك بن خرشة ذهب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وسأله:-
وما حقه يا رسول الله ؟
فقال:- أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحنى ،
فأجابه أبو دجانة:-
أنا آخذه بحقه يا رسول الله ،
فأعطاه النبى إياه ،
وما إن تسلَّمه أبو دجانة حتى أخرج عصابة حمراء فعصب بها رأسه وكانت الناس تعلم منه أن ذلك إشارة إلى قتاله حتى الموت ومشى بين الصفوف يتبختر ليرهب عدوه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : -

أنا الذي عاهدني خليلي **** ونحن بالسفح لدى النخيل

ألا أقوم الدهر في الكيول **** أضرب بسيف الله والرسول

ينظر إليه ويقول:- إنها لمشية يبغضها الله إلا فى هذا الموطن ،
ثم التفت محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جيشه ونهاهم عن القتال حتى يأمرهم وحرضهم على المثابرة والجلد وأشعل حماسهم للجهاد فى سبيل الله ورغبهم فى الجنة .

تعبئة الجيش المكى ،،،،

جلس أبو سفيان على فرسه فى قلب الجيش المكى ونظر إلى ميمنته فوجد خالدًا عليها وإلى ميسرته فاطمأن إلى قيادة عكرمة لها وتجول بين الصفوف ليتثبت من قيادة صفوان بن أمية للمشاة وعبدالله بن أبى ربيعة للرماة ورغم أن جيشه يفوق عددًا أربعة أمثال جيش المسلمين وعتادًا ما فوق ذلك بكثير إلا أن هاجس بدر لا زال يلاحقه فيصيبه بالاضطراب،،،

وتذكر أبو سفيان أسر النضر بن الحارث العبدرى حامل لواء المشركين يوم بدر وما جره ذلك عليهم من الخزى والهزيمة فالتفت إلى بنى عبد الدار وهم حملة اللواء فى كل حرب فاستفزهم قائلاً:-
قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه ،،

وكانت هذه الكلمات كافية لإثارة بنى عبد الدار فهموا به وتوعدوه وقالوا له:-
نحن لا نسلم إليك لواءنا ستعلم غدًا إذا التقينا كيف نصنع ووصل أبو سفيان إلى هدفه وصدق بنو عبد الدار فى حمل لوائهم فما مر من المعركة إلا شطرها حتى أبيدوا عن بكرة أبيهم !

مؤامرات الفرقة ،،,،

بعث أبو سفيان إلى الأنصار رسالة يقول فيها :-
خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم ،،

ولم يدر حينها أن للأنصار ألف حاجة وحاجة لقتاله وجيشه المشرك فردوا عليه ردًّا عنيفًا وأسمعوه ما يكره لكن قريشًا لم تكتف بفشلها الأول وسعت بغباء إلى تكراره فقدمت أبا عامر الفاسق وكان يلقب بالراهب لكنه فقد منصبه كرئيس للأوس بقدوم الإسلام فذهب إلى قريش يحرضها ويعلن عداوته قدمته لينادى على الأوس قائلاً :-
يا معشر الأوس أنا أبو علم ولم تمهله الأوس فرصة يتم فيها حديثه بل بادرته بقولها:-
لا أنعم الله بك عينًا يا فاسق فبهت الرجل وقد كان يظن أنها ما إن تسمع صوته حتى تلبى نداءه وقال فى تعجب:-
لقد أصاب قومى بعدى شر ! وما إن بدأ القتال حتى حاربهم حربًا شديدة وأخذ يقذفهم بالحجارة !

جهود نسوة قريش ،،،،

خمس عشرة امرأة كانت فى رفقة جيش المشركين بأحد تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان والتى كانت كبدها تحترق لمقتل أبيها وعمها وأخيها فى أولى لحظات يوم بدر ،،
وقد دفعها الحقد إلى أن تطلب من الجيش وهو فى طريقه إلى أحد أن ينبش قبر أم محمد - صلى الله عليه وسلم - لكن قريشًا خشيت عاقبة هذا الصنيع فرفضت طلبها أما الآن وقد حمى وطيس المعركة فمن ذا يلومها ؟!

أخذت هند وصواحبها يتجولن فى الصفوف يضربن الدفوف ويستنهضن الرجال ويحرضن على القتال ويحمسن الخامل والكسلان حتى إذا انتهت المعركة شاركن ذئاب قريش تشويه شهداء المسلمين فمثلن بجثثهم وصنعن من آذان الشهداء وأنوفهم وفروجهم خلاخيل وقلائد !!
وبقرت هند كبد حمزة ثم لاكتها بفمها لكنها لم تسغها فلفظتها .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أحداث المعركه ،،،،

أشعل الزبير أول وقود المعركة ثم اندلعت نيرانها واحتدم القتال حول لواء المشركين وفى بقية النقاط ورغم خسارة المسلمين بمصرع حمزة إلا أنهم تمكنوا من السيطرة على الموقف وبفضل حماية الرماة للمسلمين تمكنوا من إنزال الهزيمة بالمشركين لكن هؤلاء الرماة ما كادوا يغادرون مواقعهم حتى قام خالد بخطة التطويق فتبدد المسلمون وانقلبت موازين المعركة وفى هذا الوقت العصيب ثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومرت به أحرج ساعة فى حياته حتى تجمع الصحابة حوله وهنا تضاعف ضغط المشركين فظهرت بطولات نادرة لحماية الرسول فى هذا الوقت وواصل المسلمون المعركة حتى نهايتها .

أول وقود المعركة ،،،،

كبش الكتيبة ~ هكذا سمى المسلمون طلحة بن أبى طلحة العبدرى حامل لواء المشركين لفرط شجاعته خرج هذا الكبش عن صف قريش راكبًا على جمل يدعو المسلمين إلى المبارزة فأحجم الناس عنه لمعرفتهم به !

