عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2012, 08:38 PM   المشاركة رقم: 4
الكاتب
wolf101
عضو فعال
الصورة الرمزية wolf101

البيانات
تاريخ التسجيل: Dec 2011
رقم العضوية: 7508
الدولة: Alex
المشاركات: 570
بمعدل : 0.13 يوميا

الإتصالات
الحالة:
wolf101 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : wolf101 المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: كل ما لم تعرفه عن السيرة النبوية الشريفة


** { هجرة النبى - صلى الله عليه وسلم - للمدينه } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

" على رسلك فإنى أرجو أن يؤذن لى "
هكذا كانت إجابة النبى - صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر حين تجهز للهجرة إلى المدينة وما إن علم الصديق بذلك حتى حبس نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليصحبه، وعلف راحلتين بذلك استعدادًا للهجرة المرتقبة وفى السابع والعشرين من صفر للسنة الرابعة عشرة من النبوة جاء الأمر بالهجرة من الله - عز وجل - إلى رسوله الكريم، فانطلق فى الظهيرة إلى صاحبه أبى بكر متقنعًا؛ ليخبره الخبر ثم رجع - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أبرم الخطة مع صديقه إلى بيته ينتظر مجيئ الليل، أما مشركو مكة فقد تعجلوا تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة، وقاموا بتطويق المنزل، حتى يغمدوا فى صدره الشريف سيوفهم إذا أرخى الليل أستاره، لكن رافع السماوات بغير عمد، مالك الملك ومدبر الأمر – سبحانه وتعالى - جرت مشيئته بأن يغادر الرسول بيته ثم يلحق بأبى بكر ليتحركا إلى غار ثور وفى الغار كان اختباؤهما عن عيون قريش التى جن جنونها وأسرعت فى مطاردة الرسول - صلى الله عليه وسلم ، ولما أعجزها الطلب رصدت مكافأة ضخمة لمن يأتى لها بالمهاجرين حيا أو ميتا، فاجتمع عليه - صلى الله عليه وسلم - مع مطاردة قريش مطاردة سراقة بن مالك أيضًا ومضى النبى - صلى الله عليه وسلم - فى حماية ربه وأمنه قدمًا فى الطريق إلى المدينة وجرت له بها أحداث عديدة منها:-
*-* نزوله - صلى الله عليه وسلم- وأبى بكر فى خيمة أم معبد، التى هنئت بمقدمه المبارك، ومازال الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتقدم فى مسيره حتى نزل بقباء، ثم دخل المدينة التى طال اشتياق أهلها لمجيئه وإقامته بها وبعد أيام من وصوله لحق به أهله - صلى الله عليه وسلم - وأهل أبى بكر، ثم كانت هجرة على - كرم الله وجهه .

الهجرة من سنن الأنبياء عليهم السلام

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد ، وأن يعقوب و يوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .
وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين ، وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .

الأمر بالهجرة ،،،

نزل جبريل الأمين - عليه السلام - إلى النبى يخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له فى الهجرة ويحدد له وقت الهجرة فى قوله :-

لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه.

ومن فوره ذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى حر الظهيرة إلى أبى بكر متقنعًا ، فعلم الصديق أن نبيه لم يأت فى هذه الساعة إلا لأمر قد حدث واستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم دخل على أبى بكر - رضى الله عنه - قائلاً:-
إنى قد أذن لى فى الخروج ..
فأجابه الصديق :- الصحبة بأبى أنت يا رسول الله ,,
فقال - صلى الله عليه وسلم-: نعم .
وعاد النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته مترقبًا مجىء ليل ، ينتظره معه صناديد قريش !

الرسول يغادر بيته ،،،

مر رجل مشرك ببيت محمد - صلى الله عليه وسلم- ليلاً فرأى أمرًا عجبًا سادة قريش وكبراؤها ينامون حول باب البيت ورؤوسهم مغطاة بالتراب !! وبدهشة قد خالطتها السخرية أيقظهم متسائلاً:- ماذا تنتظرون؟
فأجابوه بثقة الأغبياء:- محمدًا.

أما محمد الذى ينتظرونه فإنه قد خرج من بين صفوفهم المتراصة بعد أن جعل علي ًبن ابي طالب مكانه فى الفراش وغطاه ببردته وأخذ حفنة من التراب وجعل يذرها على رؤوسهم وهو يتلو:-
(
وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون )
وأفاق مشركو مكة على كلمات الرجل التى ألقاها فى وجوههم وهو يتولى عنهم متعجبًا قائلاً: خبتم وخسرتم فو الله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته لكن النومى المعاندين نفضوا عن رؤوسهم التراب وتطلعوا من صير الباب فرأوا عليًا،،
فطمأن بعضهم بعضًا قائلين:- والله إن هذا لمحمد نائم وعليه برده فبقوا فى أماكنهم متيقظين متنبهين حتى استيقظ على وقام عن فراشه فطاش صوابهم وسألوه عن النبى -صلى الله عليه وسلم - فقال ببساطة :- لا علم لى به .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

من الدار إلى الغار ،،،

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بينا الليل قد أرخى ستاره على مكة فى ليلة السابع والعشرين من شهر صفر للسنة الرابعة عشرة لبعثته - صلى الله عليه وسلم- إذ سمع أبوبكر الصديق من يطرق بابه وعلى الفور استقبل الصديق زائره المرتقب محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وأسرع خارجًا معه من باب خلفى بالدار وعلى عكس المتوقع اتجه النبى - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه جنوبًا باتجاه اليمن وأخذ يجدُّ وصاحبه فى السير خمسة أميال حتى وصلا إلى جبل شامخ وعر الطريق صعب المرتقى ذى أحجار كثيرة يعرف بجبل ثور، فتسلقاه إلى أن انتهيا إلى غار فى قمة الجبل عرف بغار ثور فدخلاه .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وما لا شك أن تاريخ الإنسان على الأرض سيظل يحفظ فى ذاكرته هذا المشهد باعتزاز وتقدير ! نبىُّ كريم يحمل النور للبشرية يقبع فى غار مظلم وقد أجهده السير فوضع رأسه فى حجر صاحبه ثم نام لكنه الآن ينتبه وما أيقظه إلا دموع صاحبه التى انحدرت رغمًا عنه فوقعت على وجهه الشريف ،،
ويسائل محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحبه:- مالك يا أبا بكر؟
فيجيبه الصديق:- لدغت ،، فداك أبى وأمى .
((
إن أبا بكر وقد وجد ثقبين فى الغار خاف على نبيه العظيم فوضع فى كل واحد منهما قدمًا من قدميه ، حتى لدغ ، فأبى أن يتحرك حتى لا يوقظ حبيبه حقًا ما أقسى جبل ثور وما أرق المشاعر التى حبست فى جوفه ))
تفل الرسول صلى الله عليه وسلم - على قدمه ،
فذهب عن أبى بكر ما أصابه ،,,
وبقى المهاجران بالغار ثلاث ليال يأتيهما عبدالله بن أبى بكر بخبر قريش ليلاً ثم يغدو عليهما عامر بن فهيرة مولى أبى بكر بغنم له فيشربان من لبنها ويعود مولى أبى بكر بغنمه إلى مكة مزيلاً بآثارها آثار ابن أبى بكر .

مطاردة الرسول - صلى الله عليه وسلم -

إن سيوف قريش العازمة على اختراق جسد النبى الشريف لم تلق فى صبيحتها محمدًا فى بيته، وبدلاً من اعترافها بالعجز أمام قدرة الله تعالى ومشيئته، استدارت رؤوس الكفر لتصب جام غضبها ، وتظهر مدى شجاعتها على فتى أعزل ، وفتاة وحيدة ، أما الفتى فكان عليًا ، فضربوه وسحبوه إلى الكعبة ، وحبسوه ساعة وأما الفتاة فكانت أسماء بنت أبى بكر ، قدموا إليه بقوتهم المتغابية ، بعد أن عجزوا عن أن يظفروا من على بمعلومة تفيدهم ،,,

فقرعوا بابها وسألوها عن أبيها ، فأجابتهم بثبات :- لا أدرى والله أين أبى ، فرفع المتغطرس
الفاحش الخبيث أبو جهل يده ، ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها ، ثم مضى يعوى ،,,

وقد لحقه جيش الأغبياء واجتمعت قريش وأصدرت أوامرها المتعالية الطائشة توضع جميع الطرق الخارجة من مكة تحت الحراسة المشددة ومن يأت بمحمد أو صاحبه حيًا أو ميتًا يمنح مكافأة مائة من الإبل ينتشر على الفور الفرسان والمشاة وقصاص الأثر فى الطلب لكن ما جدوى ذلك كله والله هو المقدر والمدبر ,,

نعم وصلت أقدامهم الخائبة إلى باب الغار وخشى أبو بكر من افتضاح أمرهما وقال يا نبى الله ، لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا وخاف أن يمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بسوء فقال:- إن قتلت فإنما أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة لكن ما جدوى وصولهم والأمر بيد الله تعالى من قبل ومن بعد هكذا كان الدرس الذى نطق به النبى - صلى الله عليه وسلم- متسائلاً: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ؟!

مطاردة سراقه ,,,,

فارس مترجل عن فرسه النجيبة يحمل رمحه ويسعى خلف رجل أعزل يطلب منه الأمان والأعزل يسير قدمًا يتلو قرآن ربه ولا يلتفت إليه تلك هى الصورة التى نقلتها لنا كتب السيرة لفارس بنى مدلج:- سراقة بن مالك بن جعشم،،،

حين خرج يطارد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق طامعًا فى مكافأة قريش فعاندته فرسه وغاصت قوائمها فى الرمل مرارًا حتى علم أن محمدًا وصاحبه ممنوعان وأعطى محمد -صلى الله عليه وسلم- سراقة الأمان، كتابًا خطه عامر بن فهيرة، ليحتفظ به سراقة، سراقة الذى بدأ يومه محاربًا للنبى - صلى الله عليه وسلم - ثم أنهى هذا اليوم مدافعًا عنه بتضليل المطاردين له، وصرفهم عن هذا الطريق .

