سئل أحد الأعراب: أصحيح أن السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب: كلا، بل العذاب قطعة من السفر.
أنا مغترب عن بلدي منذ 26 عاما، تجرعت خلالها مالم يكن يوما في الحسبان، والسؤال العالق في ذهني الآن: ماذا لو عاد الزمن؟.
لعل أشد ما يمكن أن يحصل للمغترب من تجربتي الخاصة هو حالة اللامبالاة والتبلد وتحجر القلب إزاء المستجدات والحوادث، ففي البداية تحس بالألم والحزن على فقد أحدهم ثم لا تلبث رويدا حتى تحس بنوع من الجمود وعدم الاكتراث. ليس لأن ما فقدته ليس بعزيز أو غال عندك، وإنما هي ضريبة الاغتراب ولابد من دفعها، وكل ذلك يهجم على المرء ويتلبسه دون شعور منه، رغم كم المشاعر الذي يحمله المغترب وحنينه للعودة والشوق للوطن والأهل والأقارب وأصدقاء الطفولة والأماكن التي اعتاد ارتيادها إلا أن العين في الغالب ستخذله وستضن عليه بالدمع.
ما من شك أن للاغتراب فوائد جمة من التعرف على ثقافات أخرى وتوجهات مختلفة والعمل ووجود حياة كريمة مكفولة تشعر المرء أنه آدمي وله اعتباره، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل ولأول مرة بشكل منطقي عن السبب الرئيس في فقد بلداننا لمثل هذه الحياة التي ينشدها كل إنسان، مالذي ينقص بلداننا الأصلية وحكوماتنا لتتقاعس عن خدمة مواطنيها والرفع من مستوى حياتهم المعيشية وتقدير الإنسان الذي كرمه الله؟.
ختاما وليس آخرا، فإن الواحد منا حين تحين له فرصة الاغتراب لن يكون محملا بكم من التجارب التي تخوله ليحزم أمره، ولكنه بعد أن يعيش التجربة سيكون له بلا شك رأي آخر وتساؤلات لم يطرحها من قبل.