لكن الزبير بن العوام فاجأ الجميع مرة حين تقدم إليه ليبارزه ثم فاجأهم مرة أخرى حين وثب على طلحة وهو على جمله فسقط به على الأرض ثم دفعه عنه وذبحه بسيفه فى لحظة واحدة لقد أتم الزبير مهمته قبل أن يرتد إلى الناس طرفهم فكبر النبى - صلى الله عليه وسلم - وكبر المسلمون وقال النبى - صلى الله عليه وسلم - حينها :-
إن لكل نبى حواريًا وحواريى الزبير .

القتال حول لواء المشركين ،،،،

كان ما توقعه وخاف منه أبو سفيان وهو ينظم جيشه صحيحًا فما إن بدأت المعركة واستعرت نارها حتى صارت كلماته لحامل لوائه واقعًا يتجسد فما هى إلا لحظات وكان طلحة بن أبى طلحة العبدرى قد لقى حتفه ثم ما هى إلا دقائق حتى كان ستة من أهل بيته قد تبعوه بطعنات من سيوف المسلمين أو سهامهم ورفع اللواء بعد ذهاب هؤلاء السبعة ثلاثة من بنى عبد الدار فواجهوا ما لاقاه سالفوهم وهنا حمل اللواء غلام حبشى لبنى عبد الدار يقال له صواب فقاتل باستماتة وأظهر من الشجاعة ما لم يظهره أسياده الذين ولّوا حتى قتل المسكين وهو يقول:-
اللهم هل أعذرت ولم يبق للواء بعده إلا أقدام المسلمين وحوافر دوابهم تدوسه وهى لا تدرى !

القتال فى بقية النقاط ،،،،

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
صخرة أحد

وسط غبار المعركة الكثيف كان يتبدى للرائى منظر عجيب سبعمائة من جنود المسلمين يجتاح جمعهم ثلاثة آلاف من جنود الشرك وبين صيحات المعركة كان نداء المسلمين :- " أمت أمت " يشق ضجيجها ويصل حناجر المسلمين بأبواب السماء أبو دجانة قد عصب رأسه شارته الحمراء وصار لا يلقى أحدًا من المشركين إلا قتله بسيف رسول الله وحنظلة بن أبى عامر -أبى عامر الفاسق- وهو حديث عهد بعرس قد ترك عروسه وأسرع جنبًا للقتال ليشق صفوف المشركين ويهدهم هدًّا حتى إذا كاد سيفه يطيح برقبة أبى سفيان لقى ربه شهيدًا على يد شداد بن الأسود وأينما التفت المرء يمنة أو يسرة لم يلق إلا مظاهر البسالة والإقدام من جيش المسلمين والخلل والاضطراب فى صفوف أعدائهم .

مصرع حمزة (( أسد الله )) ،،،،،

" ذلك الذى فعل بنا الأفاعيل "

كانت هذه هى شهادة أمية بن خلف على صنيع أسد الله حمزة بقريش فى يوم بدر ،،
والحق كما يقولون ما شهدت به الأعداء أما فى يوم أحد فإن صفوف المشركين المتراصة قد أطاح بها فى لحظات سيف حمزة كان حمزة يخترق قلب الجيش المشرك كأنه جيش وحده لكن على مسافة منه كانت هناك عينان ترقبان ونفس تتشوق ويدان تمسكان بالحربة كان هناك وحشى بن حرب ،، عبد جبير بن مطعم الذى وعده سيده إن قتل حمزة عوضًا عن قتل عمه طعيمة فهو حر وبينما وحشى يتخفى ويترقب وهو مصروف عن قتال لا ناقة له فيه ولا جمل ،،
إذ بسباع بن عبد العزى يتجه إلى حمزة ليقتله فلم يمهله حمزة وأطاح رأسه بضربة واحدة ووجدها وحشى فرصة سانحة فهز رمحه حتى اطمأن ثم رماه به فوقع فى أحشائه حتى خرج من بين رجليه وتركه وحشى حتى فاضت روحه ثم ذهب إليه فنزع رمحه وعاد إلى معسكره فقعد فيه وقد قضى حاجته .

يقول وحشي :-
خرجت أنظر حمزة أتربصه حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ، فهززت حربتي ، حتى إذا رضيت عنها دفعتها إليه فوقعت في أحشائه حتى خرجت من بين رجليه ، وتركته وإياها حتى مات .

السيطرة على الموقف ،،،،

لم يكن حمزة جنديًا قتل إنما كان ركنًا من أركان الجيش إذا أصابه سوء أدرك ذلك كل من بالمعركة عدوًا كان أم صديقًا لكن المسلمين وقد فقدوا هذا البطل العظيم صمدوا فى بسالة أمام عدوهم وأظهر أبطالهم (( أبو بكر، وعمر، وعلى، والزبير، ومصعب، وطلحة بن عبيد الله، وعبدالله بن جحش، وسعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وأنس بن النضر )) وغيرهم من أبطال المسلمين أظهروا من صنوف الجهاد والقتال ما فل عزائم المشركين وفت فى عضدهم .

حماية الرماة للمسلمين ،،،،،

ثلاث هجمات شديدة متوالية هى ما قام به خالد بن الوليد قائد ميمنة الجيش المشرك يعاونه أبو عامر الفاسق ليحطموا ميسرة الجيش المسلم ويتسربوا خلف ظهره لكنها باءت جميعًا بالفشل والخيبة أما سر هذا الفشل لقائد خبير كخالد بن الوليد فهو ما صنعه رماة المسلمين بقيادة عبدالله بن جبير من فوق جبلهم فقد رموهم بالنبل ورشقوهم بسهامهم فعادوا أدارجهم دون غنيمة أو ظفر .