فى الطريق إلى المدينة ,,,,,

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ثلاثة أيام مرت على النبى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه فى الغار حتى هدأت المطاردة ثم خرجا بعدها ليبدءا رحلتهما إلى المدينة بصحبة دليلهما عبدالله بن أريقط الذى كان على دين قريش وكانا قد عهدا إليه براحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال وصحبهما أيضًا عامر بن فهيرة مولى أبى بكر ، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بطعامهما ((
وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين ، رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر رضي الله عنه ))
ثم تحرك الركب جنوبًا باتجاه اليمن، فغربًا نحو الساحل ثم شمالاً بمحاذاة الساحل، فى طريق لا يسلكه أحد إلا نادرًا,,

وكان الصديق خلال الرحلة يفرغ وسعه لراحة النبى - صلى الله عليه وسلم- وأمنه ، فإذا سأله أحد:- من هذا الرجل الذى بين يديك ؟
أجابه :- هذا الرجل يهدينى الطريق ؛ حتى يخفى حقيقة النبى - صلى الله عليه وسلم - طلبًا لسلامته ودون أن يكذب ,,

وفى الطريق كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه: تلك هى اعتراض بريدة بن الحصيب الأسلمى لهما طمعًا فى مكافأة قريش لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه إلى الإسلام فأسلم من فوره مع سبعين رجلاً من قومه ونزع عمامته وعقدها برمحه ، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطًا وكانت فرحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا النصر الجديد كبيرة ، إذ بإسلام بريدة الذى كان سيد قومه دخلت قبيلة أسلم فى الإسلام ، وصارت قاعدة إسلامية جديدة على الطريق بين مكة والمدينة ،,,
ولقى النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الطريق أيضًا الزبير ، وهو فى كرب من المسلمين ، كانوا تجارًا عائدين من الشام ، فكسا الزبير النبى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه ثيابًا بيضاء .

معجزة فى خيمتي ام معبد ,,,,,

حامل الخير تجد أثره وريحه حيثما مر! ولقد مر نبى الله بخيمتى أم معبد الخزاعية وكانت امرأة جلدة تطعم وتسقى من مر بها إلا أنها اعتذرت عن تقديم شىء لمحمد وصاحبه قائلة:-
والله لو كان عندنا شىء ما أعوزكم القرى، فجاء النبى إلى شاة ضعيفة، لم تستطع لشدة ما بها أن ترعى مع الغنم ثم مسح بيده الشريفة على ضرعها وسمى الله ودعا فامتلأ لبنًا حلبه النبى - صلى الله عليه وسلم- ثم سقاها فشربت حتى رويت، وسقى صحبه حتى روى، ثم شرب وحلب فى إناء لها ثانيًا حتى ملأه ثم تركها وارتحل وأفاقت أم معبد على صوت زوجها:-
من أين لك هذا؟ والشاة عازب ولا حلوبة فى البيت ؟!
فأخبرته خبر الرجل المبارك الذى مر بها ,,
فقال:- إنى والله أراه صاحب قريش الذى تطلبه ،,,
ثم قال :- لقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا !.
أما أهل مكة فقد أصبحوا يسمعون صوتًا ينشد بأبيات يصف بها مرور محمد - صلى الله عليه وسلم- بخيمتى أم معبد ، وهم يتبعون صاحب الصوت ولا يرونه ، فلما سمع الناس صوت هذا الرجل من الجن علموا أين ذهب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وفي مقوله اخرى يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني :-
(( لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله مالنا شاة , وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبه - فما تلك الشاة ؟ فأتى بها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها , ثم حلب عسّاً فسقاه , ثم شربوا , فقال : أنت الذي يزعم قريش أنك صابيء ؟ قال : إنهم ليقولون . قال : أشهد أن ما جئت به حق . ثم قال : أتبعك . قال : لا حتى تسمع أناّ قد ظهرنا . فاتّبعه بعد) . وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم )) .

النزول بقباء وبناء المسجد ,,,,,

كانت ظهيرة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة للنبوة
ظهيرة شديدٌ حرها ، ألجأت المسلمين الذين كانوا يخرجون لاستقبال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تتنازعهم مشاعر الخوف وجواذب الشوق - ألجأتهم إلى الاحتماء ببيوتهم وفى هذا الجو القلق الذى يغلفه السكون برداء ثقيل إذا بصرخة مدوية يطلقها يهودى من فوق مرتفع تشق عنان السماء قائلة:-
يا معاشر العرب هذا جدكم الذى تنتظرون !

وماكادت هذه الصرخة تصل إلى آذانهم حتى انطلق المسلمون إلى السلاح وتعالت أصوات التكبير فرحًا بقدومه وسمع التكبير فى بنى عمرو بن عوف ، وأسرع المسلمون للقاء المرتقب لقاء خير الأحبة وسيد الأنام حامل النور والهداية محمد بن عبدالله فأحدقوا به وأحاطوه وقد كسته السكينة والوحى يتنزل عليه بقول ربه - عز وجل
(
فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير )
وكان يومًا مشهودًا زحفت فيه المدينة بأسرها لاستقبال الرسول ونزل فى بنى عمرو بن عوف، ونزل بقباء على كلثوم بن الهدم وأقام بها أربعة أيام أسس خلالها مسجد قباء وصلى فيه فلما كان بها اليوم الخامس يوم الجمعة- أرسل إلى أخواله من بنى النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم، فركب وأبو بكر خلفه وسار نحو المدينة حتى أدركته الجمعة فى بنى سالم بن عوف فصلى بهم الجمعة وكانوا مائة رجل .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { وصول النبى - صلى الله عليه وسلم - الى المدينه } **

إن عافية الله الواسعة ، والتى سألها محمد - صلى الله عليه وسلم- ربه والدماء تغطى عقبيه، وهو مطرود ملاحق من سفهاء الطائف تتبدى الآن إحدى آياتها، فطرقات المدينة وبيوتها تهتز بأصوات التكبير والتحميد، وبنات الأنصار ينشدن الأناشيد فرحًا بقدوم النبى، ونبى الله يتجاذب خطام راحلته أهل الأنصار وكل يقول له: هلم إلى العدد والعدة، والسلاح والمنعة، وهو يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة.
أما دابة النبى - صلى الله عليه وسلم- فكان من توفيق الله لها أن بركت فى ديار بنى النجار - أخوال رسول الله- من كان يحب أن ينزل عليهم، ونزل عنها النبى - صلى الله عليه وسلم- وأقام فى بيت أبى أيوب الأنصارى . وأخذ أسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده وهكذا صار لدعوة الله دار تعيش بها وصار لقيادتها حصن تأوى إليه وبقى للإسلام أن يخوض معركته الكبرى بتأسيس مجتمع جديد وقد دعا نبى الله - صلى الله عليه وسلم- للمدينة ،،
حين أخبرته زوجه عائشة بمرض أبى بكر وبلال فقال:- اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبًا، وصححها، وبارك فى صاعها ومدها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة .

هجرة أهله وأهل أبى بكر ,,,,

بعد أيام من وصوله إلى المدينة وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبدالله بن أبى بكر بعيال أبى بكر ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبى العاص لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.

هجرة على - رضى الله عنه – ,,,,

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذى أحاط به قومه ليقتلوه ليلة الهجرة أوصى عليًا حين جعله مكانه فى فراشه أن يرد الودائع التى عنده لأهلها من قريش، وما إن قام على بن أبى طالب بمهمته تلك فى أيام ثلاثة حتى هاجر ماشيًا على قدميه ليلحق بنبيه بقباء، وينزل عند كلثوم بن الهدم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { الدفاع عن المدينه } **

الماء الساكن خلف السد لا تدرك قيمته حتى يتدفق تياره، والحجرة المظلمة لا يرى جمالها حتى تضاء أركانها، وكذلك المد ينة عند الهجرة كان بها كثير من الخير الساكن، وبعض الأركان المظلمة، وتغير ذلك كله كان ينتظر وصول محمد - صلى الله عليه وسلم- والذى ما إن وصل حتى بدأ فى تأسيس مجتمع جديد قبل أن ينزل عن راحلته ,,،

لكن أنى للكفر أن يهدأ، وهو يبصر الإيمان ساعده يشتد، وجنوده تتجمع لم تستطع قريش أن تكظم حقدها فأرسلت تهدد المسلمين وتتوعدهم وهنا أنزل الله الإذن بالقتال أولاً ثم فرض القتال بعده وكما كانت قلوب المسلمين تهفو إلى مكة حوَّل الله صدورهم فى الصلاة إلى الكعبة بنزول الوحى بتحويل القبلة .

وما إن مر شهر على تحويل القبلة حتى ساق الله المسلمين دون تهيؤ منهم إلى غزوة بدر الكبرى فكان نصرًا كبيرًا، ونجاحًا مؤزرًا، تلته أعياد أقيمت، وفروض فرضت. واستمر الجهاد حتى كانت غزوة أحد فى العام الثالث للهجرة، ولم يكد المسلمون يضمدون جراحاتهم، حتى استأنفوا جهادهم دفاعًا عن دولتهم الفتية، وأدركت قريش أنه لا قبل للمشركين بمحاربة المسلمين، إلا إذا اتحدت فصائلهم، وتجمعت أشتاتهم، فألفوا الأحزاب، وأحاطوا بالمدينة ينوون استئصال خضرائها، وإبادة ساكنيها، فكانت غزوة الأحزاب، التى نصر الله فيها عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ،،،

وقد كشفت هذه الغزوة عن لؤم اليهود وغدرهم؛ فتلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم- بغزوة بنى قريظة، وظل النشاط العسكرى متقدًا بعدها حتى كانت وقعة الحديبية، والحق أن مكائد اليهود، والدور الذى لعبه المنافقون جعل مهمة الدفاع عن المدينة، لاتقتصر على حماية حدودها فحسب، بل تشتمل أيضًا محاربة أعدائها الكامنين داخل الأسوار.

المدينة عند الهجرة ,,,,

يظن البعض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- القادم من مكة المشتعلة حربًا عليه وعلى دعوته، قد دخل المدينة الهادئة الوادعة ليتمتع فيها بالاستقرار والراحة، والحق أن هذا ظن قد فاته الصواب إن دخول الإسلام إلى المدينة قد بدل واقعها من حال إلى حال، وإن دخول محمد - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان فى قمة هذا التحول أهل المدينة كانوا أوسًا وخزرجًا، فصاروا مسلمين ومشركين، والروابط كانت للعشيرة، فأصبحت للعقيدة، ومهاجرو مكة أضحوا مواطنى المدينة، وحرب بعاث أمست رمادًا، والحكم صار لله، ودار الحكم موقعها المسجد، ومحمد - صلى الله عليه وسلم- يحكم بأمر ربه، أما تاج ابن أبى فقد طواه النسيان، ويثرب التى كانت تأمن من حولها، الآن تواجه الخطر من قريش والعربان، وأكثر من ذلك كله تنظيم الديار حول المسجد، وتغيير الأعراف الاجتماعية وزوال أخلاق الجاهلية وإشراق أخلاق الإسلام وتجديد أسواق المدينة وعلاقاتها الاقتصادية،،

كل ذلك التحول الذى بدأه إيمان ستة من أهل يثرب، وزاده انتشار الإسلام فى بيوتها وقدوم المهاجرين إلى ديارها- شهد الرسول أقصاه حين دخل المدينة القلقة، وحين تعامل مع أهلها مسلمين (( مهاجرين وانصار ~ الاوس والخزرج )) ومشركين (( ومنهم عبد الله بن أبى الذى كاد أن يتوج ملكًا، لولا قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة )) ويهود ((بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة )) فأقام مجتمـعًا قاوم محاولات تفتيته بقوة وعزم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { تأسيس مجتمع جديد } **

