سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 23 : البطالة تعريف البطالة : البطالة هي ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة ، إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية . وطبقاً لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل عن العمل هو كل قادر على العمل وراغب فيه ، ويبحث عنه ، ويقبله عند مستوى الأجر السائد ، ولكن لا يجده . وتصنف البطالة في الإحصائيات الرسمية تبعاً لفئات العمر والجنس ( ذكر وأنثى ) ودرجة الخبرة أو التعليم . كما تتم التفرقة في دول كثيرة بين فئة الذين كانوا يشغلون وظائف ثم تعطلوا ، وفئة المتعطلين من الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة . معدل البطالة : معدل البطالة هو نسبة عدد الأفراد العاطلين إلى القوى العاملة الكلية ، وتعتبر موناكو هي الدولة التي يبلغ معدل البطالة فيها 0 % ( عام 2005 ) ، تليها قطر بـ 0.7 % ( عام 2007 ) ، أما أعلى معدل بطالة فيوجد في ليبيريا غرب إفريقيا حيث يبلغ معدل البطالة 85 % ( عام 2003 ) . ارتباط البطالة بمستوى النشاط الإنتاجي : إن مستوى التوظيف يرتبط بمستوى الناتج القومي الحقيقي في الأجل القصير ، وهو يتقلب بتقلبه . فحينما يصل الناتج القومي الحقيقي إلى أقصى مستوى ممكن يصل التوظيف كذلك إلى أقصى مستوى ممكن عملياً ، ويكون معدل البطالة حينئذ عند حده الأدنى الذي نطلق عليه المعدل العادي . أما إذا ارتفع مستوى الناتج القومي الفعلي فوق أقصى مستوى ممكن ، فإن المعدل الفعلي للبطالة يصبح أقل من المستوى العادي ، وهذا هو ما يحدث في حالة وجود تضخم . والعكس صحيح في حالة وجود انكماش ، حيث يرتفع معدل البطالة الفعلي فوق المستوى العادي ، وفي هذه الحالة الأخيرة فإن الفرق بين المعدل الفعلي للبطالة والمعدل العادي يمثل بطالة إجبارية Involuntary Unemployment . وتعتبر البطالة الإجبارية أخطر أنواع البطالة لأنها تعني وجود أشخاص قادرين يبحثون عن عمل ، ولكن ليس لهم وظائف في أي مكان داخل الاقتصاد القومي . أنواع البطالة : يمكن أن نشير إلى خمسة أنواع رئيسية للبطالة ، وهي : · البطالة الدورية Cyclical Unemployment ( البنيوية ) : وهي ناتجة عن دورية النظام الرأسمالي المنتقلة دوماً بين الانتعاش والتوسع الاقتصادي ، وبين الانكماش والأزمة الاقتصادية التي ينتج عنها وقف التوظيف والتخفيف عن الأزمة بتسريح العمال ( كما يحدث في الولايات المتحدة هذه الفترة ، إذ تصدر شهرياً نتائج التوظيف سلبية ، أي عدد الوظائف المستقطعة وليس المستحدثة ) . البطالة الاحتكاكية Frictional Unemployment : وهي ناتجة عن تنقل العمال ما بين الوظائف والقطاعات والمناطق ، أو نقص المعلومات فيما يخص فرص العمل المتوفرة . البطالة الهيكلية Structural Unemployment : هي البطالة الناشئة عن عدم التوافق في سوق العمل بين الخصائص الوظيفية للعمل المطلوب من جهة ، والخصائص الوظيفية للعمل المعروض من الجهة الأخرى . ومن أسباب هذه البطالة التقدم التكنولوجي ، أو انتقال الصناعات إلى بلدان أخرى بحثاً عن ربح أعلى . البطالة المقنعة Disguised Unemployment : تتمثل بحالة من يؤدي عملاً ثانوياً لا يوفر له كفايته من سبل العيش ، أو أن بضعة أفراد يعملون سوية في عمل يمكن أن يؤديه فرد واحد أو اثنان منهم . وفي كلا الحالتين لا يؤدي الشخص عملاً يتناسب مع ما لديه من قدرات وطاقة للعمل . ·البطالة الموسمية Seasonal Unemployment : هي بطالة الأشخاص الذين يعملون خلال فترة من العام ويتعطلون فترات أخرى ، أو في مواسم معينة ( مثل موسم الحصاد في الزراعة أو مواسم السياحة ) ويتعطلون بقية العام . أسباب البطالة : يمكن تلخيص أسباب البطالة فيما يلي : تدخل الدولة في عمل السوق الحرة وخاصة فيما يخص تدخلها لضمان حد أدنى للأجور ، إذ إن تخفيض الأجور والضرائب هما الكفيلان بتشجيع الاستثمار وبالتالي خلق الثروات وفرص العمل . التعويض عن البطالة وقوانين العمل . توقف الرأسماليين عن الاستثمار إذا لم يؤدي الإنتاج إلى ربح كافي يلبي طموحاتهم . التزايد السكاني . التزايد المستمر في استعمال الآلات وارتفاع الإنتاجية ، مما يستدعي خفض مدة العمل وتسريح العمال . تنتاب البلدان حالات من الركود الاقتصادي في بعض السنوات بسبب ظروف أو سياسات اقتصادية . البطالة الاحتكاكية والبطالة الهيكلية لهما أسباب مستمرة في البلدان النامية ، إلا أنها ظواهر عارضة أو معتادة في البلدان المتقدمة . نتائج البطالة : يمكن تلخيص نتائج وآثار البطالة فيما يلي : · تعتبر البطالة ضياعاً حقيقياً للموارد الاقتصادية ، فهي تعني فقدان حقيقي للسلع والخدمات التي كان يمكن إنتاجها بواسطة العمال العاطلين . وحتى حينما يتاح لهؤلاء العاطلين فرصاً للعمل ويصبح لهم إنتاج ، فإن عملهم هذا وإنتاجهم لن يعوض الفاقد الذي حدث خلال فترة البطالة . · خسارة تترتب على بطالة العمال المهرة ومتوسطي المهارة حينما تطول فترة بطالتهم ، وهي تتمثل في فقدانهم التدريجي لمهاراتهم أو خبرتهم . · الخسارة المترتبة على تخصيص جانب من موارد الدولة للإنفاق على الاحتياجات الأساسية للعاطلين . فالحكومات تجد نفسها مواجهة بمشكلة اجتماعية وسياسية خطيرة كلما وجد عاطلون فقدوا مصادر دخلهم ، ولهم ولعائلاتهم احتياجات أساسية . وهنا لا بد من توفير الإعانات الضرورية عن طريق الميزانية العامة . ومبالغ هذه الإعانات كان من الممكن في غير ظروف البطالة أن تذهب لبناء مشاريع إنتاجية . وقد أصبح عرفاً سائداً على مستوى العالم أن الحكومات لا بد أن تلتزم إنسانياً وسياسياً بإعانة العاطلين حتى تتوافر لهم فرص للعمل . · للبطالة آثار اجتماعية وسياسية لا تقل سوءاً أو خطورة عن الآثار الاقتصادية ، بل إن هذه الآثار الاجتماعية والسياسية تنعكس بعد ذلك في شكل آثار اقتصادية خطيرة . فالأشخاص الذين كانوا يشغلون وظائف ثم فقدوها وأصبحوا عاطلين يتعرضون وعائلاتهم لتدهور أحوالهم المعيشية ثم تتدهور أوضاعهم الاجتماعية وظروفهم النفسية . وقد يقع هؤلاء في مشكلات معقدة نتيجة الاستدانة والرغبة في إخفاء حقيقة أوضاعهم البائسة . معالجة البطالة : يمكن تلخيص طرق معالجة البطالة فيما يلي : · من الممكن خفض معدلات البطالة الاحتكاكية