هزيمة المشركين ،،،،

الثأر والانتقام من محمد وإعادة العز والمجد لقريش أهداف لطيفة لكن الألطف منها الحياة فى ظل مكة والتجارة فى أسواقها هذا ما كان يدور بذهن كل مشرك يوم أحد وسيوف المسلمين تعمل فيهم الطعن والقتل لقد خارت عزائم قريش وانكسرت سيوفها أمام هذا الصمود الإسلامى وهذه الشجاعة النادرة وأصبح الواجب على المشركين الآن أن يلوذ كل منهم بالفرار طمعًا فى حياته وقد أسرعوا جميعًا لتأدية هذا الواجب النبيل !

أما نساء المشركين فإنهن وقد رأين ما صنع الرجال شمرن عن سوقهن وأسرعن يهربن وهن يولولن بصوت ذى نحيب ولم يبق للمسلمين حينها إلا ملاحقة الفُرَّار وحصد غنائمهم ومتاعهم .

الرماة يغادرون مواقعهم ،،،،

إن خمسين راميًا قائدهم عبدالله بن جبير قد وقفوا على ظهر جبل الرماة كانوا سببًا فى حماية المسلمين لكن هزيمة المشركين قد أنستهم أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بملازمة مواقعهم مهما كانت نتيجة المعركة وفى لحظات كان أربعون رامٍ قد هبطوا واختفوا فى سواد جيش المسلمين يشاركون إخوانهم ملاحقة الكافرين وحصد متاعهم أما عبدالله بن جبير فإنه ثبت فى مكانه وكرر نصحهم فلم يبق منهم معه سوى تسعة نفر التزموا مواقعهم حتى يؤذن لهم أو يبادوا .

خطة التطويق ،،،،

إن قائدًا كخالد لا تفوته فرصة كترك الرماة لمواقعهم وإن غفل عنها الفارون من جيشه العليل فما إن هبط الأربعون راميًا عن مواقعهم التى حددها لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى كانت خيل خالد قد استدارت لتحصد أرواح عبدالله بن جبير وأصحابه التسعة ثم تسرع راكضة لتحيط بالمسلمين من خلفهم ثم يطلق خالد وجنده من فوق ظهورها صيحات ليعلم المشركون بالتطور الجديد وفى لحظات تبدد المسلمون بعد أن حوصروا من كلتا الجهتين وذهبت عمرة بنت علقمة الحارثية فالتقطت لواء المشركين الذى سقط عن عشرة قتلى من بنى عبد الدار وعبد لهم دون أن يرفعه أبو سفيان أو غيره أثناء قيامهم بالفرار الكبير رفعته ليتجمع حوله جند المشركين ينادى إليه بعضهم بعضًا .

تبدد المسلمين ،،،،

الله ناصر جنده الضعفاء ما أطاعوه واستنفدوا الوسائل أما إن عصوه فلا يلومُنَّ إلا أنفسهم إن وطئت رقابهم أقدام الكافرين الغليظة إن المسلمين وقد تعلموا شطر هذا الدرس فى بدر كانوا لا يزالون بحاجة لأن يتعلموا شطره الأخير والحق أنهم تعلموه فى أحد وكان درسًا غاليًا !
أما بعض الجيش فقد فر باتجاه المدينة حتى دخلها وأما بعضه الآخر فقد صعد الجبل هربًا من سيوف قريش وأما فريق ثالث فقد رجعوا إلى الخلف فاختلطوا بالمشركين،،

ونادى فيهم إبليس:- أى عباد الله أخراكم -أى احترسوا من مؤخرتكم - فاختلط الأمر عليهم حتى قتل بعضهم بعضًا ووسط هذا الهرج انطلق صوت خبيث يعلن أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد قتل ،،
فانهارت نفوس المسلمين وانطفأت شعلة حماسهم حتى إن بعضهم قد ألقى السلاح تراخيًا وفكر آخرون فى الاتصال بابن أبى ليأخذ لهم الأمان من أبى سفيان،،
لكن الله - عز وجل - هيأ فى هذه اللحظة العصيبة للمسلمين نفوسًا أبت الدعة وشمرت فى طلب الشهادة منهم أنس بن النضر الذى صاح بالمسلمين وقد حمل سيفه وخاض فى صفوف المشركين قائلاً:-
قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله .

ومنهم ثابت بن الدحداح الذى قاتل كتيبة خالد ببسالة حتى قتل بعد أن ترك فى المسلمين وصيته:- إن كان محمد قد قتل فإن الله حى لا يموت قاتلوا عن دينكم فإن الله مظفركم وناصركم،،
وقد شجعت هذه المواقف المسلمين فقاتلوا بضراوة حتى تجمعوا حول مركز منيع باشروا منه قتال المشركين والصمود أمامهم والحق أن فريقًا رابعًا كان همه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكرّوا إليه وكان فى مقدمتهم:- (( أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب )) وغيرهم .

ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم -

إن مشهد المسلمين وهم يعدون خلف قريش قد تبدل أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى لحظات وفوجئ النبى بفرسان خالد تهاجمه وقد أزاحت بقية الرماة من طريقها إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لا يرى الآن من جيشه أحدًا اللهم إلا تسعة نفر كانوا حوله سبعة من الأنصار ومهاجرين فماذا يصنع النبى -صلى الله عليه وسلم- فى هذا الظرف العصيب؟

هل يلوذ بالجبل فينجو بنفسه وأصحابه التسعة مترقبًا ما يحدث لجيشه المهزوم؟
إنه إن فعل ذلك فلن يلام فهل من المطلوب أن يقف فى تسعة نفر لينقذ جيشًا بأكمله مواجها فى ذلك جيشًا بأسره بالطبع لا !

لكن ما حدث هو أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وقف فعلاً فى تسعة نفر لينقذ جيشًا بأكمله مواجهًا بذلك جيشًا بأسره فقد قرر أن يخاطر بنفسه ويدعو أصحابه إليه حتى إذا تجمعوا انسحب بهم إلى الشعب فصرخ فى المسلمين:-
هلم إلى أنا رسول الله .