ما أيسر أن نطوف بخيالنا فى دروب مدينة فاضلة نصف معالمها لمن حولنا حين نفيق ثم ما أعظمها من مهمة حين ننهض لنقيم بسواعدنا ما طمح إليه ذلك الخيال إن تغيير المجتمعات إلى الأفضل يبقى أصعب مهمة واجهها الإنسان، ذلك أنه يبدأ من واقع اختلطت فيه آمال الناس وآلامهم، بأعرافهم وأخلاقهم ثم بأوضاعهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعليه أن يتعامل مع ذلك كله ليحوله إلى مثاله المنشود,,,

وقد كانت تلك هى المهمة التى طفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعالجها منذ وطئت قدمه الشريفة أرض المدينة وحتى وفاته، وبها بدأ التقويم الإسلامى للتاريخ إن بذور الإسلام التى بذرها محمد - صلى الله عليه وسلم- فى صدور أصحابه بمكة قد نمت وأينعت وصارت حياة كاملة تراها فى أسواق المسلمين وتجارتهم وتلحظها فى عمارة دورهم وتخطيط شوارعهم ولهوهم ومرحهم كما تجدها فى خلقهم وأعرافهم ونظمهم وحربهم وسلمهم وتشاهدها دومًا إن حدثت الناس أو تجولت فى المكان ولقد بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- طريقه الشاق ذلك ببناء المسجد، ثم بترسيخ المؤاخاة، وبعقد ميثاق التحالف - دستور الدولة- وبث الخلق ورفع المعنويات، ثم بمعاهدته مع اليهود، حتى إذا استقر له الأمر واطمأن إلى الأساس شرع يقيم بجد وجلد بناء مجتمعه المنشود والذى قاوم بذكاء محاولات تفتيته المختلفة .

بناء المسجد النبوي الشريف ,,,,

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، ففيها يعبد الله تعالى ويذكر فيها اسمه
{
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والآصال رجال...} ( النور : 36 )

كان أول ما طالعته عيون المسلمين بالمدينة بعد نزول النبى - صلى الله عليه وسلم- على أبى أيوب رؤيتها رسول الله يشمر عن ساعديه وينقل اللبن والحجارة بانيًا مسجده النبوى منشدًا:-
اللهم لاعيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. ،،،

وقد أقيم المسجد فى المكان الذى بركت فيه ناقة المصطفى بعد أن اشتراه من يتيمين يملكانه من بني النجار فسوى أرضه وأقام أعمدته من الحجارة وحوائطه من اللبن والطين وسقفه من جريد النخل وعمده من الجذوع وفرشت أرضه من الرمال والحصباء وجعلت له ثلاثة أبواب وبنى النبى - صلى الله عليه وسلم- إلى جانبه حجرات أزواجه من الحجر واللبن ، وسقفها بالجريد والجذوع وإلى جانب كونه مكانًا للعبادة والصلاة فقد ظل المسجد منتدى تلتقى فيه جموع المسلمين وجامعة يتلقون فيها علومهم وبرلمانًا لعقد المجالس الاستشارية بل ودارًا يأوى إليها فقراء المهاجرين الذين عدموا الدار و المال والأهل بمكة وكان تشريع الأذان فى بداية الهجرة ميلادًا لصيحة الحق التى لازال المسلمون يتمتعون بسماعها خمس مرات كل يوم وليلة ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين . ثم أعيد بناء المسجد سنة 7هـ حيث اشترك في بنائه أبو هريرة ، و طلق بن علي الحنفي ـ أسلما سنة 7هـ وقد جرت توسعة المسجد عند إعادة بنائه هذه.

وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم موقع المنبر وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ، وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده ، وكانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه ، وصارت تمسى باسطوانة المخلفَّة والقرعة ، وهي الآن في ظهر المحراب القديم ، وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة ، وعرف المكان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ". و تحددت في زمنه صلى الله عليه وسلم اسطوانة التوبة داخل الروضة ، وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر ، وكان مصلى العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم في موقع مسجد الغمامة اليوم ، وكان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى كثير من المهاجرين بيوتهم في جهته ولم يوقد في حياته صلى الله عليه وسلم في المسجد قنديل ، ولا بسط فيه حصير .

تشريع الأذان ,,,,

ما أعظم القلوب حين تتجلى فيتراءى الحق على صفحتها إن صحابيًا جليلاً هو عبد الله بن زيد رأى فى منامه رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسًا فى يده فأراد أن يبتاعه منه حتى يدعو به إلى الصلاة ,,,

فسأله الرجل:- أفلا أدلك على خير من ذلك؟ ثم أرشده إلى كيفية الأذان. وأسرع ابن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- يخبره الخبر ,,,

فقال له:- إنها لرؤيا حق إن شاء الله ثم أمره أن يعلمها بلالاً صاحب الصوت النّدىّ ليؤذن بها بين الناس أما بلال فإنه ما إن بدأ أذانه حتى فوجئ المسلمون بعمر بن الخطاب يسرع فى الطريق يجر رداءه ,,,

قائلاً:- يا نبى الله والذى بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى !! وهكذا يتضح أن من شغل قلبه بالبحث عن الحق لا يلبث إلا أن يهديه الله إليه .

المؤاخاة ,,,,

لو لم يُشر القرآن الكريم إلى قصّة المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار ، ولو لم تأتِ النصوص النبويّة الصحيحة والشواهد التاريخيّة الموثّقة لتؤكّد هذه الحادثة ، لقلنا إنها قصّةٌ من نسج الخيال ، وذلك لأن مشاهدها وأحداثها فاقت كلّ تصوّر ، وانتقلت بعالم المثال والنظريات إلى أرض الواقع والتطبيق ، وفي ظلّها قدّم الصحابة الكثير من صور التفاني والتضحية على نحوٍ لم يحدث في تاريخ أمّةٍ من الأمم ، مما يجعلنا بحاجة إلى أن نقف أمام هذا الحدث نتأمّل دروسه ، ونستلهم عبره .

وهذه المؤاخاة أخصّ من الأخوّة العامة بين المؤمنين جميعاً ، وذلك لأنها أعطت للمتآخييْن الحقّ في التوارث دون أن يكون بينهما صلةٍ من قرابة أو رحم ، كما في قوله تعالى :-
{
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ( النساء : 33 ) .

أوس وخزرج فرقت بينهما حرب بعاث، وقرشيون ويثربيون فرقت بينهم عصبية الجاهلية وحميتها، كان هذا هو أول ما التفت إليه محمد - صلى الله عليه وسلم- بعد أن أتم بناء المسجد .

وفى دار أنس بن مالك كان اجتماع تسعين رجلاً من المسلمين نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، يؤاخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين كل اثنين منهم على المواساة بل والميراث أيضًا ولقد كانت لحظة رائعة فى تاريخ الإنسانية ذابت فيها روابط الجنس واللون والدم حين قويت وتآلفت روابط الدين والعقيدة ثم عقد النبى - صلى الله عليه وسلم- ميثاق تحالف بين المهاجرين والأنصار تأكيدًا ودعمًا لمبدأ الأخوة والتراحم ، اللازم لبناء المجتمع ولم يكن من العجيب بعدئذ أن تلمح سعد بن الربيع يعرض على عبدالرحمن بن عوف - رضى الله عنهما - أن يطلق له زوجته ، ويعطيه نصف ماله كما لم يكن من المستغرب أن نرى الأنصار والمهاجرة قد علت أصواتهم عند النبى ,,
فالأنصار يقولون:- اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل،,,
فيرد عليهم النبى - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :- لا .
فيقولون :- فتكفونا المؤنة ، ونشرككم فى الثمرة ،,,
فترد المهاجرة :- سمعنا وأطعنا .

وتذكر لنا مصادر السيرة أسماء بعض الذين آخى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد آخى بين أبي بكر و خارجة بن زهير ، وآخى بين عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك ، وبين أبي عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ ، وبين الزبير بن العوام و سلامة بن سلامة بن وقش ، وبين طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك ، وبين مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين ، وأسماء أخرى بلغت تسعين صحابيّاً .

وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفضل للأنصار ، فمدحهم بقوله :-
(
لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً ، لسلكت في وادي الأنصار ) رواه البخاري ،,,
وبيّن حبه لهم بقوله: - (
الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ؛ فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله )
رواه البخاري ،,
ودعا لأولادهم وذرياتهم بالصلاح فقال :- (
اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار ، ولذراري الأنصار ) رواه أحمد ,,،
وآثر الجلوس بينهم طيلة حياته فقال :-
(
لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار ) رواه البخاري .

ميثاق التحالف ,,,,

مجتمع وليد وواقع متحول ودولة يراد لها القيام لا بد لكل ذلك جميعًا من دستور واضح مستقر ينظم لهم أمورهم ويرجعون إليه ومن قوله للمسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب: إنهم أمة واحدة من دون الناس إلى قوله: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شىء فإن مرده إلى الله - عز وجل، وإلى محمد - صلى الله عليه وسلم-،

كانت بنود هذا الدستور النبوى لمجتمع المدينة ولاشك أن روح هذا الميثاق قد تجلت فى مبدأين أساسين:-
- الرابطة هى العقيدة .
- والحكم هو الله .
وقد شمل هذا الميثاق أيضًا معاهدة مع اليهود تليت بمعاهدات مع قبائل عربية متفرقة .

*-* بث الخلق ورفع المعنويات *-*
"
يا أيها الناس :- أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " .

ذلك كان درس الإسلام الأول ، على يدى النبى - صلى الله عليه وسلم- حين دخل المدينة الإحسان إلى المخلوق والإحسان مع الخالق ، روح الرسالة وجوهرها ومامضت إلا سنوات قلائل حتى توفى رسول الله وقد ترك مجتمعًا أنموذجًا فى خلقه وفضله مجتمعًا يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، كما يعلم أن التراحم والتواصل سر قوته ونصرته، إن المعنيين باللوائح والدساتير سيبهرهم ميثاق التحالف كما إن المهتمين بروح القانون ومقاصده سيدهشهم ذلك المجتمع المسلم الذى صنعه محمد - صلى الله عليه وسلم- .

*-* المعاهدة مع اليهود *-*

يأتى الإسلام ليقدم للبشرية الخير ويحقق لها السعادة البشرية بأسرها مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وفى عالم مزقته العصبية الحمقاء جاء الإسلام ليقر المبدأ السامى البسيط (لا إكراه فى الدين) ومعاهدة محمد - صلى الله عليه وسلم- مع اليهود تنطق برغبة صادقة فى تحقيق الخير والأمن ومنع الفساد والاضطراب بأمة واحدة اليهود أحد عناصرها نعم بدا للرسول بعض ما يبطنون حين أسلم عبدالله بن سلام وحين حاولوا تفتيت المجتمع لكن ما للإسلام ونبيه والتفتيش عما بذات الصدور إنما حسبه ما ظهر .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { قريش تهدد وتعلن الحرب } **

إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- المشغول ببناء مسجده ، والمؤاخاة بين أفراد أمته، وعقد المعاهدات مع جيرانه، والعناية بتنظيم شئون مدينته، فوجئ بخطاب من قريش تعلن فيه الحرب عليه وعلى من اتبعه، ثم إن الأنصار قد فوجئوا أيضًا بأنهم ممنوعون من زيارة بيت الله الحرام، وتمادت قريش فى تهديد المهاجرين ، فاتخذ المسلمون حذرهم واحتياطهم.

" إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتليكم ونستبيح نساءكم"

كانت هذه هى كلمات رسالة قريش، والتى قرأها عبد الله بن أبى بن سلول بعين زائغة ويد مرتعشة فطاش صوابه وجمع إخوانه من عبدة الأوثان لقتال محمد - صلى الله عليه وسلم- ومن معه مهاجرين كانوا أم أنصارًا، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحكمته فى التعامل مع المشركين أطفأ نارًا كاد أن يتأجج لهيبها مانعًا بذلك إحدى محاولات تفتيت المجتمع المسلم .

الصد عن المسجد الحرام ,,,,

إن قريشًا التى ثارت ثائرتها ضد الإسلام وأهله بدعوى الحفاظ على تراث الآباء وقيم المجتمع المكى العريقة تفاجئنا اليوم بموقف غريب فأبو جهل سيد قريش القبيلة المسئولة عن تهيئة بيت الله لزواره وتيسير هذه الزيارة لهم يرى سعد بن معاذ يطوف بالكعبة مع أمية بن خلف حليفه بمكة، فيعترض طريقه قائلاً بغلظة :- ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبى صفوان مارجعت إلى أهلك سالما فرفع سعد صوته عليه صائحًا:- أما والله لئن منعتنى هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه طريقك على أهل المدينة .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { فرض القتال } **

بعد نزول قوله تعالى : -
{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير }
( الحج : 39 )
ثم نزول الإذن بالقتال، أخذ رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إعداد العدة وتجهيز القوة لمواجهة الكفر وأهله ، وأراد المسلمون توجيه رسالة قوية إلى قريش من خلال حصارها سياسياً واقتصادياً ، وأرادوا كذلك إشعار يهود المدينة ومنافقيها والأعراب بأن المسلمين أقوياء ، وأن فترة الاستضعاف السابقة قد أدبرت .

وانطلاقاً من ذلك فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عدداً من السرايا والبعوث ، لمتابعة تحركات قريش ونشاطاتها ، فمن تلك السرايا التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر الكبرى ,,

إن قريشًا التى طال تكبرها قد لقنتها سرية نخلة درسًا لم تنسه فعبدالله بن جحش ونفر من المسلمين معه يستطيعون بسهولة أن يغيروا على تجارة قري فيسوقوا عيرها إلى المدينة مع أسيرين وقد خلفوا وراءهم قتيلاً لكن قريشًا المعاندة والتى أدركت الخطر على طريق تجارتها إلى الشام قد اختارت سبيل الحرب من جديد وهنا وفى شعبان سنة اثنتين من الهجرة نزلت آيات الله تعالى الفارضة للجهاد والقتال فى سبيله ثم ما لبثت هذه الآيات غير يسير حتى تليت بآيات من سورة محمد تصف طريقة القتال وتبين أحكامه وتحث عليه وتذم أولئك الوجلين منه الخائفين على أنفسهم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { السرايا والغزوات قبل بدر } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

باب المهادنة مفتوح، وقد ولجت منه جهينة وبنو ضمرة، أما إن أبت قريش إلا الصياح والتوعد، والتهديد والتطاول، فللحق قوة تحميه! هذا ما أكده النبى، ومن معه من المسلمين، لمشركى مكة ومن مالأهم، فى سرايا وغزوات متتابعة وهى: سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وغزوة الأبواء، وغزوة بواط، وغزوة سفوان، وغزوة ذى العشيرة، وسرية نخلة.

سرية سيف البحر ,,,,

علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بخروج أبى جهل فى عير لقريش ومعه ثلاثمائة رجل فعقد لواءً أبيض لحمزة وأرسله فى ثلاثين رجلاً من المهاجرين يحمل لواءهم أبو مرثد كناز بن حصين الغنوى ، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص فالتقوا واصطفوا للقتال لولا أن مجدى بن عمرو الجهنى وكان حليفًا للفريقين- قد مشى بينهما حتى حجز بينهم وكانت هذه السرية فى رمضان عام واحد من الهـجرة .

سرية رابغ ,,,,
وقد وقعت فى شوال فى السنة الأولى من الهجرة حيث التقى المسلمون وقوامهم ستون راكبًا من المهاجرين على رأسهم عبيدة بن الحارث بن المطلب مع مائتين من المشركين تحت إمرة أبى سفيان- التقوا على بطن رابغ فتراموا بالنبل دون وقوع قتال وكان حامل لواء المسلمين يومئذ مسطح بن أثاثة ومن طرائف هذه السرية انضمام اثنين من جيش المشركين إلى المسلمين وهما المقداد بن عمرو البهرانى وعتبة بن غزوان المازنى فقد كانا مسلمين خرجا مع الكفار كوسيلة لبلوغ جيش المسلمين .

سرية الخرار ,,,,
وقد خرج فيها سعد بن أبى وقاص فى عشرين راكبًا فى ذى القعدة فى السنة الأولى من الهـجرة يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل طلبًا لعير قريش حتى بلغوا الخرار، فوجدوا العير قد مرت بالأمس فعادوا ولم يلاحقوها تنفيذًا لأمررسول الله - صلى الله عليه وسلم- لهم بذلك وقد كان حامل اللواء يومئذ المقداد بن عمرو .

غزوة الأبواء ,,,,
وهى أول غزوة يخرج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنفسه مستخلفًا سعد بن عبادة على المدينة فى جيش قوامه سبعون رجلاً من المهاجرين حامل لوائهم حمزة بن عبدالمطلب طلبًا لعير قريش وقد بلغ الجيش "ودان" فلم يلق كيدًا وفى هذه الغزوة عقد النبى - صلى الله عليه وسلم- معاهدة حلف مع عمرو بن مخشى الضمرى سيد بنى ضمرة وقد جرت هذه الغزوة فى صفر سنة اثنتين من الهجرة .

غزوة بواط ,,,,
فى ربيع الأول فى السنة الثانية من الهجرة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فى مائتين من أصحابه يحمل لواءهم سعد بن أبى وقاص ليعترض ألفين وخمسمائة بعير لقريش يحميها مائة رجل على رأسهم أمية بن خلف الجمحى فبلغ بواط ولم يلق كيدًا وكان خليفته - صلى الله عليه وسلم- على المدينة سعد بن معاذ .

غزوة سفوان ,,,,
تسمى هذه الغزوة بغزوة بدر الأولى ،، وقد وقعت أحداثها فى ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة ؛ إذ أغار كرز بن جابر الفهرى فى قوات خفيفة من المشركين على مراعى المدينة ونهب بعض المواشى فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمطاردته فى سبعين رجلاً من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة زيد بن حارثة وأعطى اللواء على بن أبى طالب ووصل النبى - صلى الله عليه وسلم - واديًا يقال له سفوان من ناحية بدر لكنه لم يدركها فرجع من دون حرب .

غزوة ذي العشيرة ,,,,
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جمادى الأولى فى السنة الثانية من الهجرة فى خمسين ومائة ويقال فى مائتين - من المهاجرين على ثلاثين بعيرًا يعتقبونها اعتراضًا لعير قريش الذاهبة إلى الشام لكنهم حين بلغوا ذا العشيرة وجدوا أنها قد فاتتهم بأيام وهذه العير هى التى طلبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رحلة عودتها من الشام فكانت سببًا لغزوة بدر الكبرى وقد آب إلى المدينة فى جمادى الآخرة وكان قد استخلف عليها أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومى وحامل اللواء فى هذه الغزوة هو سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب وقد عقد النبى -صلى الله عليه وسلم - معاهدة عدم الاعتداء مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة فى هذه الغزوة .

غزوة نخلة ,,,,
بعد أن أتم عبدالله بن جحش واثنا عشر مهاجرًا يومين فى مسيرهم فضوا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى كان معهم تنفيذًا لأوامره فوجدوا فيه:- إذا نظرت فى كتابى هذا فامض حتى تنزل بين مكة والطائف فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهم وشعر عبدالله بثقل المهمة وقلة عدد أصحابه فخيرهم بين المجىء معه إن أحبوا الشهادة وبين الرجوع إلى المدينة إن كرهوا الموت فما تخلف عنه منهم أحد إلا سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان فإنهما كانا يعتقبان بعيرًا لهما فهرب منهما فتخلفا فى طلبه واستأنفت السرية مسيرها حتى بلغت نخلة ورأت عير قريش تمر حاملة الزبيب والأدم والتجارة وفيها عمرو بن الحضرمى وعثمان ونوفل ابنا عبدالله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى ابن المغيرة وهنا وقع المسلمون فى حيرة كبيرة إذ كانوا فى اليوم الأخير من شهر رجب فى السنة الثانية من الهجرة وهو شهر حرام لا يجوز فيه القتال لكنهم إن تركوهم دخلوا مكة وانتهى الأمر ورأوا بعد المشاورة أن يقاتلوهم فرموا عمرو بن الحضرمى فقتلوه وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة وعزلوا من ذلك الخمس، فكان أول خمس،
وأول قتيل وأول أسيرين فى الإسلام ,,

وهنا أطلقت قريش التى طالما انتهكت حرمات المسلمين وسفكت دماءهم بالبلد الحرام - أطلقت عقيرتها حزنًا على شهر الله الحرام الذى انتهك ثم نزل الوحى بالقول الحق موضحًا أن حرمات المسلمين التى انتهكت ودم نبيهم الذى كاد يسفك أعظم حرمة عند الله من شهر رجب وقد أطلق بعدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراح الأسيرين وأدى دية المقتول إلى أهله .

قال تعالى:
{يَسأَلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أَهله منه أَكبر عند اللَّه والفتنة أَكبر من القتل } (البقرة:217).

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { تحويل القبلة } **

إن رفع الستار قد يكون لفضح المتسترين به أو لاستقبال نهار يوم جديد أما تحويل القبلة فقد كان الأمرين معًا !!
فحين نزل أمر الله تعالى فى شعبان فى العام الثانى من الهجرة بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى بالقدس إلى المسجد الحرام بمكة ، فضح كثير من ضعفاء اليهود ومنافقيهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا عداوته فضحوا برفضهم الامتثال لأمر الله ورجوعهم إلى ما كانوا عليه فتطهرت صفوف المسلمين منهم ولا شك أيضًا أن فى تحويل القبلة إيذانًا باستقبال طور جديد فى دعوة المسلمين طور لا ينتهى إلا باحتلال القبلة الجديدة فهل يصلى المسلمون لقبلة قد نجستها أوثان المشركين ؟ اللهم لا !