عن طريق خدمات المعلومات Information Service التي يكون الهدف منها إعطاء معلومات كافية عن أماكن وشروط الوظائف الخالية ومزاياها . · علاج البطالة الهيكلية لا يأتي إلا بإعادة تدريب العمال وتأهيلهم حتى تصبح قدراتهم الوظيفية متناسبة مع ما هو مطلوب في سوق العمل . · يمكن أن تلعب السياسات الاقتصادية دوراً كبيراً في خفض حجم البطالة الإجبارية تدريجياً ، إذ يجب أن تعمد الحكومات إلى السياسات النقدية والمالية التوسعية التي تساعد على خلاصها سريعاً من الركود الاقتصادي . ويلزم بالإضافة إلى ذلك بذل جهود إنمائية مكثفة حتى يمكن رفع معدلات الاستثمار وتنمية النشاط الإنتاجي في الأجل الطويل ، بما يخلق فرصاً متزايدة للعمل . · تصحيح آلية الأجور في سوق العمل يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تقليل معدلات البطالة ، ذلك لأنه كلما شاعت المنافسة في سوق العمل كلما أصبحت معدلات الأجور تعبر عن حالة عرض العمل والطلب عليه . وبالتالي يصبح ممكناً أن تقوم التغيرات في الأجور بدورها في تصحيح الوضع كلما اختل بسبب البطالة . معدل البطالة وتأثيره على حركة العملات : لمعدل البطالة تأثير بالغ الأهمية في الأسواق المالية وأسعار صرف العملات ، خاصة بالنسبة للدول التي يعتمد اقتصادها على نفقات المستهلكين وسوق العمل ، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا . ويعكس ارتفاع معدل البطالة تراجعاً اقتصادياً ، وذلك بسبب ارتفاع عدد العاطلين عن العمل ، أي تراجع الإنتاج والنمو ، وبالتالي فإن هذا التراجع سينعكس تراجعاً مباشراً في سعر العملة . كما أن انخفاض معدل البطالة سوف يؤدي إلى تحسن اقتصادي وارتفاع في سعر العملة . وفيما يلي جولة على وضع البطالة في عدد من الدول : · البطالة في الولايات المتحدة : يعتبر معدل البطالة في أمريكا متغيراً اقتصادياً مهماً ، وذلك لأن الاقتصاد الأمريكي هو اقتصاد يعتمد على نفقات المستهلكين ، ويلعب سوق العمل دوراً كبيراً فيه ومحركاً له . فمعدل البطالة حين ينخفض يعتبر مؤشراً بارزاً لمرحلة انتعاش اقتصادي وتوسع ، أما حينما ينخفض فيعتبر مؤشراً بارزاً لمرحلة ركود اقتصادي كما هو الحال بعد انفجار أزمة الرهون العقارية . · البطالة في كندا : يشابه الاقتصاد الكندي الاقتصاد الأمريكي في التركيبة الهيكلية ، وهو يعتمد في القسم الأكبر من استيراده على الاقتصاد الأمريكي . ويأخذ سوق العمل ومعدل البطالة في كندا حيزاً مهماً من الرزنامة الاقتصادية ، لما لهما من تأثير اقتصادي على حركة الدولار الكندي . · البطالة في أستراليا : لنتائج معدل البطالة في أستراليا تأثير مهم ومباشر على حركة الدولار الأسترالي ، لما للبطالة من دور بارز في تحديد وجهة الاقتصاد الأسترالي . · البطالة في نيوزيلندا : الاقتصاد النيوزيلندي هو توأم الاقتصاد الأسترالي ، وبالتالي فإن دور معدل البطالة في الاقتصاد النيوزيلندي شبيه بدوره في الاقتصاد الأسترالي . إلا أن معدل البطالة في نيوزيلندا يصدر فصلياً كل ثلاثة أشهر · معدلات البطالة في بلدان أخرى لا يعتبر سوق العمل محركاً اقتصادياً فيها :