وكان يعلم - صلى الله عليه وسلم - أن صوته سيبلغ المشركين - إذ هم أقرب إليه - فيأتون نحوه وقد أتوا فجالدهم حتى أرهقوه فقال:-
من يردهم عنا وله الجنة ؟

فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم أتعبوه ثانية ، فعاد - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قاله فتقدم رجل أنصارى آخر حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة وكان آخرهم عمارة بن يزيد بن السكن أسقطته جراحه فمات وخده موسد بقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد مرت به فى هذا الوقت أحرج ساعة فى حياته .


أحرج ساعة فى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -

إن سقوط سبعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلى فى دقائق معدودة قد أوقع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى مأزق عسير إذ لم يبق حوله سوى رجلين طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبى وقاص وفى لحظات قليلة كانت ذئاب قريش قد تجمعت تعوى رجاء أن تنهش جسد نبى الهدى وبالفعل رمى عتبة بن أبى وقاص الرسول بالحجارة فوقع على الأرض وكسرت رباعيته السفلى اليمنى ،،

كما أنه وقع في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها ثم غطاها بالقش والتراب ، فشج رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يمسح الدم قائلا :-
كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم !

كما أصيبت شفته بكدمة أليمة وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهرى فشجه فى جبهته وأسال الدم على وجهه والنبى - صلى الله عليه وسلم - يقول:-
اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله .
ثم ما لبث فترة فتحركت الرحمة فى قلبه فعاد يقول:-
اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون .

وجاء عدو الله عبد الله بن عبد الله بن قمئة فضرب النبى - صلى الله عليه وسلم - على عاتقه ضربة عنيفة ظلت تؤلمه شهرًا بأكمله لكنه لم يستطع أن يهتك الدرعين فعاود بضربة شديدة على وجنته - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر الذى يستر به النبى وجهه فى وجنته ،،
وقال:- خذها وأنا ابن قمئة ،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم عن وجهه :
أقماك الله .

وفى هذه الأثناء كان سعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله يقاتلان قتال الليوث دفاعًا عن النبى -صلى الله عليه وسلم - فأما سعد فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره بالرمى وكان ماهرًا به داعيًا له بقوله:-
ارم فداك أبى وأمى وما جمعهما فى دعاء لأحد سواه قط !

وأما طلحة فإنه قاتل بضراوة حتى وجد سيفًا يوشك أن يصيب النبى - صلى الله عليه وسلم - فاتقاه بيده فقطعت أصابعه وجرح يومها بضعًا وثلاثين جرحًا حتى خرّ ساقطًا بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - والصحابة قد بدأوا يتجمعون حوله من جديد .

تجمع الصحابة حول الرسول ،،،،

حين تبدد المسلمون واختلط حابلهم بنابلهم وانقلبت فى لحظات موازين المعركة تلفت أبو بكر الصديق حوله يفتش بعينين قلقتين عن محمد - صلى الله عليه وسلم - وتداعى إلى سمعه نداء النبى فأسرع يعدو تجاهه .

ووسط حلقة من المشركين وجد أبو بكر - رضى الله عنه - محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يقاتل وبين يديه رجل يدافع عنه ويحميه بنفسه وكان طلحة بن عبيد الله وفوجئ أبو بكر بمن يدركه ويسعى معه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يكاد يطير وكان أبا عبيدة بن الجراح وما إن وصلا حتى كانت كوكبة من الصحابة قد بدأوا يتقاطرون على النبى - صلى الله عليه وسلم - إدراكًا له ودفاعًا عنه منهم:- (( أبو دجانة، ومصعب، وعلى، وسهل بن حنيف، ومالك بن سنان، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وقتادة بن النعمان، وعمر بن الخطاب، وأبو طلحة، وحاطب بن أبى بلتعة )) .

وانكفأ أبو بكر على نبيه - صلى الله عليه وسلم - لينزع عنه حلقتى المغفر فسبقه أبو عبيدة قائلاً:- ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتنى ثم أخذ بفيه فجعل يخرجه رويدًا رويدًا حتى لا يؤذى النبى فما خرجت الحلقة إلا وسقطت سن أبى عبيدة وتقدم أبو بكر لينزع الأخرى إلا أن أبا عبيدة صاح به:- ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتنى فصنع بها كما فعل بالأولى حتى خرجت وسقطت بخروجها ثنية أبى عبيدة الأخرى وفى هذه الأثناء كان الصحابة يدفعون عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ضغط المشركين العنيد .

ضغط المشركين ،،،،

ظلت هجمات المشركين وضغوطهم تتوالى على النبى - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين وسقط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حفرة من الحفر التى كان أبو عامر الفاسق يكيد بها فأصيبت ركبته - صلى الله عليه وسلم - إصابة شديدة وأخذ على بيده واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى يعيناه على الوقوف وظل النبل يأتى من كل ناحية تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطيش عنه بحماية الله وحفظه .

أما المسلمون فقد قاموا ببطولات نادرة دفعت الخطر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وأعادت الصمود إلى جيش المسلمين حتى يتمكنوا من الانسحاب إلى الشعب .


بطولات نادرة ،،،،

إن هزيمة أحد لم تمنع الإسلام من أن ينتصر ويسود فى النهاية وإن قتل بعض المجاهدين لم يمنعهم من الخلود فى الدنيا فقد كانوا سيموتون على كل حال !
لكن الذى خلد وبقى لنا - نحن الذين نطالع يوم أحد بعد مئات السنين - هو هذه البطولات العظيمة النادرة التى ما كان لها أن تقع فى غير هذا الموقف العصيب !

جعل أبو طلحة من صدره سورًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو يرمى المشركين بسهامه رميًا عنيفًا شديدًا حتى لقد كسر قوسان أو ثلاثة فى يده وهو يستقبل بصدره نبلهم ويتطلع النبى -صلى الله عليه وسلم - ليرى أين يصل سهم أبى طلحة فيشفق عليه ويقول له: -
بأبى أنت وأمى لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحرى دون نحرك !

