سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 18 : القطاع العقاري التوسع العمراني : في القرن الرابع عشر لم يكن عدد سكان مدينة لندن يتجاوز الأربعين ألف نسمة ، وكانت كل المباني من الخشب ، وأكثر شوارعها مشوهة بالتعاريج الغريبة . وفي القرن السادس عشر وبعد اكتشاف قارة أمريكا شهدت لندن نهضة تجارية جديدة ، فتضخم عدد سكانها حتى أصبح 500 ألف نسمة نحو سنة 1650 . ومع الثورة الصناعية سنة 1750 ، وخارج سور المدينة القديمة ، بدأت الضواحي تتوسع وارتفع عدد سكانها من 700 ألف نسمة إلى 4.5 ملايين نسمة سنة 1901 ، ثم بلغ 7.5 ملايين نسمة سنة 1921 ، وناهز 9 ملايين نسمة سنة 1938 . أما اليوم فإن مدينة لندن يسكنها نحو 14 مليون نسمة ، في منطقة تبلغ مساحتها نحو 1560 كيلومتر مربع . إن حال مدينة لندن هو حال مدن العالم أجمع من حيث التوسع العمراني وازدياد عدد السكان ، كمدينة شيكاغو التي تظهر في الصورة (في الأسفل) ، وقد انتشرت فيها المباني العالية وناطحات السحاب ، إلى جانب المباني السكنية ، وتوسعت حتى تضاعفت مساحتها . كما أنه إلى جانب مباني المدن ، بدأت المباني السكنية العالية تغزو الأرياف لتصبح بعضها أشبه بمدن صغيرة . تحوي مدينة شيكاغو الأمريكية مليون و153 ألف وحدة سكنية . القطاع العقاري وأهميته : يتكون القطاع العقاري في أي دولة في العالم من مجموع التجمعات السكنية للمباني في المدن والضواحي بشكل رئيسي ، والأرياف التي تشيد فيها المباني السكنية والبيوت . ويتخذ القطاع العقاري أهميته من كون الإنسان يعيش اليوم بشكل رئيسي في تجمعات سكنية ضخمة يطلق عليها "مدن" ، ولهذه التجمعات السكنية أهمية كبيرة في حياة الإنسان بشكل يستطيع معها التكاثر والتوسع بشكل منتظم . الدور الاقتصادي للقطاع العقاري : يلعب القطاع العقاري دوراً في الحياة الاقتصادية العامة وليس دوراً إنتاجياً ، فهو لا يعتبر قطاعاً من القطاعات الإنتاجية لأي بلد ، بل يعتبر قطاعاً مكملاً للاقتصاد . فالمجتمعات المتطورة هي المجتمعات التي تهتم بتنظيم السكن لسكانها ، وذلك لما للتنظيم من أهمية اقتصادية في الحياة العامة ، وإدارة كفوءة ومنظمة للموارد ، فالتنظيم البشري ينتج عنه توفير في استهلاك الموارد وبالتالي ينعكس هذا على الاقتصاد بشكل عام كما هو الحال في اليابان وسويسرا وغيرها . والدول التي تعاني اكتظاظاً سكانياً وعشوائية في التجمعات السكانية غالباً ما تقع في مشكلة تبديد الموارد الطبيعية والبشرية ، كالدول النامية والمتخلفة التي تعاني اليوم من فقر في مجتمعاتها واكتظاظاً سكانياً أكبر من الحجم الذي يمكن أن يتحمله اقتصادها . الأزمات العقارية : تعاني اليوم معظم دول العالم من مشكلة التضخم السكاني ، كما أن بعضها يعاني صعوبة إيجاد المساكن اللائقة لعدد كبير من البشر ، لما لذلك من ثقل على الموارد الاقتصادية وتأثيراً على القطاعات السكانية . ويرتبط القطاع العقاري بالقطاع المصرفي بشكل مباشر في الدول المتطورة ، إذ إن شراء العقارات