عرض البوم صور wolf101  
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-08-2012, 08:38 PM
wolf101 wolf101 غير متواجد حالياً
عضو فعال
افتراضي رد: كل ما لم تعرفه عن السيرة النبوية الشريفة


** { هجرة النبى - صلى الله عليه وسلم - للمدينه } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

" على رسلك فإنى أرجو أن يؤذن لى "
هكذا كانت إجابة النبى - صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر حين تجهز للهجرة إلى المدينة وما إن علم الصديق بذلك حتى حبس نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليصحبه، وعلف راحلتين بذلك استعدادًا للهجرة المرتقبة وفى السابع والعشرين من صفر للسنة الرابعة عشرة من النبوة جاء الأمر بالهجرة من الله - عز وجل - إلى رسوله الكريم، فانطلق فى الظهيرة إلى صاحبه أبى بكر متقنعًا؛ ليخبره الخبر ثم رجع - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أبرم الخطة مع صديقه إلى بيته ينتظر مجيئ الليل، أما مشركو مكة فقد تعجلوا تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة، وقاموا بتطويق المنزل، حتى يغمدوا فى صدره الشريف سيوفهم إذا أرخى الليل أستاره، لكن رافع السماوات بغير عمد، مالك الملك ومدبر الأمر – سبحانه وتعالى - جرت مشيئته بأن يغادر الرسول بيته ثم يلحق بأبى بكر ليتحركا إلى غار ثور وفى الغار كان اختباؤهما عن عيون قريش التى جن جنونها وأسرعت فى مطاردة الرسول - صلى الله عليه وسلم ، ولما أعجزها الطلب رصدت مكافأة ضخمة لمن يأتى لها بالمهاجرين حيا أو ميتا، فاجتمع عليه - صلى الله عليه وسلم - مع مطاردة قريش مطاردة سراقة بن مالك أيضًا ومضى النبى - صلى الله عليه وسلم - فى حماية ربه وأمنه قدمًا فى الطريق إلى المدينة وجرت له بها أحداث عديدة منها:-
*-* نزوله - صلى الله عليه وسلم- وأبى بكر فى خيمة أم معبد، التى هنئت بمقدمه المبارك، ومازال الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتقدم فى مسيره حتى نزل بقباء، ثم دخل المدينة التى طال اشتياق أهلها لمجيئه وإقامته بها وبعد أيام من وصوله لحق به أهله - صلى الله عليه وسلم - وأهل أبى بكر، ثم كانت هجرة على - كرم الله وجهه .

الهجرة من سنن الأنبياء عليهم السلام

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد ، وأن يعقوب و يوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .
وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين ، وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .

الأمر بالهجرة ،،،

نزل جبريل الأمين - عليه السلام - إلى النبى يخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له فى الهجرة ويحدد له وقت الهجرة فى قوله :-

لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه.

ومن فوره ذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى حر الظهيرة إلى أبى بكر متقنعًا ، فعلم الصديق أن نبيه لم يأت فى هذه الساعة إلا لأمر قد حدث واستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم دخل على أبى بكر - رضى الله عنه - قائلاً:-
إنى قد أذن لى فى الخروج ..
فأجابه الصديق :- الصحبة بأبى أنت يا رسول الله ,,
فقال - صلى الله عليه وسلم-: نعم .
وعاد النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته مترقبًا مجىء ليل ، ينتظره معه صناديد قريش !

الرسول يغادر بيته ،،،

مر رجل مشرك ببيت محمد - صلى الله عليه وسلم- ليلاً فرأى أمرًا عجبًا سادة قريش وكبراؤها ينامون حول باب البيت ورؤوسهم مغطاة بالتراب !! وبدهشة قد خالطتها السخرية أيقظهم متسائلاً:- ماذا تنتظرون؟
فأجابوه بثقة الأغبياء:- محمدًا.

أما محمد الذى ينتظرونه فإنه قد خرج من بين صفوفهم المتراصة بعد أن جعل علي ًبن ابي طالب مكانه فى الفراش وغطاه ببردته وأخذ حفنة من التراب وجعل يذرها على رؤوسهم وهو يتلو:-
(
وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون )
وأفاق مشركو مكة على كلمات الرجل التى ألقاها فى وجوههم وهو يتولى عنهم متعجبًا قائلاً: خبتم وخسرتم فو الله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته لكن النومى المعاندين نفضوا عن رؤوسهم التراب وتطلعوا من صير الباب فرأوا عليًا،،
فطمأن بعضهم بعضًا قائلين:- والله إن هذا لمحمد نائم وعليه برده فبقوا فى أماكنهم متيقظين متنبهين حتى استيقظ على وقام عن فراشه فطاش صوابهم وسألوه عن النبى -صلى الله عليه وسلم - فقال ببساطة :- لا علم لى به .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

من الدار إلى الغار ،،،

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بينا الليل قد أرخى ستاره على مكة فى ليلة السابع والعشرين من شهر صفر للسنة الرابعة عشرة لبعثته - صلى الله عليه وسلم- إذ سمع أبوبكر الصديق من يطرق بابه وعلى الفور استقبل الصديق زائره المرتقب محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وأسرع خارجًا معه من باب خلفى بالدار وعلى عكس المتوقع اتجه النبى - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه جنوبًا باتجاه اليمن وأخذ يجدُّ وصاحبه فى السير خمسة أميال حتى وصلا إلى جبل شامخ وعر الطريق صعب المرتقى ذى أحجار كثيرة يعرف بجبل ثور، فتسلقاه إلى أن انتهيا إلى غار فى قمة الجبل عرف بغار ثور فدخلاه .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وما لا شك أن تاريخ الإنسان على الأرض سيظل يحفظ فى ذاكرته هذا المشهد باعتزاز وتقدير ! نبىُّ كريم يحمل النور للبشرية يقبع فى غار مظلم وقد أجهده السير فوضع رأسه فى حجر صاحبه ثم نام لكنه الآن ينتبه وما أيقظه إلا دموع صاحبه التى انحدرت رغمًا عنه فوقعت على وجهه الشريف ،،
ويسائل محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحبه:- مالك يا أبا بكر؟
فيجيبه الصديق:- لدغت ،، فداك أبى وأمى .
((
إن أبا بكر وقد وجد ثقبين فى الغار خاف على نبيه العظيم فوضع فى كل واحد منهما قدمًا من قدميه ، حتى لدغ ، فأبى أن يتحرك حتى لا يوقظ حبيبه حقًا ما أقسى جبل ثور وما أرق المشاعر التى حبست فى جوفه ))
تفل الرسول صلى الله عليه وسلم - على قدمه ،
فذهب عن أبى بكر ما أصابه ،,,
وبقى المهاجران بالغار ثلاث ليال يأتيهما عبدالله بن أبى بكر بخبر قريش ليلاً ثم يغدو عليهما عامر بن فهيرة مولى أبى بكر بغنم له فيشربان من لبنها ويعود مولى أبى بكر بغنمه إلى مكة مزيلاً بآثارها آثار ابن أبى بكر .

مطاردة الرسول - صلى الله عليه وسلم -

إن سيوف قريش العازمة على اختراق جسد النبى الشريف لم تلق فى صبيحتها محمدًا فى بيته، وبدلاً من اعترافها بالعجز أمام قدرة الله تعالى ومشيئته، استدارت رؤوس الكفر لتصب جام غضبها ، وتظهر مدى شجاعتها على فتى أعزل ، وفتاة وحيدة ، أما الفتى فكان عليًا ، فضربوه وسحبوه إلى الكعبة ، وحبسوه ساعة وأما الفتاة فكانت أسماء بنت أبى بكر ، قدموا إليه بقوتهم المتغابية ، بعد أن عجزوا عن أن يظفروا من على بمعلومة تفيدهم ،,,

فقرعوا بابها وسألوها عن أبيها ، فأجابتهم بثبات :- لا أدرى والله أين أبى ، فرفع المتغطرس
الفاحش الخبيث أبو جهل يده ، ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها ، ثم مضى يعوى ،,,

وقد لحقه جيش الأغبياء واجتمعت قريش وأصدرت أوامرها المتعالية الطائشة توضع جميع الطرق الخارجة من مكة تحت الحراسة المشددة ومن يأت بمحمد أو صاحبه حيًا أو ميتًا يمنح مكافأة مائة من الإبل ينتشر على الفور الفرسان والمشاة وقصاص الأثر فى الطلب لكن ما جدوى ذلك كله والله هو المقدر والمدبر ,,

نعم وصلت أقدامهم الخائبة إلى باب الغار وخشى أبو بكر من افتضاح أمرهما وقال يا نبى الله ، لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا وخاف أن يمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بسوء فقال:- إن قتلت فإنما أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة لكن ما جدوى وصولهم والأمر بيد الله تعالى من قبل ومن بعد هكذا كان الدرس الذى نطق به النبى - صلى الله عليه وسلم- متسائلاً: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ؟!

مطاردة سراقه ,,,,

فارس مترجل عن فرسه النجيبة يحمل رمحه ويسعى خلف رجل أعزل يطلب منه الأمان والأعزل يسير قدمًا يتلو قرآن ربه ولا يلتفت إليه تلك هى الصورة التى نقلتها لنا كتب السيرة لفارس بنى مدلج:- سراقة بن مالك بن جعشم،،،

حين خرج يطارد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق طامعًا فى مكافأة قريش فعاندته فرسه وغاصت قوائمها فى الرمل مرارًا حتى علم أن محمدًا وصاحبه ممنوعان وأعطى محمد -صلى الله عليه وسلم- سراقة الأمان، كتابًا خطه عامر بن فهيرة، ليحتفظ به سراقة، سراقة الذى بدأ يومه محاربًا للنبى - صلى الله عليه وسلم - ثم أنهى هذا اليوم مدافعًا عنه بتضليل المطاردين له، وصرفهم عن هذا الطريق .

فى الطريق إلى المدينة ,,,,,

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ثلاثة أيام مرت على النبى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه فى الغار حتى هدأت المطاردة ثم خرجا بعدها ليبدءا رحلتهما إلى المدينة بصحبة دليلهما عبدالله بن أريقط الذى كان على دين قريش وكانا قد عهدا إليه براحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال وصحبهما أيضًا عامر بن فهيرة مولى أبى بكر ، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بطعامهما ((
وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين ، رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر رضي الله عنه ))
ثم تحرك الركب جنوبًا باتجاه اليمن، فغربًا نحو الساحل ثم شمالاً بمحاذاة الساحل، فى طريق لا يسلكه أحد إلا نادرًا,,

وكان الصديق خلال الرحلة يفرغ وسعه لراحة النبى - صلى الله عليه وسلم- وأمنه ، فإذا سأله أحد:- من هذا الرجل الذى بين يديك ؟
أجابه :- هذا الرجل يهدينى الطريق ؛ حتى يخفى حقيقة النبى - صلى الله عليه وسلم - طلبًا لسلامته ودون أن يكذب ,,

وفى الطريق كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه: تلك هى اعتراض بريدة بن الحصيب الأسلمى لهما طمعًا فى مكافأة قريش لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه إلى الإسلام فأسلم من فوره مع سبعين رجلاً من قومه ونزع عمامته وعقدها برمحه ، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطًا وكانت فرحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا النصر الجديد كبيرة ، إذ بإسلام بريدة الذى كان سيد قومه دخلت قبيلة أسلم فى الإسلام ، وصارت قاعدة إسلامية جديدة على الطريق بين مكة والمدينة ،,,
ولقى النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الطريق أيضًا الزبير ، وهو فى كرب من المسلمين ، كانوا تجارًا عائدين من الشام ، فكسا الزبير النبى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه ثيابًا بيضاء .