أما أبو دجانة فقد صنع من ظهره درعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو يقف أمامه يستقبله بوجهه وسهام المشركين ترشق فى ظهره وهو لا يتحرك ،،
وتبع حاطب بن أبى بلتعة عتبة بن أبى وقاص أخا سعد وهو الذى تسبب فى كسر رباعية المصطفى - تبعه حاطب حتى أطار رأسه من فوق كتفيه ،،

وقاتل عبدالرحمن بن عوف قتالاً شديدًا حتى أصيب بعشرين جرحًا بعضها أصاب فمه فهتم وأصاب بعضها رجله فعرج ،، وامتص مالك بن سنان الدم السائل من وجنة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى أنقاه ,,
فقال النبى -صلى الله عليه وسلم -:- مجه ،،
فقال مالك:- والله لا أمجه أبدًا .

ثم انطلق يقاتل ونبى الله يقول:-
من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ،،
فقتل شهيدًا وكان مصعب بن عمير يقاتل بضراوة بالغة وهو يحمل لواء المسلمين فضربوه على يده اليمنى حتى قطعت فأخذ اللواء بيسراه فضربوه عليها فقطعت فبرك على اللواء بصدره وعنقه حتى قتله ابن قمئة وهو يظن أنه محمد - صلى الله عليه وسلم - لشبهه به .

وكان لأم عمارة نصيب كبير فى البطولة يومئذ فقد اعترضت ابن قمئة وضربته بسيفها عدة ضربات لم ينجه منها إلا درعاه وضربها على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوف سوى اثنى عشر جرحًا أصيبت بها يومها .

إشاعة مقتل النبى - صلى الله عليه وسلم -

ظن عدو الله ابن قمئة أنه قتل محمدًا وهو قتل مصعب بن عمير شبيه الرسول عليه الصلاة والسلام , فعدا يصيح فرحًا بفعلته ، وشاع خبر مقتل النبى - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والكافرين على سواء ، فانهارت معنويات المسلمين ، حتى رفعها بعض الصحابة كأنس بن النضر وغيره ، واعتقد المشركون أنهم وصلوا إلى غايتهم ، فانشغلوا عن مقاتلة المسلمين بتشويه شهدائهم الأبرار .

نهاية المعركة ،،،،،

قام الرسول - صلى الله عليه و سلم - بعملية انسحاب إلى شعب الجبل ولم تكن تلك العملية بالعملية السهلة بل احتدم القتال فيها حتى آخر لحظة وانشغل صناديد قريش بتشويه الشهداء أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد انتهى إلى مقره فى الشعب فشرب وغسل جرحه وأقبل أبو سفيان قبيل انصراف المشركين معلنًا شماتته وواعده المسلمون الملاقاة ببدر فى العام التالى ثم بعث النبى - صلى الله عليه وسلم - عليًّا للتثبت من موقف المشركين فوجدهم انصرفوا فالتفت المسلمون إلى تفقد الجرحى ودفن الشهداء وقبل أن يغادر الجيش أرض المعركة وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه يدعون ربهم ويثنون عليه ثم قفلوا راجعين إلى المدينة فباتوا ليلتهم وفوجئوا فى الصباح برسول الله يدعوهم للخروج فى إثر قريش فساروا حتى بلغوا ثمانية أميال من المدينة ثم عسكروا وسمى هذا الخروج بغزوة حمراء الأسد والتى تعتبر تتمة لغزوة أحد .

الانسحاب إلى الشعب ،،،،،

نادى الرسول في أصحابه قائلا :-
هلموا إلي عباد الله .. هلموا إلي عباد الله .
فتجمع الصحابة حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصدوا ضغط المشركين وحملتهم على لواء المسلمين فقاتلوا قتالاً شديدًا واستطاع النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق ورآه كعب بن مالك فعرفه ونادى بأعلى صوته:-
يا معشر المسلمين أبشروا ! هذا رسول الله فأشار إليه النبى - صلى الله عليه وسلم - أن اصمت !
ليخفى بذلك عن المشركين وفى الحال تجمع ثلاثون صحابيًا حوله وهنا قاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جيشه إلى انسحاب منظم فى اتجاه شعب الجبل شاقًا طريقه بين المهاجرين من قريش ,,

وصرخ عثمان بن عبد الله بن المغيرة وهو يتجه بسيفه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم: لا نجوت إن نجا فواجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن فرسه عثرت فى بعض الحفر فانقض الحارث بن الصمة على عثمان فضرب رجله فأقعده ثم أجهز عليه وأخذ سلاحه والتحق بالنبى لكن عبد الله بن جابر المشرك انتفض بسيفه على عاتق الحارث فجرحه حتى حمله المسلمون وفى الحال ظهر بطل المسلمين أبو دجانة فعاجل عبد الله بن جابر بضربة سيف أطارت رأسه !

والعجيب أن المسلمين وسط هذا القتال المرير كان يتغشاهم النعاس أمنة من الله كما تحدث بذلك القرآن :-
((
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم }
( آل عمران : 154 )
يقول أبو طلحة رضي الله عنه واصفاً تلك الحال : -
" كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مراراً ، يسقط وآخذه ، ويسقط فآخذه " .

واستمر انسحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته حتى شقوا للجيش المسلم طريقًا إلى هذا المقام المأمون فلحقوا بهم لكن المشركين لم يرضهم ذلك فقاموا بهجوم كان الأخير لهم فردهم المسلمون خائبين وسعى أبى بن خلف ليقتل النبى -صلى الله عليه وسلم- فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى آية عجيبة وهكذا تجلت عبقرية الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحربية والتى فاقت عبقرية خالد وانتصرت عليها ولئن كانت أحد هزيمة للمسلمين فإن انسحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- بها كان نصرًا لهم أنقذ به جيشًا بأسره من هلاك محتوم وقلص عدد الشهداء فلم يزيدوا على السبعين .