غالباً ما يأتي نتيجة قروض مصرفية يأخدها المالك من المصرف ، وبالتالي فإن هذين القطاعين شديدي الترابط . ويتأثر الاقتصاد بشكل عام في أوقات الأزمات ، منها الأزمات التي تحصل في القطاع العقاري ، وأبرزها أزمة الرهون العقارية التي شهدتها الولايات المتحدة والتي لها وجه مصرفي ووجه عقاري ، والتي انفجرت في آب من العام 2007 ، ولا تزال ذيولها حتى اليوم . وسوف نسلط الضوء على هذه الأزمة ونشرح كافة جوانبها وتأثيراتها : أزمة الرهون العقارية : خلال السنوات الماضية كانت أسعار العقارات قد ارتفعت في الولايات المتحدة عبر تسهيل البنوك لشروط الاقتراض بهدف شراء العقارات ، وقد فعلت البنوك ذلك بدافع تضخيم حجم عملائها المقترضين ، لأن ذلك يرفع من أسهمها في البورصات العالمية . وأغرى إقبال المستثمرين البنوك ومؤسسات الإقراض على تكثيف قروضها دون الحصول على ضمانات كافية للسداد ، كما أن تسهيل إعادة الرهن العقاري سمح لأصحاب العقارات بمزيد من الاستدانة بسبب ارتفاع سعر عقاراتهم . وفي ظل تنامي الطلب على المساكن والقروض ، راحت البنوك الأمريكية تتنافس في تسويق عروض تسهيلاتها الائتمانية بهدف تضخيم أرباحها الدفترية ، لدرجة أن بعضها لم يعد يشترط رهن العقار نفسه ، وإنما اكتفى بالضمان الشخصي للمالك . ومع الوقت ، وجد كثير من المقترضين أنفسهم غير قادرين على سداد الدفعات الشهرية لقروضهم العقارية ، الأمر الذي أدى إلى شطب ديونهم باعتبارها ديوناً هالكة ، ومن ثم أدى ذلك إلى أزمة سيولة كبيرة في البنوك الأميركية ، أثرت بدورها على البنوك العالمية . وقد اضطرت البنوك المركزية إلى ضخ أموال ضخمة لاحتواء الأزمة ، وتفادي تفاقمها في قطاعات الاقتصاد الأخرى . وكما تقول أسواق المال دائماً "إذا عطست أمريكا أصيب بقية العالم بالرشح" ، فإن هذه الأزمة التي لا زالت مستمرة حتى اليوم انتقلت ذيولها إلى باقي أنحاء العالم . فدورات الارتفاع والهبوط في أسعار العقاراتكانت مقصورة في السابق على الدول التي تمر بها ، إلا أن المغامرة في القطاعالعقاري الأمريكي أغرتالبنوك الكبرى وصناديق الاستثمار علىالدخول في سوق القروض العقارية الأمريكي ، مما أدى إلى نشر مخاطرها على نطاقأوسع ، وذلك ما جعل أزمة القروض العقارية تتردد أصداؤها في أنحاءالعالم وتقود إلى انكماش ائتماني تطلب تدخل البنوك المركزية ، بضخالمليارات من السيولة النقدية في القطاع المصرفي وقد تكبدت البنوك الأمريكية بشكل خاص خسائر كبيرة جراء هذه الأزمة العصيبة ، كما أن البورصات الأمريكية تكبدت خسائر كبيرة نتيجة خسائر البنوك ، كما هو موضح في الشارتات ( من اليسار إلى اليمين : داوجونز ، ناسداك ، وأس أند بي 500 ) : ولا شك أن التأثيرات طالت أزواج العملات ، فتكبد الدولار الأمريكي خسائر كبيرة أمام الين الياباني ( كما هو ظاهر في الشارت ) ، وهبطت أزواج الين بشكل عام بسبب هبوط البورصات الأمريكية ، إلا أنه حقق ارتفاعات كبيرة أمام أزواج الدولار ، اليورو والباوند والدولار