معجزة فى خيمتي ام معبد ,,,,,

حامل الخير تجد أثره وريحه حيثما مر! ولقد مر نبى الله بخيمتى أم معبد الخزاعية وكانت امرأة جلدة تطعم وتسقى من مر بها إلا أنها اعتذرت عن تقديم شىء لمحمد وصاحبه قائلة:-
والله لو كان عندنا شىء ما أعوزكم القرى، فجاء النبى إلى شاة ضعيفة، لم تستطع لشدة ما بها أن ترعى مع الغنم ثم مسح بيده الشريفة على ضرعها وسمى الله ودعا فامتلأ لبنًا حلبه النبى - صلى الله عليه وسلم- ثم سقاها فشربت حتى رويت، وسقى صحبه حتى روى، ثم شرب وحلب فى إناء لها ثانيًا حتى ملأه ثم تركها وارتحل وأفاقت أم معبد على صوت زوجها:-
من أين لك هذا؟ والشاة عازب ولا حلوبة فى البيت ؟!
فأخبرته خبر الرجل المبارك الذى مر بها ,,
فقال:- إنى والله أراه صاحب قريش الذى تطلبه ،,,
ثم قال :- لقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا !.
أما أهل مكة فقد أصبحوا يسمعون صوتًا ينشد بأبيات يصف بها مرور محمد - صلى الله عليه وسلم- بخيمتى أم معبد ، وهم يتبعون صاحب الصوت ولا يرونه ، فلما سمع الناس صوت هذا الرجل من الجن علموا أين ذهب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وفي مقوله اخرى يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني :-
(( لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله مالنا شاة , وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبه - فما تلك الشاة ؟ فأتى بها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها , ثم حلب عسّاً فسقاه , ثم شربوا , فقال : أنت الذي يزعم قريش أنك صابيء ؟ قال : إنهم ليقولون . قال : أشهد أن ما جئت به حق . ثم قال : أتبعك . قال : لا حتى تسمع أناّ قد ظهرنا . فاتّبعه بعد) . وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم )) .

النزول بقباء وبناء المسجد ,,,,,

كانت ظهيرة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة للنبوة
ظهيرة شديدٌ حرها ، ألجأت المسلمين الذين كانوا يخرجون لاستقبال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تتنازعهم مشاعر الخوف وجواذب الشوق - ألجأتهم إلى الاحتماء ببيوتهم وفى هذا الجو القلق الذى يغلفه السكون برداء ثقيل إذا بصرخة مدوية يطلقها يهودى من فوق مرتفع تشق عنان السماء قائلة:-
يا معاشر العرب هذا جدكم الذى تنتظرون !

وماكادت هذه الصرخة تصل إلى آذانهم حتى انطلق المسلمون إلى السلاح وتعالت أصوات التكبير فرحًا بقدومه وسمع التكبير فى بنى عمرو بن عوف ، وأسرع المسلمون للقاء المرتقب لقاء خير الأحبة وسيد الأنام حامل النور والهداية محمد بن عبدالله فأحدقوا به وأحاطوه وقد كسته السكينة والوحى يتنزل عليه بقول ربه - عز وجل
(
فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير )
وكان يومًا مشهودًا زحفت فيه المدينة بأسرها لاستقبال الرسول ونزل فى بنى عمرو بن عوف، ونزل بقباء على كلثوم بن الهدم وأقام بها أربعة أيام أسس خلالها مسجد قباء وصلى فيه فلما كان بها اليوم الخامس يوم الجمعة- أرسل إلى أخواله من بنى النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم، فركب وأبو بكر خلفه وسار نحو المدينة حتى أدركته الجمعة فى بنى سالم بن عوف فصلى بهم الجمعة وكانوا مائة رجل .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { وصول النبى - صلى الله عليه وسلم - الى المدينه } **

إن عافية الله الواسعة ، والتى سألها محمد - صلى الله عليه وسلم- ربه والدماء تغطى عقبيه، وهو مطرود ملاحق من سفهاء الطائف تتبدى الآن إحدى آياتها، فطرقات المدينة وبيوتها تهتز بأصوات التكبير والتحميد، وبنات الأنصار ينشدن الأناشيد فرحًا بقدوم النبى، ونبى الله يتجاذب خطام راحلته أهل الأنصار وكل يقول له: هلم إلى العدد والعدة، والسلاح والمنعة، وهو يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة.
أما دابة النبى - صلى الله عليه وسلم- فكان من توفيق الله لها أن بركت فى ديار بنى النجار - أخوال رسول الله- من كان يحب أن ينزل عليهم، ونزل عنها النبى - صلى الله عليه وسلم- وأقام فى بيت أبى أيوب الأنصارى . وأخذ أسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده وهكذا صار لدعوة الله دار تعيش بها وصار لقيادتها حصن تأوى إليه وبقى للإسلام أن يخوض معركته الكبرى بتأسيس مجتمع جديد وقد دعا نبى الله - صلى الله عليه وسلم- للمدينة ،،
حين أخبرته زوجه عائشة بمرض أبى بكر وبلال فقال:- اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبًا، وصححها، وبارك فى صاعها ومدها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة .

هجرة أهله وأهل أبى بكر ,,,,

بعد أيام من وصوله إلى المدينة وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبدالله بن أبى بكر بعيال أبى بكر ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبى العاص لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.

هجرة على - رضى الله عنه – ,,,,

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذى أحاط به قومه ليقتلوه ليلة الهجرة أوصى عليًا حين جعله مكانه فى فراشه أن يرد الودائع التى عنده لأهلها من قريش، وما إن قام على بن أبى طالب بمهمته تلك فى أيام ثلاثة حتى هاجر ماشيًا على قدميه ليلحق بنبيه بقباء، وينزل عند كلثوم بن الهدم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { الدفاع عن المدينه } **

الماء الساكن خلف السد لا تدرك قيمته حتى يتدفق تياره، والحجرة المظلمة لا يرى جمالها حتى تضاء أركانها، وكذلك المد ينة عند الهجرة كان بها كثير من الخير الساكن، وبعض الأركان المظلمة، وتغير ذلك كله كان ينتظر وصول محمد - صلى الله عليه وسلم- والذى ما إن وصل حتى بدأ فى تأسيس مجتمع جديد قبل أن ينزل عن راحلته ,,،

لكن أنى للكفر أن يهدأ، وهو يبصر الإيمان ساعده يشتد، وجنوده تتجمع لم تستطع قريش أن تكظم حقدها فأرسلت تهدد المسلمين وتتوعدهم وهنا أنزل الله الإذن بالقتال أولاً ثم فرض القتال بعده وكما كانت قلوب المسلمين تهفو إلى مكة حوَّل الله صدورهم فى الصلاة إلى الكعبة بنزول الوحى بتحويل القبلة .

وما إن مر شهر على تحويل القبلة حتى ساق الله المسلمين دون تهيؤ منهم إلى غزوة بدر الكبرى فكان نصرًا كبيرًا، ونجاحًا مؤزرًا، تلته أعياد أقيمت، وفروض فرضت. واستمر الجهاد حتى كانت غزوة أحد فى العام الثالث للهجرة، ولم يكد المسلمون يضمدون جراحاتهم، حتى استأنفوا جهادهم دفاعًا عن دولتهم الفتية، وأدركت قريش أنه لا قبل للمشركين بمحاربة المسلمين، إلا إذا اتحدت فصائلهم، وتجمعت أشتاتهم، فألفوا الأحزاب، وأحاطوا بالمدينة ينوون استئصال خضرائها، وإبادة ساكنيها، فكانت غزوة الأحزاب، التى نصر الله فيها عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ،،،

وقد كشفت هذه الغزوة عن لؤم اليهود وغدرهم؛ فتلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم- بغزوة بنى قريظة، وظل النشاط العسكرى متقدًا بعدها حتى كانت وقعة الحديبية، والحق أن مكائد اليهود، والدور الذى لعبه المنافقون جعل مهمة الدفاع عن المدينة، لاتقتصر على حماية حدودها فحسب، بل تشتمل أيضًا محاربة أعدائها الكامنين داخل الأسوار.

المدينة عند الهجرة ,,,,

يظن البعض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- القادم من مكة المشتعلة حربًا عليه وعلى دعوته، قد دخل المدينة الهادئة الوادعة ليتمتع فيها بالاستقرار والراحة، والحق أن هذا ظن قد فاته الصواب إن دخول الإسلام إلى المدينة قد بدل واقعها من حال إلى حال، وإن دخول محمد - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان فى قمة هذا التحول أهل المدينة كانوا أوسًا وخزرجًا، فصاروا مسلمين ومشركين، والروابط كانت للعشيرة، فأصبحت للعقيدة، ومهاجرو مكة أضحوا مواطنى المدينة، وحرب بعاث أمست رمادًا، والحكم صار لله، ودار الحكم موقعها المسجد، ومحمد - صلى الله عليه وسلم- يحكم بأمر ربه، أما تاج ابن أبى فقد طواه النسيان، ويثرب التى كانت تأمن من حولها، الآن تواجه الخطر من قريش والعربان، وأكثر من ذلك كله تنظيم الديار حول المسجد، وتغيير الأعراف الاجتماعية وزوال أخلاق الجاهلية وإشراق أخلاق الإسلام وتجديد أسواق المدينة وعلاقاتها الاقتصادية،،

كل ذلك التحول الذى بدأه إيمان ستة من أهل يثرب، وزاده انتشار الإسلام فى بيوتها وقدوم المهاجرين إلى ديارها- شهد الرسول أقصاه حين دخل المدينة القلقة، وحين تعامل مع أهلها مسلمين (( مهاجرين وانصار ~ الاوس والخزرج )) ومشركين (( ومنهم عبد الله بن أبى الذى كاد أن يتوج ملكًا، لولا قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة )) ويهود ((بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة )) فأقام مجتمـعًا قاوم محاولات تفتيته بقوة وعزم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { تأسيس مجتمع جديد } **

ما أيسر أن نطوف بخيالنا فى دروب مدينة فاضلة نصف معالمها لمن حولنا حين نفيق ثم ما أعظمها من مهمة حين ننهض لنقيم بسواعدنا ما طمح إليه ذلك الخيال إن تغيير المجتمعات إلى الأفضل يبقى أصعب مهمة واجهها الإنسان، ذلك أنه يبدأ من واقع اختلطت فيه آمال الناس وآلامهم، بأعرافهم وأخلاقهم ثم بأوضاعهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعليه أن يتعامل مع ذلك كله ليحوله إلى مثاله المنشود,,,

وقد كانت تلك هى المهمة التى طفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعالجها منذ وطئت قدمه الشريفة أرض المدينة وحتى وفاته، وبها بدأ التقويم الإسلامى للتاريخ إن بذور الإسلام التى بذرها محمد - صلى الله عليه وسلم- فى صدور أصحابه بمكة قد نمت وأينعت وصارت حياة كاملة تراها فى أسواق المسلمين وتجارتهم وتلحظها فى عمارة دورهم وتخطيط شوارعهم ولهوهم ومرحهم كما تجدها فى خلقهم وأعرافهم ونظمهم وحربهم وسلمهم وتشاهدها دومًا إن حدثت الناس أو تجولت فى المكان ولقد بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- طريقه الشاق ذلك ببناء المسجد، ثم بترسيخ المؤاخاة، وبعقد ميثاق التحالف - دستور الدولة- وبث الخلق ورفع المعنويات، ثم بمعاهدته مع اليهود، حتى إذا استقر له الأمر واطمأن إلى الأساس شرع يقيم بجد وجلد بناء مجتمعه المنشود والذى قاوم بذكاء محاولات تفتيته المختلفة .