آخر هجوم للمشركين ،،،،،

قامت فرقة من قريش يقودها أبو سفيان وخالد بن الوليد بمحاولة لصعود الجبل الذى انحاز إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- داعيًا ربه:-
اللهم لا ينبغى أن يعلونا . وقاتلهم عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم وقد أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبى وقاص أن يصرفهم قائلاً له:-
أجبنهم .
لكن سعدًا تعجب: كيف أجبنهم وحدى؟
وكررها ثلاثًا ،،، ثم أخذ سهمًا من كنانته فرمى به رجلاً فقتله ثم أخذ السهم نفسه فرمى به آخر فقتله فأخذه ورمى به ثالثًا فقتله فهبط القوم مسرعين من سوء ما لحق بهم وأخذ سعد السهم قائلاً:- هذا سهم مبارك فجعله فى كنانته فكان عنده حتى مات ثم كان عند بنيه .

مقتل أبى بن خلف ،،،،،

بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصعد شعب الجبل مع أصحابه إذا بصوت يلاحقه قائلاً :-
أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا وإذا بقائله عدو الله أبى بن خلف ،،
فقال المسلمون:- يا رسول الله أيعطف عليه أحد منا ؟
فقال النبى -صلى الله عليه وسلم-:- دعوه .
حتى إذا دنا منه تناول - صلى الله عليه وسلم - الحربة من الحارث بن الصمّة ثم طعنه فى ترقوته من فرجة بين الدرع والبيضة ،،،
فتدحرج أبى عن فرسه مرارًا وعاد إلى قريش خائفًا فرقًا ،،
وهو يقول:- قتلنى والله محمد !
فقالوا له:- وقد كان مخدوشًا فى عنقه خدشًا غير كبير: والله إن بك من بأس
فأجابهم:- إنه قد كان قال لى بمكة :- أنا أقتلك .
وكان أبى يخور خوار الثور ويقول:- والذى نفسى بيده لو كان الذى بى بأهل ذى المجاز لماتوا جميعًا حتى إذا وصلوا سرف فى طريقهم إلى مكة مات هناك .


تشويه الشهداء ،،،،،

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وجيشه المنصور ببدر لم يرضهم أن يعودوا إلى المدينة وقد تركوا أجساد المشركين فى الصحراء طعمة لذئابها أما المشركون بأحد فقد تصرفوا مع قتلى المسلمين بدناءة لا تعرفها الضباع الغادرة ،،،

أخذ المشركون يظهرون شجاعتهم النادرة فى تقطيع أوصال هامدة لا تستطيع أن تحرك ساكنًا حتى نساؤهم لم يتنازلن عن حظهن فى الدناءة فشاركن الرجال تقطيع الأجساد والفروج وبقر البطون واتخذت النسوة الآذان والأنوف خلاخيل وقلائد !
وبقرت هند كبد حمزة فلاكتها ولم تستطع أن تسيغها فلفظتها بعد أن نوت أكلها !
ولئن أظهرت هذه الأحداث حطة المشركين وفساد خلقهم فلقد أفصحت أيضًا عما بقلوبهم من حقد دفين وغيظ لا ينتهى .

القتال حتى آخر لحظة ،،،،،

إنه لظلم كبير أن نتغافل عن يوم بأسره حتى إذا كانت نهايته قمنا نتساءل:- لمن كانت الدائرة اليوم؟
إن من يكتفى بهذا يفقد ولا شك مواقف عظيمة لجيش ربما غدت الدائرة فى هذا اليوم عليه وإن قتال المسلمين - وقد كسروا - حتى آخر لحظة دون كلل أو ملل سيظل فارقًا بينهم وبين من ولى ببدر دبره وأطلق ساقيه للريح فما أوقفته إلا أيدى قومه بمكة !
نظر كعب بن مالك إلى أجساد إخوانه وقد عبثت بها سيوف المجرمين ورأى كافرًا يستهزئ بهم قائلاً :- استوسقوا - أى تجمعوا - كما استوسقت جزر الغنم .

ثم رأى مسلمًا هو دونه هيئة وعدة يتربص له حتى إذا التقيا أطعمه سيفه بضربة بلغت وركه وشقته فرقتين ثم كشف عن وجهه فإذا هو أبو دجانة وأقبلت نسوة المؤمنين وفيهن عائشة وأم سليم وأم سليط ينقلن القرب على متونهن ثم يفرغنها فى أفواه القوم جيئة وذهابًا ووقفت أم أيمن فى وجه من فر من جيش المسلمين إلى المدينة فحثت فى وجوههم التراب وصاحت فيهم:-
هاك المغزل وهلم سيفك ! ثم سارعت إلى جبهة القتال بعد أن علمت ما جرى لتسقى المسلمين فرماها عدو الله حبان بن العرقة بسهم فوقعت وتكشفت فأخذ المجرم يغرق فى الضحك حتى شق ذلك على النبى - صلى الله عليه وسلم - فدفع إلى سعد سهمًا لا نصل له ،،
وقال:- ارم به .
فرماه سعد فوقع واستلقى وقد تكشف ،،
فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه ،،
ثم قال:- استقاد لها سعد فأجاب الله دعوته .