الأسترالي ( كما هو ظاهر في الشارت ) والدولار النيوزيلندي والدولار الكندي والفرنك السويسري . المؤشرات العقارية : للقطاعات العقارية في دول العالم مؤشرات عديدة ، تقيس مدى تطور أو تراجع مبيعات العقارات والبيوت الجديدة أو مستويات أسعارها وغير ذلك . وهناك عدد من هذه المؤشرات في عدد من دول العالم : المؤشرات العقارية في الولايات المتحدة : مبيعات البيوت الجديدة New Home Sales : يقيس هذا المؤشر عدد الوحدات السكنية المباعة . والتغيرات في نسبة الوحدات السكنية تدل على نسبة الطلب للبيوت ومجريات أعمال البناء ، في كل مرة يبدأ بناء جديد يرتفع عدد وظائف البناؤون ، مما يؤدي الى إرجاع المدخول الى الاقتصاد . مبيعات البيوت الموجودة Existing Home Sales : يقيس هذا المؤشر مبيعات البيوت المبنية سابقاً . وتأخذ مبيعات البيوت المبنية مسبقاً حصة أكبر في السوق من البيوت الجديدة . ويزودنا هذا المقياس بالزخم الاقتصادي وليس فقط بالطلب على عملية الإسكان ، فيجب أن يكون الناس مرتاحين وواثقين من وضعهم المالي لشراء البيوت . إضافة إلى ذلك فهو له تأثير كبير على الاقتصاد العام ، وكذلك على الأسواق . البيوت قيد البيع Pending Home Sales : يقيس هذا المؤشر طلبات عدد الوحدات السكنية قيد البيع . إنشاء المنازل Housing Starts : يقيس هذا المؤشر عدد الوحدات السكنية المنشأة كل شهر . رخص البناء Building Permits : يقيس هذا المؤشر عدد رخص البناء الشهرية . مؤشر أسعار المنازل House Price Index : يقيس هذا المؤشر مستوى أسعار المنازل . المؤشرات العقارية في بريطانيا : مؤشر هاليفاكس لأسعار المنازل Halifax House Price Index : هاليفاكس هو أكبر مقرض عقاري في المملكة المتحدة بدأ عام 1984 ، وهو يقوم بأبحاث سكنية واسعة على نطاق البلد كله ، منها مؤشر هاليفاكس لأسعار المنازل . مؤشر آر آي سي أس لميزانية أسعار المنازل RICS House Price Balance : يصدر هذا المؤشر من المؤسسة الملكية للمسّاحين المرخصين Royal Institution of Chartered Surveyors ، وهو يقيس تغير أسعار المنازل في بريطانيا . نايشون وايد لأسعار المنازل Nationwide House Prices : يعتبر هذا المؤشر مقياساً لتكاليف البيوت في المملكة المتحدة ، وهو يصدر عن شركة نايشون وايد . مؤشر رايتموف لأسعار المنازل Rightmove House Price Index : تصدر شركة رايمتوف العقارية البريطانية شهرياً نتائجها لأسعار المنازل ، وتعتبر هذه النتائج إحدى المؤشرات لأسعار المنازل البريطانية . المؤشرات العقارية في كندا : إنشاء المنازل Housing Starts : يقيس هذا المؤشر عدد الوحدات السكنية المنشأة كل شهر في كندا . تأثيرات المؤشرات العقارية على حركة العملات : لنتائج المؤشرات العقارية تأثيرات مهمة على الأسواق المالية وعلى حركة العملات ، وازدادت أهميتها خاصة في وقت الأزمة التي مرت بها الرهون العقارية ، ونتائج تراجع معدلات مبيعات البيوت وأسعارها تنعكس بطبيعة الحال سلباً على العملة ، والعكس صحيح .