بناء المسجد النبوي الشريف ,,,,

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، ففيها يعبد الله تعالى ويذكر فيها اسمه
{
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والآصال رجال...} ( النور : 36 )

كان أول ما طالعته عيون المسلمين بالمدينة بعد نزول النبى - صلى الله عليه وسلم- على أبى أيوب رؤيتها رسول الله يشمر عن ساعديه وينقل اللبن والحجارة بانيًا مسجده النبوى منشدًا:-
اللهم لاعيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. ،،،

وقد أقيم المسجد فى المكان الذى بركت فيه ناقة المصطفى بعد أن اشتراه من يتيمين يملكانه من بني النجار فسوى أرضه وأقام أعمدته من الحجارة وحوائطه من اللبن والطين وسقفه من جريد النخل وعمده من الجذوع وفرشت أرضه من الرمال والحصباء وجعلت له ثلاثة أبواب وبنى النبى - صلى الله عليه وسلم- إلى جانبه حجرات أزواجه من الحجر واللبن ، وسقفها بالجريد والجذوع وإلى جانب كونه مكانًا للعبادة والصلاة فقد ظل المسجد منتدى تلتقى فيه جموع المسلمين وجامعة يتلقون فيها علومهم وبرلمانًا لعقد المجالس الاستشارية بل ودارًا يأوى إليها فقراء المهاجرين الذين عدموا الدار و المال والأهل بمكة وكان تشريع الأذان فى بداية الهجرة ميلادًا لصيحة الحق التى لازال المسلمون يتمتعون بسماعها خمس مرات كل يوم وليلة ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين . ثم أعيد بناء المسجد سنة 7هـ حيث اشترك في بنائه أبو هريرة ، و طلق بن علي الحنفي ـ أسلما سنة 7هـ وقد جرت توسعة المسجد عند إعادة بنائه هذه.

وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم موقع المنبر وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ، وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده ، وكانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه ، وصارت تمسى باسطوانة المخلفَّة والقرعة ، وهي الآن في ظهر المحراب القديم ، وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة ، وعرف المكان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ". و تحددت في زمنه صلى الله عليه وسلم اسطوانة التوبة داخل الروضة ، وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر ، وكان مصلى العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم في موقع مسجد الغمامة اليوم ، وكان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى كثير من المهاجرين بيوتهم في جهته ولم يوقد في حياته صلى الله عليه وسلم في المسجد قنديل ، ولا بسط فيه حصير .

تشريع الأذان ,,,,

ما أعظم القلوب حين تتجلى فيتراءى الحق على صفحتها إن صحابيًا جليلاً هو عبد الله بن زيد رأى فى منامه رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسًا فى يده فأراد أن يبتاعه منه حتى يدعو به إلى الصلاة ,,,

فسأله الرجل:- أفلا أدلك على خير من ذلك؟ ثم أرشده إلى كيفية الأذان. وأسرع ابن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- يخبره الخبر ,,,

فقال له:- إنها لرؤيا حق إن شاء الله ثم أمره أن يعلمها بلالاً صاحب الصوت النّدىّ ليؤذن بها بين الناس أما بلال فإنه ما إن بدأ أذانه حتى فوجئ المسلمون بعمر بن الخطاب يسرع فى الطريق يجر رداءه ,,,

قائلاً:- يا نبى الله والذى بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى !! وهكذا يتضح أن من شغل قلبه بالبحث عن الحق لا يلبث إلا أن يهديه الله إليه .

المؤاخاة ,,,,

لو لم يُشر القرآن الكريم إلى قصّة المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار ، ولو لم تأتِ النصوص النبويّة الصحيحة والشواهد التاريخيّة الموثّقة لتؤكّد هذه الحادثة ، لقلنا إنها قصّةٌ من نسج الخيال ، وذلك لأن مشاهدها وأحداثها فاقت كلّ تصوّر ، وانتقلت بعالم المثال والنظريات إلى أرض الواقع والتطبيق ، وفي ظلّها قدّم الصحابة الكثير من صور التفاني والتضحية على نحوٍ لم يحدث في تاريخ أمّةٍ من الأمم ، مما يجعلنا بحاجة إلى أن نقف أمام هذا الحدث نتأمّل دروسه ، ونستلهم عبره .

وهذه المؤاخاة أخصّ من الأخوّة العامة بين المؤمنين جميعاً ، وذلك لأنها أعطت للمتآخييْن الحقّ في التوارث دون أن يكون بينهما صلةٍ من قرابة أو رحم ، كما في قوله تعالى :-
{
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ( النساء : 33 ) .

أوس وخزرج فرقت بينهما حرب بعاث، وقرشيون ويثربيون فرقت بينهم عصبية الجاهلية وحميتها، كان هذا هو أول ما التفت إليه محمد - صلى الله عليه وسلم- بعد أن أتم بناء المسجد .

وفى دار أنس بن مالك كان اجتماع تسعين رجلاً من المسلمين نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، يؤاخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين كل اثنين منهم على المواساة بل والميراث أيضًا ولقد كانت لحظة رائعة فى تاريخ الإنسانية ذابت فيها روابط الجنس واللون والدم حين قويت وتآلفت روابط الدين والعقيدة ثم عقد النبى - صلى الله عليه وسلم- ميثاق تحالف بين المهاجرين والأنصار تأكيدًا ودعمًا لمبدأ الأخوة والتراحم ، اللازم لبناء المجتمع ولم يكن من العجيب بعدئذ أن تلمح سعد بن الربيع يعرض على عبدالرحمن بن عوف - رضى الله عنهما - أن يطلق له زوجته ، ويعطيه نصف ماله كما لم يكن من المستغرب أن نرى الأنصار والمهاجرة قد علت أصواتهم عند النبى ,,
فالأنصار يقولون:- اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل،,,
فيرد عليهم النبى - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :- لا .
فيقولون :- فتكفونا المؤنة ، ونشرككم فى الثمرة ،,,
فترد المهاجرة :- سمعنا وأطعنا .

وتذكر لنا مصادر السيرة أسماء بعض الذين آخى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد آخى بين أبي بكر و خارجة بن زهير ، وآخى بين عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك ، وبين أبي عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ ، وبين الزبير بن العوام و سلامة بن سلامة بن وقش ، وبين طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك ، وبين مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين ، وأسماء أخرى بلغت تسعين صحابيّاً .

وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفضل للأنصار ، فمدحهم بقوله :-
(
لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً ، لسلكت في وادي الأنصار ) رواه البخاري ،,,
وبيّن حبه لهم بقوله: - (
الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ؛ فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله )
رواه البخاري ،,
ودعا لأولادهم وذرياتهم بالصلاح فقال :- (
اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار ، ولذراري الأنصار ) رواه أحمد ,,،
وآثر الجلوس بينهم طيلة حياته فقال :-
(
لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار ) رواه البخاري .

ميثاق التحالف ,,,,

مجتمع وليد وواقع متحول ودولة يراد لها القيام لا بد لكل ذلك جميعًا من دستور واضح مستقر ينظم لهم أمورهم ويرجعون إليه ومن قوله للمسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب: إنهم أمة واحدة من دون الناس إلى قوله: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شىء فإن مرده إلى الله - عز وجل، وإلى محمد - صلى الله عليه وسلم-،

كانت بنود هذا الدستور النبوى لمجتمع المدينة ولاشك أن روح هذا الميثاق قد تجلت فى مبدأين أساسين:-
- الرابطة هى العقيدة .
- والحكم هو الله .
وقد شمل هذا الميثاق أيضًا معاهدة مع اليهود تليت بمعاهدات مع قبائل عربية متفرقة .

*-* بث الخلق ورفع المعنويات *-*
"
يا أيها الناس :- أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " .

ذلك كان درس الإسلام الأول ، على يدى النبى - صلى الله عليه وسلم- حين دخل المدينة الإحسان إلى المخلوق والإحسان مع الخالق ، روح الرسالة وجوهرها ومامضت إلا سنوات قلائل حتى توفى رسول الله وقد ترك مجتمعًا أنموذجًا فى خلقه وفضله مجتمعًا يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، كما يعلم أن التراحم والتواصل سر قوته ونصرته، إن المعنيين باللوائح والدساتير سيبهرهم ميثاق التحالف كما إن المهتمين بروح القانون ومقاصده سيدهشهم ذلك المجتمع المسلم الذى صنعه محمد - صلى الله عليه وسلم- .

*-* المعاهدة مع اليهود *-*

يأتى الإسلام ليقدم للبشرية الخير ويحقق لها السعادة البشرية بأسرها مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وفى عالم مزقته العصبية الحمقاء جاء الإسلام ليقر المبدأ السامى البسيط (لا إكراه فى الدين) ومعاهدة محمد - صلى الله عليه وسلم- مع اليهود تنطق برغبة صادقة فى تحقيق الخير والأمن ومنع الفساد والاضطراب بأمة واحدة اليهود أحد عناصرها نعم بدا للرسول بعض ما يبطنون حين أسلم عبدالله بن سلام وحين حاولوا تفتيت المجتمع لكن ما للإسلام ونبيه والتفتيش عما بذات الصدور إنما حسبه ما ظهر .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { قريش تهدد وتعلن الحرب } **

إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- المشغول ببناء مسجده ، والمؤاخاة بين أفراد أمته، وعقد المعاهدات مع جيرانه، والعناية بتنظيم شئون مدينته، فوجئ بخطاب من قريش تعلن فيه الحرب عليه وعلى من اتبعه، ثم إن الأنصار قد فوجئوا أيضًا بأنهم ممنوعون من زيارة بيت الله الحرام، وتمادت قريش فى تهديد المهاجرين ، فاتخذ المسلمون حذرهم واحتياطهم.

" إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتليكم ونستبيح نساءكم"

كانت هذه هى كلمات رسالة قريش، والتى قرأها عبد الله بن أبى بن سلول بعين زائغة ويد مرتعشة فطاش صوابه وجمع إخوانه من عبدة الأوثان لقتال محمد - صلى الله عليه وسلم- ومن معه مهاجرين كانوا أم أنصارًا، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحكمته فى التعامل مع المشركين أطفأ نارًا كاد أن يتأجج لهيبها مانعًا بذلك إحدى محاولات تفتيت المجتمع المسلم .

الصد عن المسجد الحرام ,,,,

إن قريشًا التى ثارت ثائرتها ضد الإسلام وأهله بدعوى الحفاظ على تراث الآباء وقيم المجتمع المكى العريقة تفاجئنا اليوم بموقف غريب فأبو جهل سيد قريش القبيلة المسئولة عن تهيئة بيت الله لزواره وتيسير هذه الزيارة لهم يرى سعد بن معاذ يطوف بالكعبة مع أمية بن خلف حليفه بمكة، فيعترض طريقه قائلاً بغلظة :- ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبى صفوان مارجعت إلى أهلك سالما فرفع سعد صوته عليه صائحًا:- أما والله لئن منعتنى هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه طريقك على أهل المدينة .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { فرض القتال } **

بعد نزول قوله تعالى : -
{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير }
( الحج : 39 )
ثم نزول الإذن بالقتال، أخذ رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إعداد العدة وتجهيز القوة لمواجهة الكفر وأهله ، وأراد المسلمون توجيه رسالة قوية إلى قريش من خلال حصارها سياسياً واقتصادياً ، وأرادوا كذلك إشعار يهود المدينة ومنافقيها والأعراب بأن المسلمين أقوياء ، وأن فترة الاستضعاف السابقة قد أدبرت .

وانطلاقاً من ذلك فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عدداً من السرايا والبعوث ، لمتابعة تحركات قريش ونشاطاتها ، فمن تلك السرايا التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر الكبرى ,,

إن قريشًا التى طال تكبرها قد لقنتها سرية نخلة درسًا لم تنسه فعبدالله بن جحش ونفر من المسلمين معه يستطيعون بسهولة أن يغيروا على تجارة قري فيسوقوا عيرها إلى المدينة مع أسيرين وقد خلفوا وراءهم قتيلاً لكن قريشًا المعاندة والتى أدركت الخطر على طريق تجارتها إلى الشام قد اختارت سبيل الحرب من جديد وهنا وفى شعبان سنة اثنتين من الهجرة نزلت آيات الله تعالى الفارضة للجهاد والقتال فى سبيله ثم ما لبثت هذه الآيات غير يسير حتى تليت بآيات من سورة محمد تصف طريقة القتال وتبين أحكامه وتحث عليه وتذم أولئك الوجلين منه الخائفين على أنفسهم .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { السرايا والغزوات قبل بدر } **

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

باب المهادنة مفتوح، وقد ولجت منه جهينة وبنو ضمرة، أما إن أبت قريش إلا الصياح والتوعد، والتهديد والتطاول، فللحق قوة تحميه! هذا ما أكده النبى، ومن معه من المسلمين، لمشركى مكة ومن مالأهم، فى سرايا وغزوات متتابعة وهى: سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وغزوة الأبواء، وغزوة بواط، وغزوة سفوان، وغزوة ذى العشيرة، وسرية نخلة.

سرية سيف البحر ,,,,

علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بخروج أبى جهل فى عير لقريش ومعه ثلاثمائة رجل فعقد لواءً أبيض لحمزة وأرسله فى ثلاثين رجلاً من المهاجرين يحمل لواءهم أبو مرثد كناز بن حصين الغنوى ، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص فالتقوا واصطفوا للقتال لولا أن مجدى بن عمرو الجهنى وكان حليفًا للفريقين- قد مشى بينهما حتى حجز بينهم وكانت هذه السرية فى رمضان عام واحد من الهـجرة .

سرية رابغ ,,,,
وقد وقعت فى شوال فى السنة الأولى من الهجرة حيث التقى المسلمون وقوامهم ستون راكبًا من المهاجرين على رأسهم عبيدة بن الحارث بن المطلب مع مائتين من المشركين تحت إمرة أبى سفيان- التقوا على بطن رابغ فتراموا بالنبل دون وقوع قتال وكان حامل لواء المسلمين يومئذ مسطح بن أثاثة ومن طرائف هذه السرية انضمام اثنين من جيش المشركين إلى المسلمين وهما المقداد بن عمرو البهرانى وعتبة بن غزوان المازنى فقد كانا مسلمين خرجا مع الكفار كوسيلة لبلوغ جيش المسلمين .

سرية الخرار ,,,,
وقد خرج فيها سعد بن أبى وقاص فى عشرين راكبًا فى ذى القعدة فى السنة الأولى من الهـجرة يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل طلبًا لعير قريش حتى بلغوا الخرار، فوجدوا العير قد مرت بالأمس فعادوا ولم يلاحقوها تنفيذًا لأمررسول الله - صلى الله عليه وسلم- لهم بذلك وقد كان حامل اللواء يومئذ المقداد بن عمرو .

غزوة الأبواء ,,,,
وهى أول غزوة يخرج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنفسه مستخلفًا سعد بن عبادة على المدينة فى جيش قوامه سبعون رجلاً من المهاجرين حامل لوائهم حمزة بن عبدالمطلب طلبًا لعير قريش وقد بلغ الجيش "ودان" فلم يلق كيدًا وفى هذه الغزوة عقد النبى - صلى الله عليه وسلم- معاهدة حلف مع عمرو بن مخشى الضمرى سيد بنى ضمرة وقد جرت هذه الغزوة فى صفر سنة اثنتين من الهجرة .

غزوة بواط ,,,,
فى ربيع الأول فى السنة الثانية من الهجرة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فى مائتين من أصحابه يحمل لواءهم سعد بن أبى وقاص ليعترض ألفين وخمسمائة بعير لقريش يحميها مائة رجل على رأسهم أمية بن خلف الجمحى فبلغ بواط ولم يلق كيدًا وكان خليفته - صلى الله عليه وسلم- على المدينة سعد بن معاذ .

غزوة سفوان ,,,,
تسمى هذه الغزوة بغزوة بدر الأولى ،، وقد وقعت أحداثها فى ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة ؛ إذ أغار كرز بن جابر الفهرى فى قوات خفيفة من المشركين على مراعى المدينة ونهب بعض المواشى فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمطاردته فى سبعين رجلاً من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة زيد بن حارثة وأعطى اللواء على بن أبى طالب ووصل النبى - صلى الله عليه وسلم - واديًا يقال له سفوان من ناحية بدر لكنه لم يدركها فرجع من دون حرب .

غزوة ذي العشيرة ,,,,
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جمادى الأولى فى السنة الثانية من الهجرة فى خمسين ومائة ويقال فى مائتين - من المهاجرين على ثلاثين بعيرًا يعتقبونها اعتراضًا لعير قريش الذاهبة إلى الشام لكنهم حين بلغوا ذا العشيرة وجدوا أنها قد فاتتهم بأيام وهذه العير هى التى طلبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رحلة عودتها من الشام فكانت سببًا لغزوة بدر الكبرى وقد آب إلى المدينة فى جمادى الآخرة وكان قد استخلف عليها أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومى وحامل اللواء فى هذه الغزوة هو سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب وقد عقد النبى -صلى الله عليه وسلم - معاهدة عدم الاعتداء مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة فى هذه الغزوة .

غزوة نخلة ,,,,
بعد أن أتم عبدالله بن جحش واثنا عشر مهاجرًا يومين فى مسيرهم فضوا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى كان معهم تنفيذًا لأوامره فوجدوا فيه:- إذا نظرت فى كتابى هذا فامض حتى تنزل بين مكة والطائف فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهم وشعر عبدالله بثقل المهمة وقلة عدد أصحابه فخيرهم بين المجىء معه إن أحبوا الشهادة وبين الرجوع إلى المدينة إن كرهوا الموت فما تخلف عنه منهم أحد إلا سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان فإنهما كانا يعتقبان بعيرًا لهما فهرب منهما فتخلفا فى طلبه واستأنفت السرية مسيرها حتى بلغت نخلة ورأت عير قريش تمر حاملة الزبيب والأدم والتجارة وفيها عمرو بن الحضرمى وعثمان ونوفل ابنا عبدالله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى ابن المغيرة وهنا وقع المسلمون فى حيرة كبيرة إذ كانوا فى اليوم الأخير من شهر رجب فى السنة الثانية من الهجرة وهو شهر حرام لا يجوز فيه القتال لكنهم إن تركوهم دخلوا مكة وانتهى الأمر ورأوا بعد المشاورة أن يقاتلوهم فرموا عمرو بن الحضرمى فقتلوه وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة وعزلوا من ذلك الخمس، فكان أول خمس،
وأول قتيل وأول أسيرين فى الإسلام ,,

وهنا أطلقت قريش التى طالما انتهكت حرمات المسلمين وسفكت دماءهم بالبلد الحرام - أطلقت عقيرتها حزنًا على شهر الله الحرام الذى انتهك ثم نزل الوحى بالقول الحق موضحًا أن حرمات المسلمين التى انتهكت ودم نبيهم الذى كاد يسفك أعظم حرمة عند الله من شهر رجب وقد أطلق بعدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراح الأسيرين وأدى دية المقتول إلى أهله .

قال تعالى:
{يَسأَلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أَهله منه أَكبر عند اللَّه والفتنة أَكبر من القتل } (البقرة:217).

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** { تحويل القبلة } **

إن رفع الستار قد يكون لفضح المتسترين به أو لاستقبال نهار يوم جديد أما تحويل القبلة فقد كان الأمرين معًا !!
فحين نزل أمر الله تعالى فى شعبان فى العام الثانى من الهجرة بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى بالقدس إلى المسجد الحرام بمكة ، فضح كثير من ضعفاء اليهود ومنافقيهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا عداوته فضحوا برفضهم الامتثال لأمر الله ورجوعهم إلى ما كانوا عليه فتطهرت صفوف المسلمين منهم ولا شك أيضًا أن فى تحويل القبلة إيذانًا باستقبال طور جديد فى دعوة المسلمين طور لا ينتهى إلا باحتلال القبلة الجديدة فهل يصلى المسلمون لقبلة قد نجستها أوثان المشركين ؟ اللهم لا !





رد مع اقتباس