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشرب ويغسل جرحه

ذهب على بن أبى طالب بعد أن استقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى الشعب ليأتى بماء لكن النبى -صلى الله عليه وسلم- وجد له ريحًا فعافه وسكب الماء على وجهه حتى تغسل فاطمة عنه الدم لكنها - وقد وجدت الماء لا يزيده إلا كثرة - عمدت إلى قطعة من حصير فأحرقتها ثم لصقتها بجرحه - صلى الله عليه وسلم - فتوقف نزيف الدم وجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ فشرب منه النبى ودعا له بخير ثم صلى الظهر قاعدًا من أثر الجراح والمسلمون يصلون من خلفه قعودًا .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
غار أحد

شماتة أبى سفيان ،،،،

وقف أبو سفيان ينظر إلى جيشه وهو يتهيأ للانصراف ثم ساءل نفسه:- ما جدوى الرجوع ومحمد باقٍ فى صحابته ؟ لا ندرى أقتل كما يقول ابن قمئة أم لا ؟
وعاد حتى أشرف على الجبل ثم نادى:- أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه !
فقال: أفيكم ابن أبى قحافة ؟ فلم يجيبوه !
فقال: أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه !
وكان ذلك اتباعًا لأمر النبى -صلى الله عليه وسلم-. فأخرج أبو سفيان خبيئة نفسه قائلاً:-
أما هؤلاء فقد كفيتموهم .
وهنا قطع عليه عمر نشوته قائلاً:- يا عدو الله ،،،
إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله ما يسوؤك وشعر أبو سفيان بالخزى مما صنعه جيشه بقتلى المسلمين من المثلة والتشويه ،،
فقال فى تردد:- قد كان فيكم مثلة لم آمر بها ولم تسؤنى ,,
ثم قال:- " اعلُ هُبل " ،،،
فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم- أن يجيبه المسلمون قائلين:-
الله أعلى وأجل ،،،
فقال:- لنا العزى ولا عزى لكم ،،،
فأرشد النبى - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يقولوا: -
الله مولانا ولا مولى لكم ،،،
فطمأن أبو سفيان نفسه قائلاً:-
أنعمت فعال يوم بيوم بدر والحرب سجال ،،،
فأجابه عمر قائلاً:- لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار ،،،
وقد كانت كلمة حاسمة كشفت عن ميزان الإسلام فى ما يحدث من نصر أو هزيمة وهنا لم يجد أبو سفيان ما يقوله فدعا عمر إليه قائلاً:-
هلم إلى يا عمر ،،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- له:- ائته فانظر ما شأنه ؟
فجاءه ، فقال له أبو سفيان:- أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدًا ؟
فرد عمر بعد أن استبان له ما أصاب أعصاب الرجل من اهتزاز:- اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن !
فقال أبو سفيان فى مرارة:- أنت أصدق عندى من ابن قمئة وأبر .
لقد جاء أبوسفيان شامتًا لكنه دون أن يدرى كشف عن هدف انتصاره فلما أبان له المسلمون فواته عاد إلى جيشه خائبًا حسيرًا .

المواعدة للتلاقى ببدر ،،،،

أدرك أبو سفيان بعد محادثته مع عمر أنه لم يصل إلى بغيته وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لا زال حيًا يحوطه أصحابه ويتبعه جيشه وتنتظره بشوق مدينته ومن بها وغاظه ذلك فصرخ قائلاً:-
إن موعدكم بدر العام القابل ،،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل من أصحابه:- قل نعم هو بيننا وبينك موعد ،،،
فأضيف إلى معلومات أبى سفيان بهذا أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قادم إليه ليناوله مرة أخرى وظل يفكر فى هذه المعانى المؤلمة حتى طوته وجيشه الصحراء باتساعها .

التثبت من موقف المشركين ،،،،

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بحزمه وصبره لم يتراخ لرؤية أبى سفيان وجيشه وقد اختفوا عن الأنظار بل احتاط أن يكون ذهابهم إلى المدينة لا مكة فأرسل خلفهم سعد بن أبى وقاص قائلاً له:-
اخرج فى آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ؟ وما يريدون؟
فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة والذى نفسى بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم فوجدهم سعد قد امتطوا الإبل وجنبوا الخيل ذهابًا إلى مكة وإن المرء ليتعجب هنا من ميل المنتصر إلى الراحة وتحفز المهزوم إلى المناجزة وهو عجب يزول حين نعرف: ماذا كان يريد المهزوم أو المنتصر ؟!

تفقد الجرحى ودفن الشهداء ،،،،

وبعدها ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتفقّد أحوال الجرحى والشهداء ، فرأى ثُلّة من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم إلى خالقها ، فقال فيهم وفي أمثالهم :-

(
أشهد على هؤلاء ، ما من مجروح يجُرح في الله عز وجل إلا بعثه الله يوم القيامة ، وجرحه تجري دماً : اللون لون الدم ، والريح ريح المسك )
وأنزل الله تعالى قوله :-
{
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران : 169 )

عجيب أمر الناس فى هذه الأرض تتشابه أعمالهم فى الدنيا أو تختلف حتى إذا وقفوا أمام ربهم عرف كل الفريق الذى ينتمى إليه !
إن المسلمين وقد هبطوا من الجبل لتفقد جرحاهم وشهدائهم وجدوا أمرًا غريبًا أربعة بين قتلى المسلمين:- (( مسلم ومشرك ومنافق ويهودى )) : -

فأما المسلم فكان سعد بن الربيع وجدوا به سبعين جرحًا ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم وكانت آخر كلماته: لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف .

وأما المشرك فكان:- الأصيرم - عمرو بن ثابت - الذى طال رفضه لدعوة الإسلام سألوه قبل أن تفيض روحه :- ما جاء بك ؟ فأجابهم:- رغبة فى الإسلام آمنت بالله ورسوله ثم قاتلت مع رسول الله حتى أصابنى ما ترون ثم لحق بربه ،، وقال عنه النبى - صلى الله عليه وسلم-:- هو من أهل الجنة ويقول أبو هريرة:- ولم يصل لله صلاة قط !،،،

ثم هذا المنافق:- قزمان قتل وحده فى المعركة سبعة أو ثمانية حتى سقط جريحًا فحمله المسلمون معهم وبشروه لكنه قال لهم:- والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومى ولولا ذلك ما قاتلت فلما اشتدت عليه جراحه أصاب نفسه فانتحر وكان النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه:- إنه من أهل النار ،،
وأما اليهودى فهو: مخيريق سمع جلبة الحرب فذهب لقومه قائلاً:- يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم حق فما كذبوه إنما قالوا له:- إن اليوم يوم سبت فتولى عنهم وقد اختطف سيفه وعدته قائلاً:- لا سبق لكم ,, وقال:- إن أصبت فمالى لمحمد يصنع فيه ما يشاء ثم غدا فقاتل حتى قتل وقال عنه النبى -صلى الله عليه وسلم-:- مخيريق خير اليهود وهكذا رحل كل إلى ربه ،،

ليعرف فريقه الذى إليه ينتمى والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشهداء فأمر أن يدفنوا فى أماكنهم لا فى ديار أهليهم وألا يغسلوا أو يكفنوا بل يدفنوا فى ثياب حربهم وكان - صلى الله عليه وسلم- يدفن الاثنين والثلاثة فى قبر واحد وماكانوا يجدون لبعضهم ما يسترون به كل أجسادهم فيستعينون بنبات طيب الرائحة لتغطية أقدامهم ،،،

وجاءت أشدّ اللحظات قسوةً على - النبي صلى الله عليه وسلم - ، وهي لحظة رؤية عمّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد شوّه المشركون جسده وقطّعوا أطرافه ، على نحوٍ يعكس الوحشيّة والهمجيّة التي كانت عليها قريش .

مشهدٌ مريرٌ تتضاءل أمامه كل الأهوال التي مرّت في ثنايا المعركة ، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكاء شديدا لم ير الصحابة له مثيلاً .
ولما هدأت نفسه النبي التفت إلى أصحابه قائلاً :- (
لولا أن تحزن صفية ، ويكون سنّة من بعدي ، لتركته حتى يبعثه الله في بطون السباع والطير ) رواه الدارقطني .

وأقبلت صفيّة بنت عبد المطلب رضي الله عنها تتفقّد أحوال أخيها حمزة ، فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترى ما أصابه فلا تتمالك نفسها ، فأرسل إليها ولدها الزبير بن العوام كي يمنعها ، ولكنها ردّت عليه قائلة : " ولم ؟ ، وقد بلغني ما فُعل به ، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله " ،,,

وعاد الزبير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره بجوابها ، فأذن لها برؤيته .
ولم تجزع صفيّة عند رؤية أخيها ، بل صبرت وتحمّلت ، وجعلت تردّد : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ، ثم أخرجت ثوبين جاءت بهما لتكفينه ، يقول عبدالله بن الزبير : " فجئنا بالثوبين لنكفّن فيهما حمزة ، فإذا بجانبه قتيلٌ من الأنصار قد فُعل به كما فُعل بحمزة ، فاستحيينا أن نكفّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب ، فكفنّا كل واحد منهما في ثوب " .

رحمهم الله جميعًا لقد كانت أوصالهم المقطعة منظرًا يفتت الأكباد ويدين المشركين إلى يوم الدين سبعون شهيدًا من خير الناس لحقوا بربهم فى هذا اليوم فهم عنده يرزقون .

دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام ،،،،

لئن شغل الكافرون بنصر أو هزيمة فإن المسلمين أنظارهم دومًا معلقة بمشيئة الله وقدرته وميزان عقولهم الذى يزنون به الأمور مرتبط حتمًا بميزان الله تعالى الذى توزن به الحسنات والسيئات فأيهما رجح كان قدر العبد ومصيره !

لذا فإنه ليس من العجيب أن يأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جنده الخارجين فى سبيل الله قائلاً: -
استووا حتى أثنى على ربى - عز وجل - فصاروا خلفه صفوفًا ثم انطلق بينهم صوت محمد -صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه ويناجيه بحمد وثناء وشكر ورجاء وسؤال واستعاذة لمن لا حول له ولا قوة إلا به ، مالك الملك ، من بيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وبين الكاف والنون كائن أمره .

الرجوع إلى المدينة ،،،،

آب جيش المسلمين إلى المدينة وفى الطريق كان يمر بزوجات الشهداء وأمهاتهم يسألن ما صنع رجالهن ؟
لقى النبى -صلى الله عليه وسلم- حمنة بنت جحش فنعى إليها أخاها عبد الله فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها خالها حمزة فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت ،،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - :- إن زوج المرأة منها لبمكان .
وسألت امرأة من بنى دينار كانوا قد نعوا إليها زوجها وأخاها وأباها- سألت الجيش:- فما فعل رسول الله ؟
فطمأنوها فلم ترض حتى رأته ،،
ثم قالت:- كل مصيبة بعدك جلل -أى صغيرة - وجاءت أم سعد بن معاذ وقد قتل لها أخوه عمرو بن معاذ تقول للنبى -صلى الله عليه وسلم-:- أما إذا رأيتك سالمًا فقد استويت عندى المصيبة -أى استقللتها - .

ودعا النبى -صلى الله عليه وسلم- لأهل من قتل بأحد وقال:- يا أم سعد أبشرى وبشرى أهلهم أن قتلاهم ترافقوا فى الجنة جميعًا وقد شفعوا فى أهلهم جميعًا ،،
وقالت:- رضينا يا رسول الله ومن يبكى عليهم بعد هذا ؟
ثم قالت:- يارسول الله ادع لمن خلفوا منهم ،،
فقال النبى - صلى الله عليه وسلم-:- اللهم أذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا .

ودخل النبى - صلى الله عليه وسلم - بيته وأعطى سيفه فاطمة ،،
وقال: اغسلى عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقنى اليوم .
وبات المسلمون ليلتهم بالمدينة ليلة الأحد الثامن من شوال سنة ثلاث من الهجرة وقد أرهقتهم الحرب وأنهكهم التعب - باتوا ليلتهم يحرسون ثغور المدينة ومداخلها ويحرسون النبى -صلى الله عليه وسلم- خاصة ،،
حتى إذا أصبحوا فوجئوا بالنبى -صلى الله عليه وسلم- ينادى عليهم بالخروج من جديد !




رد مع اقتباس